تتجه أنظار العالم غدا الأحد إلى مالي حيث تعقد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي يتنافس فيها رئيس الوزراء السابق إبراهيم أبوبكر كيتا ، وسومايلا سيسي مرشح اتحاد الجمهورية والديمقراطية وذلك في أول انتخابات تجري عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس أمادو توماني توري في مارس 2012 وما ترتب عليه من سيطرة الجماعات الإسلامية على شمال مالي وتدخل القوات الفرنسية لمواجهة هذه الجماعات ومنع سيطرتها على باقي مدن البلاد. وعقدت الجولة الأولى في الثامن والعشرين من يوليو الماضي ولم ينجح أي من المرشحين في الحصول على غالبية الأصوات التي تمكنه من الفوز بمقعد الرئاسة حيث حصل كيتا على39.4% من الأصوات متصدرا بذلك السباق الرئاسي بينما احتل سيسي المركز الثاني بعد حصوله على 19.4% من إجمالي أصوات الناخبين. ونظمت الجولة الأولى من الانتخابات بحضور عدد كبير من المراقبين المحليين والدوليين الذين أقروا بشفافية العملية الانتخابية ونزاهتها ، ولم تشهد البلاد أي حادث أو أعمال عنف رغم ما صدر من تهديد من الجماعات المسلحة التي سيطرت على شمال مالي قبل أن تطرد على يد القوات الدولية بقيادة فرنسا. أمر استثنائي وبشكل غير مسبوق بلغت نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات حوالي 51.5% وهو أمر استثنائي في مالي في مثل هذا النوع من الانتخابات التي لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها عادة 38% ، وهو ما يعكس رغبة المواطنين في الاستقرار وإنهاء أعمال العنف التي استمرت طوال ال 16 شهرا الماضيين. وفيما يتعلق بفرص كل مرشح في الفوز بجولة الغد يرى المراقبون أن الكفة ترجح بدرجة كبيرة لصالح رئيس الوزراء السابق إبراهيم بوبكر كيتا الذي حصل على دعم عدد كبير من المرشحين للرئاسة وعلى رأسهم درامان ديمبيلى مرشح أكبر الأحزاب في البلاد الذي جاء في المرتبة الثالثة خلال الجولة الأولى من الانتخابات. ويعتبر المرشحان اللذان يتنافسان في جولة الغد من أبرز الزعماء السياسيين في مالي، فكلاهما دخل الساحة السياسية عقب سقوط الديكتاتور العسكري موسى تراوري عام 1991، وشغل كل منهما مناصب وزارية سابقة كما خاض كلاهما سباق الانتخابات الرئاسية من قبل. وأيا كان الفائز منهما فإنه مما لايدع مجالا للشك أن الرئيس المالي المقبل سيكون محملا بالعديد من المسئوليات والتحديات التي يتعين عليه مواجهتها في ظل الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد. وتعتبر حماية الدولة وتأمين حدودها وسلامة أراضيها على رأس التحديات التي تواجه الرئيس القادم خاصة وأن تلك الانتخابات نظمت بعد حوالي 16 شهر من أعمال الفوضى والعنف التي شهدتها البلاد ، كما أن اتفاق المصالحة الذي تم بين السلطات المالية والمتمردين الطوارق في يونيو الماضي لا يمثل أساسا قويا لضمان استقرار البلاد خلال المرحلة المقبلة في ظل استمرار مطالبات الحركة الوطنية لتحرير أزواد باستقلال مناطق الشمال عن باقي البلاد فضلا عن انتشار تجارة المخدرات عبر الحدود، ووجود عدة بؤر للجماعات الجهادية في المناطق الحدودية مع الجزائر والنيجر وموريتانيا. وفي هذا السياق يبدو من الأهمية بمكان قيام الرئيس القادم باستكمال الحوار مع حركة التمرد في الشمال للتوصل إلى حل توافقي يرضي مختلف الأطراف ويساعد في تهدئة النزعات العرقية التي ارتفعت أصواتها خلال السنوات الأخيرة ، كما يتعين على الرئيس القادم التخلص من النفوذ الفرنسي بشكل نهائي واستعادة نفوذ البلاد وبسط سيطرته على مختلف أنحاء الدولة، حيث من المتوقع أن تسعى فرنسا للحصول على مقابل لجهودها العسكرية هناك من خلال محاولات التدخل في الشئون الداخلية المالية وإعطاء نفسها دورا بارزا في عمليات التفاوض مع الحركات المتمردة وهو ما قد يشكل عائقا قويا أمام الرئيس الجديد ينبغي عليه تحجيمه. بناء الجيش ومن بين التحديات التي تقع أيضا على عاتق الرئيس القادم هو إعادة بناء الجيش المالي على نحو يضمن الولاء للدولة وذلك من خلال مراجعة التنظيم الهيراركي لهذا الجيش المفكك واختيار قيادات عسكرية على قدر كبير من الخبرة، إضافة إلى إعادة النظر في شروط قبول المجندين الجدد، والتدريب الجيد للجنود وتحسين أجورهم حتى يكونوا قادرين على الدفاع على أمن هذه الدولة وسلامتها. ويواجه الرئيس المالي القادم أيضا تحديا مهما خاص بضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز صلاحياتها كما يبدو ضروريا إجراء إصلاحات على دستور عام 1992 من أجل إعادة التوازن بين مختلف السلطات في البلاد وتفادي استئثار السلطة التنفيذية بمفاتيح السلطة كما كان الوضع قبل سابق. أما على الصعيد الاقتصادي فهناك عدد من التحديات الهائلة التي تنتظر الرئيس الجديد من أبرزها النهوض بقطاعات الزراعة والصناعة والحرف والصيد على نحو قد يحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد. كما يتعين عليه دعم اقتصاد السوق وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاهتمام باستغلال الذهب الذي تعتبر مالي ثالث منتج له في العالم ، فضلا عن توفير فرص عمل للشباب والاهتمام بإقامة شركات صغيرة ومتوسطة في مختلف المجالات من أجل إنعاش الاقتصاد ورفع القدرة الشرائية للمواطنين. ويقع على عاتق الرئيس الجديد أيضا مهمة توفير الأجواء المواتية لجذب الاستثمارات الخارجية التي توقفت نتيجة الأوضاع المضطربة التي شهدتها البلاد على مدار العام ونصف الماضي. وعلى صعيد الخدمات الاجتماعية ، فإنه يتعين على الرئيس القادم العمل على تحسين مستوى التعليم وأوضاع الطلاب والمعلمين فضلا عن إنشاء جامعات جديدة وذلك من أجل تنشئة أجيال جديدة صاحبة عقول متفتحة وتكون قادرة على قيادة أمور البلاد في المستقبل، والاهتمام بتطوير البنية التحتية للبلاد والتي من بينها تحسين خدمات الشرب والصرف الصحي واستكمال إنشاء الطرق الجديدة التي قد بدأت قبل وقوع انقلاب 2012. ويتفق المراقبون على أنه لكي يتسنى للرئيس القادم القيام بكل هذه المهام فإنه يتعين أولا أن يحظى بقبول من مختلف أطياف الشعب بمعنى أن تكون نتائج الانتخابات مقبولة من قبل جميع المواطنين لكي يحظى الرئيس الجديد بالشرعية اللازمة التي تمكنه من القيام بمسئولياته ومواجهة التحديات الصعبة التي تقع على عاتقه ، وفي حالة عدم حدوث ذلك فمن المرجح أن تدخل مالي في سلسلة جديدة من الفوضي وأعمال العنف بين أنصار كل مرشح وينتهي الأمر بتحول البلاد إلى ساحة للقتال قد تدخلها في دائرة من الحرب والفوضى غير مأمونة العواقب.