نعم إنها الفتنة الطائفية في مصر؛ إنها شجرة مثلها مثل شجرة الزقوم طلعها كأنه رؤوس الشياطين؛ تم زرعها من قبل نظام سابق كان يتحالف مع الشيطان ضد شعبه لتأمين بقاءه على الكرسي مدى الحياة. لعب الفقر والجهل والفساد دور رئيسي في التطرف الديني لدى الجانبين المسلم والمسيحي؛ ونتيجة لغياب الهدف وتضاؤل الطموح وتملك اليأس الكثير، وانعدام الحيل والأساليب المادية الواقعية على الأرض؛ لجأ كل منهم إلى الدين لتحقيق مآرب دنيوية؛ فكانوا صيدا سهلا للمتطرفين من الجانبين. ضاع الانتماء للوطن؛ وأصبح الانتماء الحقيقي للجماعة أو الفرقة الدينية التي ينتمي إليها هؤلاء، فكلمة أمير الجماعة أعلى من القانون، وبناء مسجد أو زاوية أو كنيسة أهم من بناء الدولة وحماية شعبها الذي يبحث عن الأمن والأمان. نمت شجرة الفتنة الطائفية وترعرعت؛ وروت بدماء المسلمين والمسيحيين، بعد أن امتدت جذورها في باطن الأرض الطيبة وظللت أغصانها أرض الكنانة من الإسكندرية إلى أسوان، احتمى في ظلها كل فاسد، وعكف على ريّها كل صاحب مصلحة، وذاق المصريون المسلمون والمسيحيون مرارة ثمارها. رأينا من يعتدي على حرية الآخرين ويرتكب كثير من الجرائم باسم الدين، فظهر المسلم والمسيحي الذي يؤمن بأن استقطابه لفتاة من الدين الآخر وإقناعها باعتناق دينه والزواج منها هو الجهاد الأعظم الذي سوف يدخله الجنة. المشكلة الحقيقية مشكلة أفكار وعقائد متطرفة لدى الجانبين، ولم تكن يوما مشكلة قوانين ولوائح تنظم كيف ومتى تبنى كنيسة أو جامع؛ تُرجمت هذه الأفكار والمعتقدات إلى أحداث دموية وحوادث طائفية هنا وهناك يدفع ثمنها الوطن؛ كان آخرها ما حدث مساء الأحد 9 أكتوبر. الإعلام بجميع وسائله لعب دوراً كبيراً في تأجيج مشاعر الأقباط وشحنهم معنويا من خلال تناوله أزمة كنيسة "المريناب" بأسلوب لا يمت للمهنة بصلة، وذلك بتبنيه خط الهجوم المباشر وغير المباشر على الحكومة والمجلس العسكري واتهامهم بالتراخي المتعمد في تلبية مطالب الأقباط؛ متجاهل الأسباب الحقيقية وراء الأزمة وجذورها الممتدة لأكثر من ثلاثين عامًا. وأخيرا أتوجه بسؤال للأخوة الذين قاموا بهدم وإحراق كنيسة "المريناب" هل المشكلة لديكم في بناء الكنيسة في حد ذاته؟ أم المشكلة لديكم في أن البناء بدون ترخيص؟ فإذا كانت الإجابة بأن المشكلة هي بناء الكنيسة فلن يحل قانون دور العبادة الموحد - الذي يطالب به الأقباط وغيرهم – مشكلة ولن يكون له أو لغيره من القوانين أي قيمة على أرض الواقع ولن ينهي الأزمة أو يزيل الاحتقان من النفوس. أما لو كانت الإجابة هي أن إقدامكم على هدم وحرق الكنيسة لأنها مبنية بدون ترخيص، فهذا عذر أقبح من ذنب، لأن الترخيص ما هو إلا مجرد إجراء إداري؛ لا يعطي شرعية دينية لما تعتقدون أنه غير شرعي ومخالف للدين. وسؤالي الآخر للأخوة الأقباط الذين تظاهروا واعتصموا أمام ماسبيرو، هل إعادة بناء الكنيسة يبدأ من هدم ماسبيرو؟ .. وهل تصعيد الموقف إلى حد الاحتكاك بالجيش المصري سيكون نصراً لكم يحقق مطالبكم المنشودة؟ رسالة إلى تجار الكلمة من النشطاء والسياسيين والإعلاميين والذين يرون في أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات وحماة الحرية، إذا كانت هذه مهنتكم التي تتقاضون عنها أجراً، فنحن نعلم أنه ليس مصلحتكم هدوء الأمور لأن في هدوءها أثر سلبي على دخولكم المادية. ونحن نعلم جيدا أيضا أنه كلما سطع نجمكم في سماء الفضائيات، سبقه ارتفاع أجوركم إلى السماء، وذلك كله على حساب الوطن، لأنك لو كنت موضوعي ومحايد فلن يكون في كلامك شيء مثير لفضائيات تبحث عن كل ما هو مثير. فلنتقي الله جميعاً في وطننا....