بعد المعركة القضائية التي خاضها لإثبات حقه والعودة إلى منصبه كنائب عام وذلك بعد أن حصل على الحكم القضائي بعودته مرة أخرى، جاء قرار المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام أمس الجمعة بالاعتذار عن الاستمرار في منصبه استشعاراً بالحرج، طالباً العودة إلى منصة القضاء . وأعلن هذا القرار من خلال بيان له جاء فيه: "يعيش الشعب المصرى فى هذه اللحظة الهامة والمجيدة تاريخًا جديدًا حيث أثبت يوم 30 يونيو و ما بعده للعالم كله إيمانه العميق بالحرية و الديمقراطية وإعلاء دولة القانون .. إن ما قام به شعبنا العظيم يقتضى من الجميع أن يعلو فوق المحن، وأن تتفرغ كل الأطراف والأطياف والتيارات والقوى لاستعادة مسار الثورة، والبدء فى معركة نعلم أنها طويلة وصعبة لبناء بلدنا وتقدمها و تطورها. وحيث إننى أقمت دعوى قضائية لإلغاء القرار الباطل بعزل النائب العام، ليس سعيًا للعودة لمنصب ولا استعادة لمقعد، بذلت فيه جهدًا خالصًا لله والوطن والقانون على مدى السنوات الماضية، ولكن إعلاء لاستقلال القضاء ورفضًا قاطعًا لانتهاك القانون والدستور، ولو من أعلى سلطة فى البلاد. وقد شاء العلى القدير أن يأتي حكم القضاء الشامخ ببطلان قرار عزلي وعودتي لمنصب النائب العام فى توقيت تستعيد فيه مصر كرامتها وكبريائها، وتنزع عن نفسها سلطة انتهكت دولة القانون، فقد استجبت لزملائي الأعزاء من قضاة مصر العظام وزملائي وأبنائي في النيابة العامة ووافقت على ما توافقوا عليه بضرورة تسلمي لعملي تطبيقًا و احترامًا للحكم القضائي، وهو ما فعلته لذات الهدف الذي أقمت من أجله الدعوى القضائية، وهو إعلاء استقلال القضاء والحفاظ على مكانة وحصانة القاضي المصري. وأما وقد تحقق الهدف ووصلت الرسالة وخفقت الراية وانحسرت عن النيابة العامة يد التدخل والتأخون، كما تم اتخاذ إجراءات تحفظية سريعة فرضتها تطورات الأيام التاريخية التي نعيشها. وها هو العالم قد تلقى كله درس القضاء المصري الشامخ، فإنني استشعارًا للحرج مما يستلزمه المستقبل من إجراءات وقرارات تخص من قاموا بالعزل، ولأننى أريد كما تعودت واعتدت أن تصدر قرارات النيابة العامة منزهة عن أى شك أو تشكيك أو محاطة بريبة أو ملاحقة بمطعن. ولأننى على يقين أن هناك من الزملاء الأجلاء قضاة مصر النبلاء من يستطيع أن يمنح لمنصب النائب العام قوة التوافق ونصاعة الاستقلال عن أية ضغوط؛ فإنني سوف أتقدم لمجلس القضاء الأعلى بطلب عودتي إلى منصة القضاء، معتذرًا عن عدم الاستمرار في منصب النائب العام، معتزًا بما قدمته وهو بين يدى الرأى العام يحكم عليه بما يشاء ويرضى. ولكن حسبى أننى فى كل ما فعلت، قد توجهت شطر رضا الله عز وجل وخدمة لوطنى ولمحراب القضاء العادل. تحية إجلال وتقدير لقضاة مصر وأعضاء النيابة العامة الذين أثبتوا أنهم حصن مصر وقلعتها الشامخة ورايتها العالية فى مواجهة أى ظلم أو استبداد ". عودة شكلية وبهذا القرار أكد النائب العام صحة ما قاله من قبل عندما قال انه سيستقيل من منصبه بمجرد حصوله على حقه في العودة إلى عمله ، مشيرا إلى انه لا يطمع في منصب ولكن لاثبات حقه فقط . ومن هنا نجد انه لم يكن ينتوي بأي حال من الاحوال الاستمرار بمنصبه لكنه عاد شكلياً اليه لتنفيذ حكم القضاء. وكان منصب النائب العام أثار جدلاً سياسياً كبيراً في مصر إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي أقال محمود وعين بدلا منه المستشار طلعت عبدالله، لكن الأخير واجه اتهامات بأنه يعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي. وقبل أيام أصدرت محكمة النقض في مصر حكماً نهائياً ببطلان تعيين عبدالله، مما مهد الطريق أمام عودة محمود، الذي كانت إقالته مطلباً رئيسياً للثوار أثناء احتجاجات 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. ضغوط شعبية وكانت بعض القوى الثورية التي خرجت إلى شوارع محافظات مصر ودفعت الجيش إلى التدخل للإطاحة بمرسي، طالبت بعد تولي الرئيس المؤقت عدلي منصور رئاسة البلاد مؤقتاً، بعدم بقاء محمود في منصبه. ويرى مراقبون أن الضغوط الشعبية الثورية نجحت في إجبار المستشار عبد المجيد محمود على التنحي من منصبه بعد يوم واحد فقط من عودته، إثر حكم قضائي صدر لصالحه أبطل قرار الرئيس السابق محمد مرسي بعزله وتعيين المستشار طلعت عبد الله بدلا منه في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي. وقالت حركة شباب 6 أبريل :"إن على مجلس القضاء الأعلى أن يعين نائبا عاما جديدا من خارج دائرة الفساد". واستبق المستشار محمود هذه الوقفات الاحتجاجية وأعلن أمس عزمه التقدم بطلب إلى مجلس القضاء الأعلى للعودة إلى منصة القضاء، معتذرا عن عدم الاستمرار في منصب النائب العام، مبررا هذه الخطوة بأنها تأتي "استشعارا منه للحرج مما يستلزمه المستقبل من إجراءات وقرارات قضائية تخص من قاموا بعزله من منصبه". وأنهت هذه الاستقالة جدلا قانونيا وسياسيا ومعارضة شعبية واسعة في مصر على مدى ثمانية أشهر، منذ الإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسي، وكان أحد الأسباب الرئيسة في الإطاحة به. قرار حكيم ولاقى اعتذار النائب العام من منصبه الكثير من الترحيب ، حيث أعلن الدكتور علي سيد المتحدث الإعلامى للجبهة الديمقراطية لحركة "6 إبريل" عن ترحيب القوى السياسية والثورية بأسيوط، بقرار المستشار عبد المجيد محمود كما وصفته بالقرار الحكيم. وأضاف أن قرار عبد المجيد محمود نابع من إيمانه بأن النائب العام لا يعين من قبل الحاكم، إنما من قبل الجهات المختصة وهو ما احترمه النائب العام. ومن جانبه قال هلال عبد الحميد عضو المكتب السياسي للمصري الديمقراطي :"إن اعتذار المستشار عبد المجيد محمود قرار سليم، باعتباره أحد مطالب الثوار ويعد استجابة من النائب العام لمطالب الثورة، كذلك حتى لا يكون خصما وحكما للمتهمين من أعضاء الإخوان المسلمين الذين ستحقق معهم النيابة العامة". كما أوضح الشيخ طارق بدير القيادى بالجماعة الإسلامية بأسيوط، أن المستشار عبد المجيد محمود قدم استقالته لأنه يعى أن ما يحدث الآن انقلاب على الشرعية ويدرك جيدا أن هذا غير قانوني لذلك اتخذ القرار. وأضاف "بدير" أنها خطوة جيدة وسليمة تحسب له وتدل على أنه يسير فى الاتجاه السليم. وقال المستشار عبد الله فتحى وكيل أول نادى قضاة مصر نائب رئيس محكمة النقض، إن إعلان المستشار عبد المجيد محمود، أنه يعتزم تقديم استقالته من منصب النائب العام، بعد حصوله على حكم قضائى أعاده إلى منصبه الذى عزل منه ، يؤكد ما سبق أن أعلنه من أن سعيه لاسترداد منصبه بالإجراءات القانونية لم يكن بحثا عن مكاسب شخصيا أو حرصا على منصب، إنما كان دفاعا عن استقلال القضاء والنيابة العامة، بعد إقالته بإجراءات باطلة ومنعدمة تتعارض مع المبادئ القانونية والدستورية. وقال المستشار علاء قنديل عضو مجلس إدارة نادي القضاة :"إنه موقف جيد من المستشار عبد المجيد محمود، ونحترم قراره أيا كان، ونهيب بجميع المصريين التوحد وتغليب المصلحة العامة للوطن على المصالح الشخصية". صفعة للإخوان ويرى محللون أن استقالة النائب العام جاءت بمثابة صفعة جديدة لجماعة الاخوان بعد صفعة ثورة 30 يونيو وعزل مرسي. يأتي ذلك في الوقت الذي سادت حالة من السرور بين معتصمي ميدان النهضة من مؤيدي الرئيس المعزول مرسي، بعد سماعهم خبر استقالة النائب العام، مؤكدين علي أنها بداية لتراجع الحكم العسكري عن موقفه. وكان الكاتب الصحفي حمدي قنديل قد طالب المستشار عبدالمجيد محمود، بالاستقالة من منصبه، وذلك بعد أن حصل على الحكم القضائي الذي كان "يبتغيه" بعودته مرة أخرى كنائب عام. وقال، في حسابه على «تويتر» الجمعة :"بعد أن حصل عبد المجيد محمود على حكم القضاء الذي يبتغيه، ننتظر منه الآن قراره بالاستقالة". رحل في صمت وتباينت ردود أفعال رواد المواقع الاجتماعية على قرار المستشار عبدالمجيد محمود بالاعتذار عن منصبه، فالبعض وصفه ب"القرار الصائب والمحترم والشريف"، إلا أن الكثيرين أكدوا أن مسار الثورة الصحيح أجبره على "الرحيل"، ف "الجرائم التى ارتكبها فى عهد نظام مبارك لن تغتفر". وكانت الصفحات المنتمية لجماعة الإخوان قد علقت على عودة النائب العام بكلمة واحدة: "اشربوا"، وأكد مجموعة من النشطاء المحسوبين على التيار الإسلامى أن عودة عبدالمجيد محمود إلى منصبه تؤكد أن النظام القديم عاد بعد عزل مرسى وأن الاحتجاجات القوية التى جابت عموم مصر كانت مدبرة من جانب من وصفوهم بالفلول بدليل عودة الشخص الذى طالما هتف الثوار الحقيقيون ضده، وبعد اعتذار المستشار عن منصبه، قرر مجموعة من النشطاء رد الصاع صاعين، على حد تعبير إبراهيم خالد أحد النشطاء والمنتمين إلى "6 أبريل"، الذى يقول "اعتذر عشان ميبقاش ليكم حجه وتقولوا دى ثورة فلول"، مشيراً إلى أن استقالة محمود جاءت كنتيجة لرد فعل الشارع على قرار عودته: "مستحيل الثورة تسمح له إنه يرجع، وهو استقال عملاً بمبدأ وكفى الله المؤمنين شر القتال"، مستطرداً "أحسن من مرسى اللى قعد يهددنا بالدم والعنف.. ريح نفسه وحفظ كرامته ورحل فى صمت". وشهدت فترة تولي عبد المجيد هذا المنصب قبل 2011 التحقيق مع شخصيات معروفة منها هشام طلعت مصطفى وهاني سرور، ثم ما بعد الثورة التحقيق مع رموز من النظام وعلى رأسهم الرئيس مبارك وحبيب العادلي بعد اندلاع ثورة يناير . وتتعالي المطالب حالياً بسرعة اختيار نائب عام جديد يمكنه العمل في تلك المرحلة الصعبة وألا يكون محسوبا على أي تيار وأن يكون على مسافة واحدة من كل أبناء الشعب المصري ويركز على قضايا الشهداء ومحاسبة كل من أخطأ في حق الوطن وأن تكون قضايا قتل الشباب منذ بداية ثورة 25 يناير في أولى أولوياته. إلا أنه بغض النظر عن من هو النائب العام القادم نؤكد أن مصر لا تتحمل اقتصادياً ولا سياسياً هذا الثمن الباهظ من الخراب والانهيار بسبب الصراع على السلطة بين معارضي ومؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ، فلابد أن يتكاتف الجميع من أجل تحقيق الاستقرار وحقن الدماء .