"الأدب سيد الموقف" كان هذا هو الوصف لليلة أمس في قصر الأمير طاز، ففي جو امتزج فيه الماضي بالمعاصر قدّم خمسة كتاب وكاتبات ألمان قراءات من أعمالهم الإبداعية الصادرة حديثاً للجمهور المصري في مدينة القاهرة بوصفها عاصمة النشر الكبرى. خرجت الأمسية بتعاون مشترك بين منتدى برلين الأدبى (LCB) ومعهد جوتة القاهرة، حيث قدّم الأدباء الألمان الحائزون على العديد من الجوائز أوراق اعتمادهم لدى الجمهور المصرى، وهم أولريكه دريزنر وكاتارينا هاكر (الحاصلة على جائزة الكتاب الألمانية عام 2006) وهانا ليمكه وأولا لينتس وديفيد فاجنر، وقد حاز الأخير على جائزة معرض لايبزيج للكتاب فى ربيع عام 2013 عن روايته "حياة" التى أحدثت صدى كبير، أدارت الكاتبة والناقدة الأدبية إينا هارتفيج الحوار فى ليلة القراءة. حياة الكتاب ديفيد فاجنر ولد عام1971، استهل مشواره الروائي بإصدار رواية "بنطالي الأزرق الداكن بلون الليل" ثم تبعه بعد ذلك بالمجموعة القصصية "كل ما ينقص", ثم الكتاب النثري "هل يتحدث الطفل", ثم مجموعة مقالات نقدية بعنوان "أي لون يصبغ برلين", ورواية "أربع تفاحات". ليخرج علي جمهوره عام2013 م بروايته "حياة" التي نال عنها جائزة معرض لايبزج للكتاب. عالج فاجنر في هذا الكتاب إشكالية التبرع بالأعضاء, حيث حكي فيه عن حياته مع نوع نادر ومزمن من أمراض الكبد وعن إقامته أي فاجنر الطويلة في مشفي فيركوف في برلين. وتتناول الرواية الأيام الطوال والليالي الممتدة في عالم المشفي إلي جانب رفاق الغرفة في الأسرة المجاورة والذين يتبدلون دوما, وتتمايز مصائرهم واعترافاتهم أحدهم بائع مشروبات يزور محبوبته خفية, وأخر لحام لبناني فقد كلا أخويه في الحرب الأهلية. وقد كتب أحد النقاد عن هذه الرواية يقول انها تصور كيف يحيا الإنسان مع المرض، في انتظار كبد جديد، ويتعين عليه حينها ان يعيش أيضاً مع الخوف والوحدة وهي المشاعر التي تناولها فاجنر في روايته بحيادية تامة، وتأمل يجعل القارئ ينسى خوفه ومرضه ووحدته، عبر شفافية تغلف الأفكار لتخرج في النهاية الرواية بشكل مؤثر. قرأ فاجنر جزء من روايته جاء فيه: "..وصلتني مكالمة بعد الساعة الثانية ظهراً تناولت السماعة ووجدت: سيد فاجنر لقد وجدنا لك عضواً متبرعاً مناسباً. كم انتظرت هذه المكالمة وكم خفت منها. أخذت أفكر كم أنه جميلاً أن أبقى حياً لبعض الوقت وربما لبضع سنوات". وفي جزء آخر يقول: "قبل ذهابي إلى المشفى بينما أنتظر سيارة الإسعاف وجدتني أرسل لأصدقائي رسائل قصيرة لأودعهم أقول فيها "سأذهب الآن للمشفى من أجل كبد جديد" وحين طالعت ما أرسلت بعد ذهابي إلى المشفى وجدتني أرسلت: سأذهب الآن للمشفي من أجل حياة جديدة". الاستلقاء بشكل صحيح تشير أعمال الكاتبة أولريكا دريزنر المولودة عام1962 والمشاركة ضمن الوفد الي نوعية أخرى من الانشغالات الروائية . وقد خلعت دريزنر اعتبارا من العام1993 عباءة التدريس في جامعة ميونيخ كي تتفرغ لمهنة الكتابة. فظهرت باكورة أعمالها عام1995, في صورة ديوان شعري عنوانه شحذ الذاكرة ومنذ ظهورها أصدرت العديد من الترجمات والمقالات النقدية ودواوين الشعر والروايات والأقاصيص. في عام1996 انتقلت أولريكا دريزنر إلي برلين, حيث تعيش حتي اليوم وتعمل كاتبة حرة. وقد استطاعت ابنة الجنوب أن تحصل لإصدارتها علي جوائز تقديرية عديدة من قبيل جائزة هولدرلن، وجائزة روزفيتا. وفي كتابها الذي يحمل عنوان "الاستلقاء بشكل صحيح. حكايات في ثنائيات" تحكي بفن رائع وشغف عن العلاقات المذبذبة وأشواق الحب والجشع تجاه المال. إنها حكايات عن الأزواج وعن أولئك الذين يحلمون برفيق حياة. تقول في قراءتها: كيف نخطيء افتراش الأسِرة ورغم ذلك نستلقي بشكل صحيح. 130 كيلو من الدهون ترقدُ إلى جانب بيرتا على الفراش – هي نفسها أصابها أشدُ الاندهاش، حول مدى حب الانسان لشيء ما. راعي حيوانات هاوٍ أحب إليه أن يستيقظ ليلاً إلى ليراقب الخفافيش الصغيرة متربصًا بها، عن أن يُجاور زوجته الفراش. أما شنيبل، الذي يُسمَّى أيضًا "شنيبا"، فيطبخ لرفاق عصابة السطو وجبة الوداع، التي تستقر في معدتهم طويلاً. تُلقي أقاصيص أولريكا دريزنر الجديدة نظراتٍ شائقة على الحب والحياة المهنية والسعادة غير المُتوقّعة. كتب عن الرواية الناقد دوروتيا فون تورني قائلاً: "كلُ قصةٍ لها ديناميتها الخاصة. كلُ جملةٍ افتتاحية تُعطي نغمةً مُختلفة، تنقل القارئ معها وبطريقةٍ مُذهلة إلى قصصٍ كوميدية أو تراجيدية أو عبثية عن أزاوجٍ أو علاقاتٍ ثلاثية أو حتى مجموعةٍ من أربعة أشخاصٍ تتقاطع داخلها طرقُ الحب." البقية القليلة من الموت منذ أن قضى والدها نحبه في حادث سقوط طائرة، لم تعد أريانا هي الأخرى في حالتها الطبيعية بطريقةٍ ما. حتى ذلك الصمت المحمل بالنشوة في جبال بالاني الهندية، التي قضت فيها أشهرًا بمعبدٍ لأتباع شريعة زن المُنبثقة عن البوذية، بدا بعيدًا بسنواتٍ ضوئية. لاحقًا عندما استيقظت ذات صباحٍ تحت نافذة حبيبها، علمت أن شيئًا ما فيها لا يسيرُ على ما يُرام. لكن كيف لها أن تحيا حياةً رصينة ومُستقيمة، عندما لا يُريدُ الموتُ نفسه أن يتواءم مع الحياة، عندما يكونُ هناك دومًا شيءٌ مُتبقٍ: ذكرياتٌ أخر غمزةٍ بالعين على رصيف المحطة، والحضور المُبهم في الرسائل المُخزَّنة على جهاز الهاتف، والسؤال المُعذِّب عن الأسباب الفعلية للحادث. هذا ما تحكيه رواية "البقية القليلة من الموت" للكاتبة أولا لينتسه، حيث تحكي عن سيدة شابة فقدت والدها في حادث سقوط طائرة، وتصف ما يتبقى من ذكريات وتأثير ذلك على الأحياء. هي رواية عن المعاناة، وتكشف عن شئ هش لا يمكن الإمساك به هو "الأنا". تقترب أولا لينتسه بشدة من خلال صورها النثرية البارزة المعالم من تجربة الوداع وفقدان الذات، بطريقةٍ تجعل تلك التجربة حاضرة نفسيًا ويُمكن إدراكها. يتبعُ القارئُ، وهو يحبس أنفاسه، الراوية الصادرة بضمير المًتكلم، يُمنِّي النفس بخلاصها مما هي فيه، وهو يعلم أنها الأن أقرب ما تكون إلى الحالات التي لا يصلُ المرءُ إليها سوى في أشد الحوادث حزنًا وأعمقها تأزمًا. تبدو الكاتبة أولا لينتسه ذات صلة وثيقة بالثقافة العربية بسبب خبرتها في الطواف بدول المنطقة وهي من مواليد عام1973 وعقب دراستها للموسيقي والفلسفة في كولونيا, نشرت لها عام2003 باكورة أعمالها الروائية بعنوان "أخت وأخ" وحازت علي عديد من الجوائز. في السنوات التالية طافت في سلسلة من الرحلات قادتها إلي سوريا وإيران وليبيا والإمارات والهند, حيث كتبت في تلك الفترة عددا من التقارير تسابقت علي نشرها عدة صحف، وسبق أن اختيرت أولا لينتسه عام2004 كاتبة للمدينة في دمشق. لعب الشباب بلغةٍ مُركزَّة للغاية، تسرد هانا ليمكا اللقاءات العابرة والعلاقات المُتقطعة والحالات المزاجية والحوادث المُثيرة والاختلالات على هامش فترة الشباب، التي لا تريدُ أن تنتهي، وتحكي عن السعي الدؤوب نحو اتخاذ موقفٍ ليس مستقر، في روايتها "مؤمن" تبدو الكاتبة هانا ليمكا هي اصغر كاتبات الوفد الالماني وهي من مواليد عام1981. وفي روايتها تقول: كلُ ما يملكه (جورج) يجتمعُ داخل حقيبة سفر، وعندما يُصابُ بالملل، ما عليه إلا أن يواصل الارتحال. لكن طالما هو هنا، فإن ذلك لا محالة شيءٌ جميل. ترى (كاترين) الأشخاص الحمقى في كل مكان، وفي الحقيقة يلزمها اصطحابُ سلاحٍ معها. وبالنسبة للحظ الذي كان يُرافق (ميلان) دائمًا، حتى في حادثة السيارة التي أصابته، فهو على الأرجح لم يكن يريده. حكايات ريفية قريةٌ في أودنفالد، وطفلٌ يقضي الصيف هناك مع أخوته وأبويه وأجداده. لكن هذا العالم من الأمان والجمال الصامت المتواري بعيدًا، أصابته صدوعٌ طفيفة، كانت سببًا في إثارة المخاوف والأحلام. لم يكن خافيًا على أحدٍ وجودُ القباء تحت المنزل، والغابة السوداء التي يذهب فيها الصيّاد. ما لم يكن مفهومًا هو عاداتُ البالغين وأحاديثهم. وتاريخُ العائلة أيضًا يضربُ بجذورٍ بعيدة في زمن التشرّد والرعب، عندما تسرد منه الجدةُ أخبارًا. برزت بصمةُ كاتارينا هاكر تمامًا في "حكاية قرية"، في هذا التصوير المُكثَّف لعالم القرية الصغير، تطرح الكاتبة سؤالاً عن الأشياء الكبيرة، وعن الخفاء والوحدة، وعن الحب والحياة والموت. من حيث الشهرة نالت الكاتبة كاتارينا هاكر المولودة عام1967 شهرة كبيرة بسبب روايتها "المعوزون", والتي تلقت علي إثرها جائزة الكتاب الألمانية عام2006. قرأت الكاتبة من روايتها عن جدة تكره الحيوانات وتخاف منها، وحين كان أحد يتحدث عنهم أمامها كانت تقول: هناك كثير من البشر لا يتحدث عنهم أحد، فلماذا إذاً نتحدث عن الحيوانات. وتصف الرواية الجدة وتقول: كان وجهها مريحاً، لا يظهر عليه علامات الضيق إلا عندما يدور الحديث عن النازيين أو الحيوانات!. وتذكر الرواية أن الجد كان يعاتبها لكرهها الحيوانات بقوله: "هم مخلوقات مثلنا..لا تتعالوا". من جانبها قالت السيدة جابريلا بيكر، مديرة معهد جوته: "نحن سعداء للغاية لأن منتدى برلين الأدبى وقع اختياره هذا العام على المدينة المصرية الكبرى، القاهرة، ليقدم فيها نخبة لامعة من الأدباء الألمان. هكذا تتاح الفرصة أمام الجمهور المصرى المهتم بالأدب كى يكون انطباعا شخصيا عن مدى تنوع النثر والشعر الألمانى المعاصر ليقتنع بنفسه بأن ألمانيا لديها الكثير مما تقدمه فى مجال الأدب" كما يكمن الهدف وراء هذه الرحلة فى عقد لقاءات مع الناشرين والمحررين ولفت أنظارهم إلى الكتب والمؤلفين. يذكر أنه من بين عواصم النشر الكبرى التى وقع عليها الاختيار من قبل مدينة نيويورك وبرشلونة وبراغ وأسطنبول وبوينس أيريس وأخيرا أثينا.