في وقت تبحث فيه مصر عن دور ريادي في مجال الوحدة الأفريقية والتكامل الأفريقي، الذي بات أحد أهم الطموحات التي شغلت بال مفكري وقادة وشعوب القارة الأفريقية منذ فترة التحرر من الاحتلال الأوروبي، والفترة التي نالت فيها معظم الدول الأفريقية استقلالها حتى الفترة الحالية ، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن بما يهدد تلك الآمال والطموحات، ولا سيما مع قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، الصادر يوم 5 يوليو 2013، بتعليق عضوية مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي نتيجة ما اعتبره الاتحاد "تغييراً غير دستوري في الحكومة المصرية". ومن هنا تثار التساؤلات التالية: ما هي الخسائر التي ستترتب على تعليق عضوية مصر؟ وما الذي يجب أن تفعله في ظل هذه الأحداث المتلاحقة، وهل ما حدث عبارة عن إجراء طبيعي عادة ما يتخذه الاتحاد الأفريقي تجاه الدول التي يحدث فيها صراعات على السلطة ويكون الجيش طرفاً فيها، أم إنه إجراء له مصالح أخرى؟ ولايات متحدة تأسست منظمة الوحدة الأفريقية من أجل تعميق وتعزيز التضامن الأفريقي، وحل قضايا القارة السياسية والاقتصادية والأمنية في إطار أفريقي بحت، ومن ثم برزت فكرة تطوير المنظمة الأفريقية لتصبح اتحاداً أفريقياً يؤسس لإنشاء ولايات متحدة أفريقية عبر الإسراع في إنجاز الوحدة في جميع المجالات بين جميع الدول الأفريقية. ومن أهم أهداف الاتحاد الأفريقي التي يسعى إلى تحقيقها طيلة الفترة السابقة هو تعزيز الأمن والسلم في القارة الأفريقية، والحل السلمي للنزاعات بين الدول المكونة لعضوية الاتحاد الأفريقي، وذلك عبر العديد من الوسائل المستخدمة في فض النزاعات، والتي تقررها آلية الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي، والجمعية العامة (مؤتمر الرؤساء) هي الجهة الأولى المناط بها تحقيق الأمن والاستقرار وفض النزاعات. ويتم ذلك من خلال مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي يمثل الجهة المناط بها متابعة تنفيذ تلك المبادئ والأهداف الخاصة بالحفاظ على الأمن والسلم وفض النزاعات بالطرق التي حددتها المواد الخاصة بحفظ الأمن والسلم في دستور الاتحاد الأفريقي. عقوبات ونزاعات ويمتلك المجلس في سبيل تحقيق ذلك، العديد من السلطات، منها القيام بإرسال بعثات للسلام، وفرض العقوبات في حالة حدوث أي تغير غير دستوري لأحد الحكومات الأفريقية، واتخاذ المبادرات والإجراءات التي يراها المجلس مناسبة لمنع أي النزاعات القابلة للاشتعال، أو إيقاف النزاعات المشتعلة. وتعتبر القرارات الصادرة عن مجلس السلم والأمن ملزمة للدول الأعضاء، كما أن له الحق في التدخل في أي دولة من الدول الأعضاء، في حالة حدوث جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم الأخرى التي يعتبرها الإتحاد الأفريقي أنها ضد الإنسانية. ومنذ اجتماع مجلس السلم والأمن الأول في العام 2004 م، وهو يهتم بفض النزاعات التى نشأت في العديد من البلدان الأفريقية كأزمة إقليم دارفور في السودان، وجزر القمر، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوروندي،و كوت ديفوار، وغيرها من البلدان الأفريقية الأخرى. كما اتخذ قرارات نشر قوات حفظ سلام تابعة للإتحاد الأفريقي في كل من الصومال وإقليم دارفور السوداني، كما تم فرض عقوبات على الأشخاص المهددين للسلم والأمن عبر حظر السفر وتجميد الأصول المالية لزعماء التمرد في جزر القُمر بالإضافة لتدخل القوات الأفريقية لاستعادة جزيرة الإنجوان لصالح المحافظة على سيادة دولة جزر القمر بعد انفصالها. ومن هنا، يتخوف المهتمون بالشأن المصري على قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، الصادر يوم 5 يوليو 2013، بتعليق عضوية مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي. وقال الرئيس الكيني "أوهورو كينياتا"، لدينا بالفعل حكومة منتخبة من خلال عملية ديمقراطية مستوفية الشروط، ومن ثم فإن ما يحدث في مصر في الوقت الحالي يثير قلقاً بالغاً ليس فقط بالنسبة لنا في أفريقيا، وإنما يجب أن يكون مبعث قلق كبير لكل من يؤمن بالعملية الديمقراطية. الأمر الذي جعل محمد عمرو وزير الخارجية المصري، يعرب عن أسفه الشديد لصدور مثل هذا القرار غير المنصف والمتعجل، والقاصر عن فهم حقيقة ما حدث في مصر من ثورة شعبية استهدفت تصحيح المسار الديمقراطي في البلاد من وجهة نظره. تفسيرات متباينة وبغض النظر عن تعليق العضوية من عدمه، سنبحث في أسباب اتخاذ مثل هذا التصرف وماهية الخسائر المتوقعة من تعليق عضوية مصر، وما الذي يجب أن تفعله في ظل هذه الأحداث المتلاحقة؟. ويرى عدد من المراقبين أن هذا الإجراء عادة ما يلجأ إليه الاتحاد الأفريقي في حالة وجود أي شبهة للقوات المسلحة في الحكم، وفي حالة حدوث نزاعات مسلحة بين القوى السياسية المختلفة بشكل يهدد كيان الدولة. وفي حالة رؤية ما حدث في مصر انقلاباً على الشرعية بمساعدة الجيش المصري، فإن التعليق سيستمر بشكل يهدد مسيرة الدولة في الاتحاد الأفريقي، وبشكل قد يسمح معه من إجراءات تصاعدية تجاه مصر، أما في حالة رؤية أن ما يحدث في مصر نتاج لرؤية سياسية متخبطة وغير واضحة أو على الأقل أن ما حدث ثورة مشروعة، سيكون التعليق مؤقتاً ينتهي بانتهاء حالة التخبط وبناء الدولة الجديدة. من ناحية أخرى، يفسر البعض المؤمن بنظرية المؤامرة هذا الإجراء، بأنه يأتي في إطار استغلال الأوضاع في مصر لصالح بعض الدول الأفريقية التي تريد أن تصور الأحداث داخل مصر على أنها فوضى سياسية، وبالتالي يمكنها تمرير مشروعات تصب في صالحهم السياسي، ومنها إثيوبيا التي يوجد بها مقر الاتحاد. خسائر متوقعة ومن الجلي أن قراءة الأوضاع عن مصر داخل الاتحاد الأفريقي متأثرة بالموقف الغربي وخاصة الأمريكي، فمع تغير الموقف الأمريكي تجاه الأوضاع في مصر، سيتغير الموقف الأفريقي، ولا سيما مع تولي فاعلين رسمين مدنين في السلطة. وكي لا تقع تحت طائلة العقوبات، ينبغي على الدول المصرية استعادة عافيتها من جديد بشكل يسمح ببناء الأسس الديمقراطية (دستور وسلطة تشريعية وتنفيذية منتخبة)، كما يجب على الدبلوماسية المصرية إيضاح بأن ما يحدث ثورة وليس انقلاباً، من خلال شرح التطورات الجارية في مصر، وتوضيح حجم التأييد الشعبي لعملية نقل السلطة إلى رئيس مصر المدني المؤقت، ولخارطة الطريق التي ستكفل تصحيح المسار الدستوري، واستكماله في أسرع وقت، انتهاءً بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وهذا حتى لا تفقد مصر عضويتها في الاتحاد الأفريقي بشكل يؤثر على مكاسبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في القارة الأفريقية التي تمثل العمق الإستراتيجي لمصر، فلا يمكن إهمال منظمة بوزن الاتحاد الأفريقي، فوجود أي دولة بها ينعكس مباشرة بقوة على وزنها في المنظمات العالمية الأخرى.