صدرت مؤخرا الأجزاء الثلاثة الأولى من رباعية "عربدة أثناء قيلولة الرب" ، للكاتب الأردني أسامة عكنان . وتحمل الأجزاء الأولى من الرواية اسم "الجثمان" ثم "الهاروس" ثم "الزنزانة" وقد نشرت عن دار غيداء للنشر والتوزيع ، لمالكها غسان حسين في عمّان. وسوف تشارك الرواية بمعرضي "عمان" و"القاهرة" الدوليين للكتاب. وكان الجزء الأول قد منع من دخول الأردن في طبعة سابقة في بيروت، إلا أن ناشر الأجزاء الثلاثة، قرَّر أن ينشرها تحت كل الظروف، ومن المتوقع أن يثير نشرها مشكلات رقابية لا حصر لها في ضوء مبررات منعها في المرة السابق، وهي المبررات التي ما تزال قائمة بطبيعة الحال. ومن مبررات المنع التي ساقتها الرقابة الأردنية من قبل، صورة جثمان لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي، والذي حقنوه بمواد صينية تمنع تحلله ليصبح مزارا ، وكذلك عبارة "سليل الدوحة" التي اعتبرت دالة على الهاشميين في الأردن، ورد الكاتب حينها بأن كثيرا من الحكام الطواغيت العرب ينسبون أنفسهم زورا للهاشميين . كما سيقت مبررات لها علاقة بالمحتوى الذي راى الرقيب أنها استخدمت عبارات قد تفهم منها الإساءة للذات الإلهية أو التصويرات الجنسية المشينة. الناشر في كلمته التي ثبتها على الغلاف الغلفي للرواية كتب يقول: هذه الرواية .. في جغرافيا مكانية تكاد تتوه عبرها جغرافيتنا الزمانية، وعبر متاهات من الأفكار والأحداث المجنونة تكاد تضل معها بوصلة أعصابنا وهي ترتعش طوال مدة قراءة هذا النص، إذا لم نركز وننتبه ونصبر ونتريث، ونتجنب النزق والعجلة بكل أنواعهما، يبحر بنا أسامة عكنان غير مبال بأردية عبوديتنا التي رضعناها مع حليب الأمهات، ولا مكترث بغشاوات عفتنا التي نتنفسها في ذرات الهواء، حين يحقننا عبر عالمه الذي خلَّقه في "عربدة أثناء قيلولة الرب" بجرعات من الحرية لم نتعودها قبل اليوم لا في جِنةِ راوٍ أو قاص، ولا في شطحةِ فيلسوف أو مفكر.. عاصي إبراهيم العلي بطل رباعيته، ملحد ماجن يعربد كما لم يعربد في مخيلتنا قبل اليوم لا ملحد ولا ماجن .. للوهلة الأولى انتابتني قشعريرة وأنا أخط في مخيلتي الضيقة دلالات عنوان بهذه الجرأة، وتساءلت برعشة عما يمكن لوحي مبدع أن يسكبه من جنون فوق أكثر من ألف صفحة ضمخها بعربدة ملحد ماجن، استغل ما اعتبره الكاتب قيلولة رب كي يفيض بكل ذلك المجون وبكل تلك العربدة. ظننت أن الكاتب نفسه ملحد بل ربما ماجن أيضا. وهزئت ساخرا من إهدائه الذي قرأته أول ما قرأته متعارضا أشد ما يكون التعارض مع هذا العنوان. فإهداء يقول: "إلى الذين يحبون الله.. هذا النزيف"، يكاد يكون لوثة ادعاء في خضم حقن الإله بحقنة مخدرة دفعته إلى هذه القيلولة. لكن المفاجأة كانت كبيرة وغير مسبوقة، عندما اكتشفت بعد قراءتي للنص كاملا، أنني أمام صوفي من نوع فريد، ينزف حبا لله بلا حدود، بل وبقدرٍ يصعب أن يتصوره من لم يقرأ هذه الرواية.. رباعية "عربدة أثناء قيلولة الرب"، في جزئها الأول "الجثمان"، محيط متلاطم الأمواج من الأفكار والفلسفات، من الإيمان والإلحاد، من الحب والجنس، ومن العشق والغرام، بدءا بأسمى وأرق المشاعر وانتهاءً بأكثرها حيوانية وإباحية، وهي فوق كل ذلك جرعات مسكرة من السياسة والبطولة ومواقف التحدي، من العقل والجنون، ومن كل أنواع الخروج عن المألوف في قوالب من اللغة والبلاغة والإسهاب في الوصف والتحليل النفسي وقراءة الأفكار - لم يُشَق للكاتب فيها جميعها على ما أظن وأتوقع - أي غبار .. لن يستطيع قارئ هذه الكلمة أن يتخيل فضاءات الجنون الموزون، ولا حدود الفكر المعلن أو المخزون في هذه العربدة إلا إذا قرأها، ليكتشف أن المؤلف جعل من بطل روايته عاصي إلها صغيرا استطاع أن يعيد الحياة إلى جثمان لينين المحنط في موسكو، بعد أن قرر إنقاذه من صفقة مهينة عقدها الروس والأميركان بواسطة الألمان، تقضي بنقله ليتحول من رمز أمة وثورة إلى مزار سياحي في نيويورك مقابل القروض والأموال .. ولأن أحداث الرواية اقتضت أن يتصادف ذلك الحدث المهين مع توصُّل الصينيين إلى اختراع أمصال تعيد الحياة إلى الجثث المحنطة بهذا الشكل، فقد كان من سكب الجنون أن تلتقي إرادة أحفاد كونفوشيوس مع إرادة ملحد مختلف عن كل الملحدين من مدينة "كوم الصرار"، المدينة الرمز للضعف والتخاذل والذل في جغرافية بمساحة الوطن العربي، لأجل خدمة الغاية من هذا العمل الروائي غير المسبوق. وإذا كان عاصي بطل روايتنا قد قرر فعل ذلك ليخدم إلحاده بكشفِه لأمر برزخ خاوٍ بلا سكان خلافا لما يزعم أتباع الأديان، فإن عودة لينين بقدر ما خدمته في هذه النقطة فقد خذلته أيما خذلان، عندما رأى فيه مبعوثا من البرزخ بوعي استطاع الإيمان بإله لم يره في مرقده.. إننا أمام رواية تستحق أن تنال الاهتمام بدءا بجزئها الأول "الجثمان" ولغاية جزئها الرابع الذي ما يزال قيد التأليف بلا عنوان .. والجدير بالذكر ان اسامة عكنان واحد من كبار الكتاب والادباء والفلاسفة والروائيين والسياسيين بالمملكة الاردنية الشقيقة ، وقد عمل باحث في "مركز الشرق للدراسات والترجمة" بعمان ، ومحرر وكاتب صحفي في العديد من المجلات والصحف الأردنية والعربية الصادرة خارج الأردن ومن بينها صحيفة "آخر خبر" الأسبوعية التي تصدر في مدينة لوس أنجلوس باللغة العربية . وله العديد من المؤلفات المنشورة ومن بينها (كتاب بعنوان حوار هادئ في أسس المذهبية الاقتصادية صدر عام 1989 ، وكتاب بعنوان إعصار الخليج وقد صدر عام 1990 في طبعته الأولى في عمان ، وفي طبعته الثانية في الجزائر ، وكتاب بعنوان رسالة إلى الله وقد صدر عام 1999 في كاليفورنيا بالولايات المتحدة ،ورواية بعنوان الحليب والدم وقد صدرت عام 2001 عن دار الأمين للنشر والتوزيع بالقاهرة ، وكتاب بعنوان سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي وقد صدر فيعام 2007) .