في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر حالياً، عقب عزل الرئيس محمد مرسي بعد تظاهرات الثلاثين من يونيو من عام 2013، تثير قضية المعونة الأمريكية التي تتلقاها مصر من الولاياتالمتحدة سواء الاقتصادية أو العسكرية، علامات استفهام عديدة حول مصير هذه المعونة، خاصة عقب إصدار الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراراً يطالب كافة الإدارات والوكالات الحكومية المختصة بمراجعة المعونات العسكرية الأمريكية إلى مصر. وعلى الرغم من أن الحديث المكرر من آن لآخر الذي ينطوي على تهديدات بقطع واشنطن المعونة التي تقدمها إلى مصر ليس بالأمر الجديد على القاهرة، إلا أنه يكرر من وقت لآخر كلما لاحت أزمة في الأفق أو أي خلاف سياسي في العلاقات بين البلدين. وظهرت عدد من الأقاويل تتوقع أن يتم قطع المعونة الأمريكية عن مصر، ولا سيما مع فشل السلطة الانتقالية في إدارة شئون البلاد، في حين استبعدت مصادر دبلوماسية مطلعة إقدام الولاياتالمتحدة على قرار أو إجراء بقطع هذه المعونات، باعتبارها تشكل مصلحة أمريكية أكثر منها مصرية. وحول مدى جدوى هذا الإجراء من عدمه، يرى بعض المراقبين أن كل ما يتم من تهديدات من آن لآخر بقطع المعونة، لا تعدو أن تكون محاولات للضغط تمارسها أجهزة أو أصوات أمريكية على القاهرة، سرعان ما تتبدد بعد أن تدرك واشنطن والإدارة استحالة الإقدام على خطوة بهذا المستوى، ربما تضر بالعلاقات الإستراتيجية القائمة منذ أكثر من أربعة عقود بموجب هذه المساعدات. تجميد وتهديد وظهرت هذه المعونة (التي تشمل الدعم والتسلح لقدرات مصر الدفاعية) بعد فتور العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق خلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولا سيما منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، التي هدفت إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة. وظهرت بعض التخوفات في الوقت الحالي تنطوي على احتمالية قطع أو على الأقل تجميد المعونة الأمريكية لمصر، فيأتي تهديد الولاياتالمتحدةالأمريكية هذه المرة بقطع معونتها العسكرية عن مصر جاد إلى حد كبير، ووقف الدعم العسكري لمصر بات محتملاً بشكل أكبر، لا سيما بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي أوامره ل"البنتاجون" بمراجعة المعونة الأمريكية لمصر. وأوضح اللواء عادل سليمان المدير التنفيذي لمركز الدراسات المستقبلية والإستراتيجية، في أحد التصريحات أن "سياسة الولاياتالمتحدة لا تقبل بمنح معونات لدول تعرضت حكوماتها لانقلاب عسكري"، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأوروبي هو الآخر لديه نفس السياسة، وقد يكون له نفس الموقف الأمريكي". وهو ما يعني حدوث تأثيرات سلبية على القوات المسلحة المصرية، حيث إن معظم تسليحها أمريكي، وبالتالي ستكون مضطرة للجوء إلى السوق العالمية لتوفير حاجاتها من السلاح. البنديرة الأمريكية ولكن هناك من يقلل من أهمية هذه المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة، إذ يرى بعض المحللين أنه رغم ضرورة الالتزام الأمريكي بها إلا أنها تقدم باليمين وتعود إلى الخزينة والاقتصاد الأمريكي بالشمال، حيث تشترط واشنطن أن تتولى شركات السلاح الأمريكية عقد الصفقات مع مصر، وشحن هذه الأسلحة على سفن أمريكية، علاوة على ضرورة أن يتم الاستعانة بخبراء أمريكيين في أي مشروع خدمي أو أمني ووفقاً ل"البنديرة الأمريكية"، التي تؤكد أنها مبالغ بها للغاية وتتضاعف أمثال نظرائهم المصريين عدة مرات. كما يرتبط تقديم المعونة أو المساعدات سواء لدعم قدرات مصر الدفاعية، أو للحفاظ على مصالحها بالمنطقة ووجود علاقات طيبة تجمعها مع أي نظام حاكم في مصر، باتفاقية كامب ديفيد تحت ستار مساعدة مصر وتأهيل قدراتها الدفاعية، فضلاً عن تحقيق مصالح الدولة الأمريكية في المنطقة، وربما يكون ذلك على حساب استقلالية القرار المصري والشعب وحده. ولذلك ترى بعض الأوساط الأكاديمية أنه لا بديل أمام مصر للخروج من نفق المعونة الأمريكية، إلا عبر نظام تسليحي ودفاعي مع دول مجلس التعاون الخليجي، تتم بموجبه إعادة الحياة إلى الهيئة العربية للتصنيع وضخ الدماء بها والتمويل اللازم لها لتمكينها من النهوض بالمهمة التي أنشئت لأجلها منتصف القرن الماضي. في النهاية، تبقى المعونة العسكرية أداة ضغط أمريكية على الحكومات والإدارات المصرية من حين لآخر، وهو أمر قد يتفاوت من حكومة وأخرى وحسب المعطيات الجديدة، ومن ثم فإن المعطيات المصرية الموجودة الآن تشير إلى أن أية ضغوط أو احتجاجات أمريكية لن تثني القاهرة عن اتخاذ أية إجراءات للحفاظ على مصالحها، طالما أن هذه الإجراءات متوافقة مع إرادة الشعب المصري. فإذا كانت تريد الولاياتالمتحدة قطع هذه المعونة ، فإن تياراً مصرياً عريضاً يتبنى نفس الدعوة والتوجه بشدة لضرورة التخلي عنها، ويصر على رفضها بالنظر إلى إدراكهم بأنها باتت تشكل ضغوطاً سياسية على المصريين.