دخلت العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي في مجرى التوتر بشكل كبير في الأيام الأخيرة الماضية، عندما أطلق الاتحاد إجراءات لدى منظمة التجارة العالمية ضد الصين، بعدما فرضت هي الأخرى رسوماً جمركية على واردات أنابيب الصلب القادمة من الاتحاد الأوروبي، مما دعا العديد من الخبراء إلى التحذير من احتمال دخول الطرفين في نفق الحرب التجارية. ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل أقر الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم استيراد عقابية على منتجات ألواح الطاقة الشمسية الصينية وصلت إلى نسبة (11.8%) على واردات الألواح الشمسية الصينية، على أن ترتفع النسبة إلى (47.6%) في أغسطس المقبل إذا لم تصل المفاوضات بين الجانبين إلى اتفاق في هذا الموضوع، وقد رفضت بكين بشدة هذه الرسوم واصفة إياها بالعقابية، وردت على الأمر بفتح تحقيق بشأن مدى إغراق صادرات النبيذ الأوروبية السوق الصينية. وبالتالي شهدت العلاقات التجارية الثنائية مزيداً من التوتر الذي جاء خارج التوقعات، وقد يتسبب أيضاً في خطر الخروج عن حدود العلاقات التجارية الطبيعية، وبالتالي ترسل حمائية الاتحاد الأوروبي رسالة خاطئة إلى الصين والعالم، وبدلاً من السعي إلى حل مربح للطرفين لحل مشاكله الداخلية، يضع اللوم على الآخر. يذكر أن الصين أكبر منتج في العالم لألواح الطاقة الشمسية والمنتجات المتعلقة بها، وتبلغ قيمة صادراتها من هذه الصناعة نحو أوروبا (21) مليار يورو، أي ما يعادل (27.5) مليار دولار كل عام. الحمائية التجارية وعند البحث في خلفية هذه الإجراءات التي تطوق أفق المصالح التجارية مع كل الدول الموقعة على اتفاقية التجارة الحرة، نجد أنه في أعقاب الأزمة المالية التي ضربت العالم في صيف 2008، توجهت العديد من الدول للحمائية التجارية، بحيث تسعى هذه الدول للحد من صادرات الغذاء والمواد الخام، وتضع حواجز جديدة أمام الواردات. فقد تم استحداث إجراءات جديدة لتقييد الصادرات، لا سيما بعض المواد الخام والسلع الزراعية لأسباب عديدة، وهو ما مهد لغياب القواعد العالمية بشأن حظر التصدير، وأدى لفرض ثلاثين قيداً جديداً على الأقل من قبل "الصين" و"الهند" و"أوكرانيا" و"فيتنام" ودول أخرى، وتتضمن هذه القيود ضرائب على الصادرات وفرض حصص عليها. وعن الأسباب التي دفعت دولاً لمثل هذه الإجراءات، أفاد التقرير أنها اتخذت بحجة حماية البيئة، أو لضمان الإمدادات المحلية من المنتجات الغذائية بأسعار معقولة، منبهاً إلى أن استخدام هذا النوع من الإجراءات التجارية لمواجهة هذه المشكلات لا يخلو من الأخطار. وفي تقرير أعدته منظمة التجارة العالمية، أشار إلى أن اتجاه الحمائية التجارية المتنامي يتعارض مع وعود قطعتها اقتصادات مجموعة العشرين خلال لقاءات عديدة عقدت في الفترة الأخيرة، على اعتبار أن للحمائية تداعيات سلبية على اقتصاد العالم، مضيفاً أن هناك حكومات قد تنجذب لاستخدام قيود التصدير لتعديل أسعار صادراتها لصالحها، أو تعزيز الإنتاج على حساب الإنتاج الأجنبي. قبلة روسية وعلى العكس من اضطراب علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، ولت الصين وجهاً نحو القبلة الروسية، بما يؤكد التحول الملحوظ في العلاقات التي بدأت تتوثق على نحو متزايد بين اثنين من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم بعد عقود من انعدام الثقة؛ بسبب نزاعات بشأن الفكر الشيوعي. ويتضح ذلك بعد توقيع اتفاق نفط روسي صيني ب(270) مليار دولار، وفي هذه المناسبة قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن مرحلة جديدة من التعاون تبدأ بين بلاده و"الصين" ضمن شراكة إستراتيجية، بحيث تنتقل من إمدادات المواد الخام إلى التعاون الكامل في مجال الهندسة والتصنيع، وتسعى موسكو لإعطاء الأولوية لتطوير علاقاتها مع جارها الكبير "الصين" في وقت تشهد فيه علاقات روسيا مع الدول الغربية المزيد من التوتر. حرب تجارية وإذا كان العرف التجاري الدولي يجزم بأن الحمائية من جانب تتسبب فى حمائية من الجانب الآخر، يتعين القول بأنه على الطرفين تحمل مسئولية حرب تجارية ممكنة فى حالة استمرار الوضع على ما هو عليه دون مفاوضات. وعليه، فقد توعدت المفوضية الأوروبية التي تعد الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، باتخاذ إجراءات لمكافحة الإغراق في مواجهة واردات الألواح الشمسية من الصين، معتبرة أن الشركات الصينية المصنعة للألواح الشمسية تستفيد من إعانات حكومية صينية ضخمة، تمثلت في قروض ميسرة وضمانات تصدير وعطاءات وإعفاءات ضريبية، مما يجعلها تشن حرب أسعار مدمرة على منافساتها من الشركات الأوروبية. والأكثر من ذلك أن الاتحاد الأوروبي فتح جبهة جديدة في نزاعه التجاري مع "الصين"، وذلك عبر الإعلان عن إطلاق قريب لتحقيق حول مكافحة إغراق السوق. ورداً على قرار المفوضية الأوروبية، أعلنت الصين هي الأخرى أنها سترد على إجراء المفوضية بإجراء مماثل، وبالتالي ستجري تحقيقاً حول مدى إغراق النبيذ الأوروبي للسوق الصينية. وفي استثناء أوروبي، دعا وزير الاقتصاد الألماني "فيليب روسلر" إلى إجراء مفاوضات حول النزاع التجاري المتفاقم بين الاتحاد الأوروبي والصين، لتفادي حرب تجارية واسعة النطاق تطال العديد من القطاعات، وانتقد "روسلر" قرار المفوضية الأوروبية بفرض رسوم جمركية على الألواح الشمسية الصينية؛ في مسعى لمكافحة إغراق السوق الأوروبية بها ومكافحة المساعدات، مستهدفاً تجهيزات الاتصالات الصينية. وبخلاف ألمانيا رحبت فرنسا بقرار المفوضية فرض رسوم جمركية على الألواح الشمسية الصينية التي تباع بأسعار متدنية. انفراجة نسبية ولكن شهد الأسبوع الماضي نوعاً من التحسن في هذه العلاقات، عقب مباحثات أوروبية في بكين مع وزير التجارة الصيني "قاو هو تشنج"، حيث قال المفوض التجاري الأوروبي "كارل دي جوشت": إنه واثق من قرب توصل أوروبا والصين لاتفاق بشأن نزاعهما التجاري، والتي فرضت عليها أوروبا رسوماً بدعوى محاربة الإغراق، مشدداً على ضرورة التفاهم بشأن بعض التفاصيل الفنية الدقيقة مثل التنفيذ ونظام المراقبة. وصرح وزير التجارة الصيني بأن المباحثات مع الجانب الأوروبي كانت إيجابية وبناءة، وأن كلا الطرفين لديه الإرادة الحسنة لإنهاء ملف النزاع بطريقة مناسبة من خلال المفاوضات.