أكدت ثورة 30 يونيو التصحيحية أنّ جماعات الإسلام السياسي لا يمكنه أن يتجاوز أو يلغي الدولة والهوية الوطنية وهي مجرد موجات تتكسر على صخرة الوطنية، والرسالة التي بلغتها ثورة 30 يونيو المصرية، سبق أن بلغها مهرجان انطلاقة الثورة الفلسطينية في 4 يناير الماضي حيث خرج حوالي مليون مواطن في غزة رفضاً لحكم حماس،وهو المهرجان أو الثورة التي تم إجهاضها للأسف من الداخل بسبب جبن قيادة حركة فتح وخصوصا قيادة قطاع غزة، وليس من حركة حماس فقط. وان الحديث عن الهوية فهي لم تكن موضع تساؤل أو تشكيك وعلى مر قرون، إلا في السنوات الأخيرة ومن قبل جماعة الإخوان وبقية الجماعات الإرهابية التي تدور في فلكها وخرجت من عباءتها، فالشعب المصري ارتضى لنفسه هويته المصرية الفريدة، التي استوعبت جميع المكونات الروحية والثقافية على مر العصور وانصهرت في الوعي الجمعي للغالبية العظمى الساحقة من إفراده، ما يجب عمله هو ترسيخ مفهوم هذه الهوية العظيمة، وليس إعادة تشكيلها أو فرض هوية جديدة بشكل قسري، كما حاول النظام الاخواني البائد فاصطدم مع الشعب الذي قاومه وتكللت هذه المقاومة بالانتصار لصالح شعبنا المصري في أحداث ثورة 30 يونيو، والذي اثبت بخروج الشعب على اختلاف طوائفه ومذاهبه ومعتقداته المقولة التاريخية الثابتة في بناء الدول الحديثة وهي "الدين لله والوطن للجميع"، والاهم نذكر مرة أخرى، بأنه ليس من اجل هذا فجر الشعب المصري انتفاضته في 25 يناير 2011 واستكملها في ثورة 30 يونيو المجيدة، فلم يكن تحديد الهوية قائماً أو حتى موضع شك وأهداف الثورة معروفة وواضحة للجميع فلماذا تجري المرة تلو المرة محاولة إعادتنا إلى ما قبل التاريخ وتصوير المصريين وكأنهم شعب لقيط يبحث عن هوية. في الحالة العادية إذا شاهدت مشهد مظاهرات ثورة 30 يونيو بالطائرة ، وخروج ملايين المصريين في كل الشوارع المصرية ليعبروا عن رفضهم لحكمك ومطالبتهم لك بالرحيل ومازلت تجلس على كرسيك ولم تستوعب الرسالة فيفترض وعلى طريقة الأفلام المصرية القديمة إن ترحل بهدوء حفاظا على ما تبقى من ماء وجهك ، لكن الشعب يفهم جيدا أن الإخوان. تم تصوير ثورة 30 يونيو 2013 جوياً بالطائرات وكانت الميادين ممتلئة عن أخرها ولم يكن بها موطئ لقدم والهتاف يتردد في كل شوارع مصر ارحل ارحل و يسقط يسقط حكم المرشد. وكل من يتحدث عن الشرعية أو بقاء مرسي الآن بعد أحداث ثورة 30 يونيو وبعد هذا المشهد يجب عرضه على طبيب نفسي وينطبق هذا أيضا على من يتحدث عن عودة حكم العسكر فيجب عرضه على طبيب نفسي. مصر بعد أن سقطت في يد الإرهاب لمدة عام كامل انتفضت عن بكرة أبيها لتتحدث عن نفسها واستعادت من جديد لقبها بأنها أم الدنيا. لكن إن المشهد الذي سوف تراه الآن كان يتكرر في كل محافظات مصر من الإسكندريةالمنوفيةالدقهلية وكل المدن والقرى حتى لو لم تلتقطه عدسات الكاميرات، لذا تراجعوا عن تهديداتكم بالشهادة في سبيل الكرسي او تفجير وسحق الشعب واما اقبلوا بالعزلة. أما فيما يتعلق بالأمور الروحية والعبادات فيجب تركها لحرية الإفراد، ونتساءل ماذا فعلتم بالمواد التي تتحدث عن دين الدولة في الوقت الذي يعكف الإسلاميين به على تكفير عامة الشعب وإخراجه عن ملته باستغلالهم الدين وإقحامه بشكل فج في السياسة ولا نريد أن نعيد الكرة ألان بالجدل حول من له أحقية في تفسير المادة الخاصة بالشريعة أو ما هو الأفضل مبادئ أو أحكام الشريعة، دعوا الخلق للخالق هو من سيحاسبهم وليس الدستور أو القانون، والدستور بالأساس وثيقة تضمن حقوق الشعب، أما علاقة الفرد بربه فكلٌ إلى بارئه. إن كانت ثورة 30 يونيو 2013 تعتبر ثورة تصحيحية قامت بتصحيح مسار ثورة 25 يناير 2011 بعد أن ركبت موجتها وصادرتها جماعات الإسلام السياسي، وقد تمهد لتصحيح مسار غيرها من (الثورات) التي أدت لفتنة وحرب أهلية، إلا أنها في نفس الوقت تثير قلقاً حول استقرار الأوضاع في مصر في المدى القريب وقلقاً حول نجاعة الديمقراطية في العالم العربي. تبديد وهم هيمنة جماعات الإسلام السياسي وامتلاكهم شرعية شعبية. (ثورة) 30 يونيو المصرية كشفت أنّ جماعات الإسلام السياسي بما فيهم الإخوان لا يسيطرون أو يمتلكون شرعية شعبية إلا في دولة عربية واحدة – تونس - من بين 22 دولة عربية، الأمر الذي يخلق حالة تعارض ما بين الشرعية الثورية أو شرعية الشارع من جهة وشرعية صناديق الانتخابات من جهة أخرى. إنّ مجرد إجراء انتخابات لا يعني نجاح تجربة ديمقراطية. الانتخابات ليست الديمقراطية بل إحدى أدواتها. الانتخابات بدون توافق وطني على الثوابت والمرجعيات ليست طريقا مضموناً لإصلاح أو تغيير النظام السياسي لأي دولة، وما جرى في مصر بعد انتخاب الرئيس مرسي سبق حدوثه في سياق مختلف نسبياً بعد فوز حركة حماس في انتخابات يناير 2006 . (الثورات) وإن وحدت الشعب مؤقتاً لإسقاط نظام مستبد إلا أنّ الوحدة تبددت سريعاً وانقسم الشعب انقساماً حاداً بين قوى إسلام سياسي يبدو أنها لا تؤمن بالديمقراطية بما تعنيه من تعددية حزبية وسياسية وتداول على السلطة من جانب، وجماعات وطنية ديمقراطية ليبرالية تتعامل بحذر من الجماعات الدينية وتتخوف من مشروعها الديني من جانب آخر. مصر بعد 3 يوليو لن تكون مصر قبلها، وقد لا يستسلم الإخوان لقرار عزل مرسي، وقد تلجأ الجماعة وحلفاؤها من الإسلام السياسي لتوظيف قطاع غزة، الخاضع لحليفها الاستراتيجي أو فرعها الخارجي ومنطقة سيناء المحاذية، كقاعدة منطلق لمواجهة النظام الجديد عسكرياً. ما يجري في مصر وإن كان سيؤثر على حركة حماس وسلطتها ولكنه يجب أن لا يستبشر البعض في منظمة التحرير مما يجري لأن أية خسارة لحركة حماس لن تكون لصالح التيار الوطني أو منظمة التحرير بل نخشى أن يذهب لصالح إسرائيل ما دامت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح على حالهم من التردد والتردي وعدم الحسم في خياراتها الإستراتيجي. ومع تفاقم أجواء التوتر والاضطرابات، بدأت أنظار قطاع واسع من المصريين تتجه نحو الجيش مطالبة إياه بالنزول وإدارة البلاد؛ إما بسبب إخفاق الرئيس ذي الخلفية الإسلامية أو عجز المعارضة العلمانية عن توفير بديل أفضل. وامتد الأمر إلى نخب مهنية يفترض فيها الحياد كالقضاة؛ إذ أصدر نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند قبل أيام بيان تأييد للفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع وللقوات المسلحة. ويخطأ من يظن أنّ الجيش قد ابتعد بالفعل عن التفاعلات السياسية في مصر عقب إطاحة المشير القائد العام للقوات المسلحة محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان؛ فلم تبرح القوى المدنية المعارضة تناشد الجيش التدخل لتعضيد موقفها التنافسي في مواجهة تيار الإسلام السياسي. سواء صدق حدس الرئيس مرسي أم لا، ومهما كانت صيغة أو شكل التدخل المرتقب من قبل الجيش في أزمة 30 يونيو، يجوز القول إنّ هذه الأزمة - التي أظهرت مدى هشاشة وضعف القوى المدنية وعجزها عن التوافق - قد فتحت الباب على مصراعيه أمام تحذير دور الجيش المصري في الحياة السياسية حتى بعد ثورة 25 يناير وانتخاب رئيس مدني للمرة الأولى وفك الارتباط المزمن بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش. ويضيف هذا أعباءً وتحديات جسام أمام عملية التحول الديمقراطي ومدنية السياسة في مصر لآماد زمنية تالية.