في خطوة كانت متوقعة بعد فتاواه المثيرة للجدل، أقال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أمس الأول السبت مفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ ، وذكرت الرئاسة في بيان أعلنته اليوم أن المرزوقي قرر تعيين الشيخ حمدة سعيّد مفتيًا جديدًا للجمهورية، ولم يحدد البيان أسباب هذه الإقالة، واكتفى بالإشارة إلى أن القرار يدخل حيز التنفيذ اليوم . فتاوى نارية ورغم عدم إبداء الرئاسة التونسية أسباب قرار إقالة المفتي، فقد ربط مراقبون هذا القرار بالجدل الذي أثارته تصريحات وفتاوى المفتي المقال التي رفض فيها الدعوات إلى القتال في سوريا التي أطلقها عدد من المشايخ السلفيين، إضافة إلى وصفه النقاب بأنه لباس طائفي. وقبيل الثورة التونسية بأيام قليلة أثار "بطيخ" فتوى أخرى بتحريمه إقامة صلاة الجنازة على من أسماهم "المنتحرين" في أول تعليق له على تزايد أعداد الشبان الغاضبين الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار حرقاً في تونس احتجاجاً على الأوضاع المعيشية. وقال بطيخ: "إن الانتحار ومحاولته جريمة وكبيرة من الكبائر، ولا فرق شرعاً بين من يتعمّد قتل نفسه أو قتل غيره" ، داعياً إلى "عدم الصلاة على المنتحر"، علما بأن هذه الفتوى جاءت تعليقا على إقدام الشاب محمد البوعزيزي على حرق نفسه، الأمر الذي فجر الثورة التونسية في الرابع عشر من يناير 2011، وكأن "بطيخ" لم يعلم أن ذلك الأمر هو الشرارة الأولى لثورة تونس، بل وثورات الربيع العربي فيما بعد. وحديثًا، أكد "بطيخ" تعليقاً على سفر الشباب السلفي التونسي إلى الجهاد في سوريا، أن الجهاد واجب وحق فقط في فلسطين، ولا يمكن إطلاق صفة الجهاد على من يحارب في سوريا، داعيا إلى وجوب التصدي لممارسات التغرير بالشباب التونسي الذي وقع ضحية التمويلات الأجنبية، على حد تعبيره. وفي السياق ذاته، وصف مفتي تونس المُقال إرسال 16 فتاة تونسية إلى سوريا للمشاركة فيما سمي "جهاد النكاح" بالبغاء والفساد الأخلاقي، مضيفاً أن فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا مع "معارضين إسلاميين" يقاتلون القوات الحكومية السورية، في تأكيد من مسؤول تونسي بارتباط فتيات تونسيات بإسلاميين في سوريا فيما عرف ب"جهاد النكاح". وكان مفتي الديار التونسية قد حذر في أحد تصريحاته من الفتاوى الغريبة التي تجتاح تونس والمجتمع الإسلامي والتي تبثها قنوات فضائية مختلفة الاتجاهات، لافتاً إلى كثرة وتناقض هذه الفتاوى، منتقداً قيام هؤلاء على اختلافهم بالتحليل والتحريم على هواهم الشخصي. كما أكد أن هذه الفتاوى لن تتمكن من تغيير هوية الشعب التونسي؛ لأنه شعب واع ومثقف يعيش عصره وبالتالي فإن تأثيرها سينحصر في طبقة الناس الذين يفتقرون إلى الثقافة العميقة والمعرفة الدينية اللازمة، كما صرح عام 2011 بأن النقاب ليس من الإسلام في شيء، وأنه "لباس طائفي". وعلق "بطيخ" على زيارة سابقة للداعية المصري "وجدي غنيم" إلى تونس العام الماضي بدعوته إلى "عدم استضافة الدعاة المتشددين تجنباً لإثارة الفتنة داخل المجتمع"، على خلفية انتقاده استقدام جمعيات إسلامية تونسية دعاة أجانب قال إنهم يحملون "أفكاراً غريبة" عن المجتمع التونسي. مفتي النظام الجدير بالذكر أن "بطيخ" المولود في العاصمة التونسية عام 1941 عين مفتياً للجمهورية التونسية منذ عام 2008 من قبل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستمر في هذا المنصب لأكثر من عامين بعد انطلاق الثورة التونسية في الرابع عشر من يناير لعام 2011. وعمل "بطيخ" قاضياً في المحكمة الابتدائية في تونس لمدة ثلاث سنوات، ثم عاد لاستئناف دراسته في مدينة الزيتونة لمدة أربع سنوات، وبعد تخرجه عمل بتدريس الفقه والفقه المقارن بالأكاديمية الدينية بتونس. خطيب الثورة وعلى الجانب الآخر، يعتبر المفتي الجديد حمدة سعيَد حائز على درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله ومقاصده عن أطروحة قدمها عام 1987 بعنوان: "التعارض بين الأدلة الشرعية ومناهج العلماء في التوفيق بينها"، وذلك وفقاً لبيان دائرة الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية. والدّكتور حمدة سعيّد المولود في 10 يونيو 1940، بمدينة "بني خيار" من ولاية نابل، حصّل سنة 1987 على شهادة الدّكتوراه، وعمل كأستاذ جامعي في موارد الأصول والفقه والقضاء بقسميه النّظري والتّطبيقي بداية من عام 1989، ثم أوكلت إليه بعض الخطط والمهام الأخرى بعد الثّورة، منها إمام خطيب بجامع السوق ب "بني خيار" سنة 2011 ورئيس الجمعية القرآنيّة الجهويّة بولاية نابل.