د. عبد الله النجار: "أبو زهرة" يمقت الاستبداد وقال أن الخلافة الإسلامية انتهت للانتخاب الحر المباشر د.محمد الشحات الجندي: أبو زهرة أكد أن اختلاف الأئمة رحمة وتنوع لم يكن معرض الكتاب بمنأى عن الأحداث التي شهدتها البلاد، أجواء الحزن سيطرت على رواد المعرض لكنه حزن يغلفه الإصرار، فلم يمنع العنف البعض من المشاركة والحضور، وفى ندوة لمناقشة كتاب "تاريخ المذاهب الإسلامية" للشيخ محمد أبوزهرة استضافت مكتبة الأسرة الدكتور عبد الله النجار والدكتور محمد شحات الجندي لمناقشة الكتاب. تحدث الدكتور عبد الله النجار عن الفهم العميق للشيخ أبو زهرة للاختلاف الذي هو سنة كونية، من خلال كتابه الذي استعرض المذاهب الفقهية فجاء كلامه على درجة من الأهمية لأننا خرجنا من دائرة افعل ولا تفعل إلى عمق الاختلاف بين الأئمة وهو ما يؤدي الى التوسيع وفتح باب التيسير. وقال إن رحمة الاختلاف تتيح للفرد أن يكون مستطيعا لآداء التكليف وفق المذاهب الفقهية، كما تكلم أبو زهرة كلاما موسعا في ثمانية كتب عن فقه أبي حنيفة والإمام مالك والشافعي وجعفر الصادق وابن تيمية فضلا عن تغطية كل المذاهب الفقهية الأخرى ممن يعتد بها في التشريع الإسلامي، وكان أبوزهرة يعرض في كل مجلد من المجلدات الثمانية لإمام مستعرضا حياته الفكرية والعقلية والاصول التي قام عليها مذهب الفقيه. وبالتالي كانت معالجاته كافية شافية وتدل على أن الرجل سبر أغوار الفكر الإسلامي بتعدد أئمة اختلفت أماكنهم وأزمنتهم وأثبت أن الشريعة قابلة لاستيعاب عقول هؤلاء العظام. وتطرق النجار إلى حياة الشيخ أبو زهرة فتحدث عن حياته ووصف النجار نفسه وزملائه بحفدة تلاميذ أبو زهرة الذي بدأ حياته الأولى في القرية والكتاب وتربى تربية دينية تؤهله لحمل شرف العلم ووراثته من النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر أن اسم أبو زهرة كاملا هو: أحمد مصطفى احمد عبد الله ولد في المحلة الكبرى 1889م وبدأ بحفظ القرآ الكريم واتمه في العقد الأول من عمره في المحلة الكبرى القريبة من مدينة طنطا. واشتهر عنه في طفولته بأنه شخصية متميزة، وكان حرا في أفكاره يثير قضايا فكرية يراها بعض الشيوخ نوعا من الحرية الزائدة. وكان يكره السيطرة والاستبداد وهي من الأمور التي أثرت على فكره وحين تكلم عن الخلافة الإسلامية قال إنها انتهت للانتخاب الحر المباشر، وأن الحاكم يجب أن يكون مرضيا عنه وقادرا على أمور الخلافة وإذا خرج عن الشروط يعزل أو يخرج عنه الشعب لفساد أكبر. ولفت إلى طارئ في المسيرة العلمية للشيخ محمد أبو زهرة كان سببا في التحول الكبير بالنسة له وفي غزارة إنتاجه، وهذا التحول جاء بانتقاله إلى مدرسة القضاء الشرعي التي لم يكن يدخلها أحد بسهولة عن طريق اختبارات صعبة اجتازها بتفوق فكان أصغر المتقدمين سنا ودراسة. وكانت تلك المدرسة تعنى بتدريس العلوم الفقهية والمواد الحديثة وتشبه إلى حد كبير ما فعله الأزهر بإنشاء كلية الشريعة والقانون، وهي طريقة من أنجح الطرق لفهم الشريعة. وينظر النجار إلى الدكتور محمد الشحات الجندي ويقول: لعلك تشاركني الرأي في أن الممازجة بين الشريعة والقانون تجعل الفقه في عالم المستجدات والواقع، كما أن دراسة القانون تخدم الشريعة خدمة بالغة. وأقول - ويوجه خطابه للجمهور - إن الذي لم يدرس القانون لم يفهم الشريعة فهما جيدا. كما أن امتزاج الدراسات القانونية بالشريعة له فهم في الشريعة وأشهد الله أن هذه الطريقة التي يعيبها البعض قد استفدت منها استفادة كبرى فأخذت القانون وسيلة لفهم الشريعة وهذا ما حدث مع ابو زرعة الذي تخرج من القضاء الشرعي من أجل تخريج طلاب العلم الذين يمارسون القضاء في ساحاته، واستفاد به الشيخ أبو زهرة في حياته العلمية ومن العجيب أنه كان أول المنتسبين ومن ضمن آخر دفعة في مدرسة القضاء الشرعي التي أغلقت أبوابها بعد ذلك لظروف سياسية. وتخرج ابو زهرة وحصل على عالمية المدرسة فاتجه إلى دار العلوم فدرس فيها وحصل منها على معادلة، وإنتاجه العلمي غزير، ألف عديد من الكتب ودرس لأعلام الفقه الإسلامي وفي نهاية حياته فسر القرآن الكريم وبدأ التفسير بمقالاته في مجلة لواء الاسلام وجمع المقالات في كتابه "المعجزة الكبرى". ثم ختم حياته بكتاب كان دائما يحمد الله على أنه وفقه إليه وهو كتاب "خاتم النبيين" وتناول فيه سيرة النبي وكان في ثلاثة مجلدات احتوت كل منها على ما يتعلق بالسيرة بأسلوب جزل لعالم ذو باع كبير، ولذلك تم تدريس كتبه في كلية الحقوق التي اشتغل بها. ولم ينس النجار أن يعرج إلى الملامح الإنسانية للشيخ أبو زهرة فذكر أنه يحب الدعابة وملاطفة الطلاب وتربيتهم التربية الصحيحة ويعنى بالنشئ الذي يصفه بالزخيرة. يحكى أنه كان يؤدي محاضرة والطلاب منتظرون وإذا بطالب متأخر يطرق الباب فضبطه وهو يضع وردة في جيب الجاكت وقال له ادخل يا أبو ورده!.. فقال له الطالب شكرا يا أبو زهرة.. فلم يكن من الشيخ إلا أن ترك المنصة وذهب إليه وقبّله وهو يقول إنه طالب سريع البديهة يرد على القافية وهو ما يدل على حبه للعلم. من جانبه قال الدكتور محمد الشحات الجندي أن أبوزهرة يتسم بالثراء العلمي وترك للمكتبة الإسلامية تراثا حيّا، وقسم في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية إلى قسمين: المذاهب السياسية والفكرية والمذاهب الفقهية. والأولى نحن بحاجة إلى فهمها، فالشيخ كان يعلم أن الحديث عن السياسة والخلافة ورد في كتب العقيدة أو علم الكلام. وأشار الجندي إلى أن الكتاب يؤرخ لنشأة المذاهب الفكرية والدينية في الإسلام وهناك فرق متعددة ذكر أسباب الخلاف بينها، ذلك لأن الاختلاف جائز وهو فطرة وطبيعة إنسانية غيرالخلاف الذي يؤدي إلى الصراع. والفرق الاسلامية تحتوي على ثلاثة مذاهب: أهل السنة والجماعة والشيعة والخوارج. والخلافات لم تكن موجودة في البنية الاسلامية وينبغى أن تكون هناك وحدة تجمع شمل المسلمين. ولذلك فإن التفرقة الدينية بين المذاهب مرفوضة شرعا. وكان الصراع على السلطة دائما هو سبب الخلافات وخاصة في نهاية عصر الخلفاء الراشدين التي أطلت بعصبية لم نتخلى عنها أو نتخلص منها في المجتمع الإسلامي، ولذلك قال النبي صلّ الله عليه وسلم " ليس منا من دعا الى العصبية". فالإسلام جاء لتخفيف آثارها، وكتاب الملل والنحل للشهرستناني ذكر أن أعظم خلاف وقع بين الأمة كان حول الإمامة؛ والفتوحات الإسلامية من الهند للأندلس أخذت ثمانين عاما فقط، بينما استغرق تأسيس الإمبراطورية الرومانية 800 سنة حتى قيل أن الدين الاسلامي يفتح القلوب وعندما يتدين به إنسان يعرف أنه دين السلام والرحمة. ورغم هذه الفتوحات التي شملت العالم لم يفقد المسلمين من الشهداء مثل ما صار بينهم عندما تقاتلوا على السلطة. يواصل النجار: كونوا واقعيين حين تتكلموا عن الخلافة.. نحن نتحدث عن عديد من الدول المترامية الأطراف، هذه الخلافة لها بديل، فإذا كنا نتكلم على اننا نريد دولة وفقا للهوية فهذه الدولة تعتمد على العدالة والشورى والوحدة والمصلحة العامة، وليست مصلحة الجماعة أو المذهب الذي أنتمي إليه، والقران عندما تكلم عن الرسالة قال على لسان سيدنا شعيب " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، وينبغى أن نعلم أن الدين واحد في أصوله ومستنداته والاختلاف في التفاصيل والشرائع. أما بالنسبة للأمور الدنيوية والحديث عن السياسة فهناك كتب كثيرة تناولت السياسة في الإسلام والشيخ أبو زهرة رصد هذه الأمور وتحدث عن الفرق وذكر أنها 73 فرقة.. وفي نهاية خلافة عثمان حدث الخلاف على السلطة وقتل عثمان وهو يتلو القرآن الكريم وهو ما بدأ الفتنة التي كتب عنها طه حسين والعقاد. كما بدأ التشيع منذ هذا الوقت وظهر "الشيعة "، البعض ذهب إلى سيدنا على للمبايعة فتررد ووافق، ورفض معاوية البيعة، وكان البعض ثائرا على الإسلام وحمل له الحقد خاصة مع توسع الدولة الإسلامية. ووجد هؤلاء الفرصة للنفاذ باسم الدين لتمزيق هذه الوحدة بالتشيع الذي روج له عبد الله بن سلول حين زعم أن الإمام على "إله"، حتى يشتت الأمة وكان ابن سلول لبقا ولديه حجة وكون فرقة من أخطر الفرق وهي "السبأية" التي انتسبت إليه. ولذلك فإن تفتيت العالم الإسلامي والسعي لذلك لم يكن من فراغ وكان له جذور.