نظراً لما تمر به المنطقة ليس فقط بأكبر حركة ديناميكية في تغيير أنظمة سياسية قائمة استمرت لعقود زمنية طويلة، ولكن في اتجاهات وتوجهات صنع القرار الداخلي والخارجي معاً في الكثير من بلدان المنطقة، تأتي الانتخابات الإيرانية في لحظة تاريخية فارقة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعدما أسفرت عن فوز الإصلاحي المعتدل حسن روحاني على حساب منافسيه المحافظين والمتشددين؛ لتجدد الآمال نحو هذا الاتجاه والتحول في منطقة الشرق الأوسط، فصار البعض يتحدث عن إمكانية تحسن العلاقات بين "إيران" وعدد من الدول المجاورة وخاصة الدول الخليجية، التي اتسمت بالتصادم والمواجهة خلال فترة حكم الرئيس "أحمدي نجاد"، وبالشد والجذب في معظم الأحيان. تغيرات جذرية وتأتي تلك الانتخابات الإيرانية في ظل تغيرات سياسية دولية وإقليمية وداخلية، فما زال التنافس الاقتصادي الصيني الأمريكي محتدماً على الساحة الدولية، إلى جانب دخول "روسيا" حلبة المنافسة الدولية، ولاسيما مع عودة بوتين إلى سدة الحكم في روسيا، وتبنيه عدداً من المواقف الدولية المتعارضة مع السياسات الأمريكية الملف السوري. وعلى المستوى الإقليمي، تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيراً جذريا في الأنظمة القائمة بشتى الطرق السلمية والعنيفة بدءاً من تونس ومروراً بمصر وليبيا واليمن، هذا إلى جانب بعض الاحتجاجات في بعض دول الخليج. ومن هنا، يراهن المحللون على موقف المرشح الفائز بالانتخابات الإيرانية حسن روحاني من منطقة الخليج، حيث يرون أنه بتولي "روحاني" سيكون هناك تحول كبير في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وسوف يحدث تقدم يذكر في العلاقات الخليجية، وخاصة بعدما شهد حالة من الصراع خلال العقود الأخيرة الماضية. صراع وتوتر ويفسر المحللون الصراع والتوتر الإيراني الخليجي في الفترة الماضية إلى عدة عوامل، ويأتي الصراع السني الشيعي في مقدمة هذه العوامل، حيث حرص نظام الرئيس نجاد خلال فترة السنوات الثمانية السابقة، باستغلال ورقة الاختلاف المذهبي السني الشيعي للضغط على ملوك وأمراء الخليج، وفي بعض الأحيان تأليب الأقلية الشيعية ومساندتها مادياً ومعنوياً، كما حدث في البحرين واليمن وبعض الأحيان المملكة العربية السعودية. ومن هنا، بات الملف المذهبي الظهير الخلفي والامتداد الطبيعي للخليج العربي، سواء كان العراق أو لبنان، كما ظهرت تخوفات كثيرة من دول الخليج السنية من فكرة نشر المذهب الشيعي في المنطقة التي تهدد وجودهم، حسبما ترى تلك الأنظمة الخليجية. ومن مظاهر هذا الصراع، التهديد الإيراني بغلق مضيق "هرمز"، وقد حدث ذلك من قبل في إطار الصراع مع الولاياتالمتحدة، حيث هددت إيران بأكثر من مرة بإغلاق مضيق "هرمز" لوقف الإمدادات النفطية الخليجية إليها للولايات المتحدة، ومثلت هذه التهديدات مثار قلق لدى كثيرين في دول الخليج العربي؛ لأنها كانت تستدعي المزيد من التوترات الأمريكيةالإيرانية، واحتمالية توجيه ضربات عسكرية أمريكية إسرائيلية، مما يزيد المنطقة برمتها اضطراباً، والمزيد من عدم الاستقرار. إرهاب الخليج علاوة على ذلك، شكل دعم "إيران" للإرهاب في الخليج، أحد أهم عوامل توتر العلاقة مع إيران، حيث تم الكشف عن تورط خلية إرهابية إيرانية بقتل السفير السعودي في أمريكا، فضلاً عن اكتشاف خلية أخرى في قطر من عناصر بحرينية، إلى جانب استهداف السفارتين السعوديتين وجسر الملك فهد ومواقع حساسة في البحرين. ومن ناحية أخرى، يمثل التناحر الطائفي في العراق والأزمة السورية أحد العوامل الهامة التي أدت إلى اشتعال الصراع، فعلى المستوى العراقي، فقد تفاعلت إيران مع الأزمة الأمريكية العراقية، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق، من منطلق حرص شديد على رفض هذا المصير ومحاولة تجنبه بشتي الوسائل، مع استثمار نفوذها في العراق لضمان المشاركة في صنع القرار السياسي العراقي، وخدمة الملفات الأخرى العالقة مع الولاياتالمتحدة، وفي مقدمتها الملف النووي، بالإضافة إلى استغلال الملف الشيعي في العراق، وهو ما حدث بالفعل. ومما يجعلها في صراع مستمر مع دول المنطقة، ولا سيما السعودية وقطر، مساندتها الدائمة للنظام السوري الذي يقوم بعملية قتل وتطهير جماعي لشعبه، فضلاً عن محاولاتها الدائمة في الضغط على الصين وروسيا للتصويت ضد أي قرار يدين نظام "الأسد" في مجلس الأمن. سيناريوهات حاكمة وبعد تولي حسن روحاني قيادة الدولة الإيرانية وانتهاء فترة ولاية "نجاد" التي اتسمت بالتوتر والصراع المستمر، تظهر ثلاث سيناريوهات حاكمة للعلاقات الخليجية الإيرانية في الفترة المقبلة، تتراوح بين الصراع والتهدئة. يذهب السيناريو الأول إلى استمرار حالة الصراع كما هي، ولا سيما لكون قضايا الصراع الحالية بين الطرفين، بمثابة أهداف عليا سعت الثورة الإسلامية الإيرانية على تحقيقها منذ نشأتها نشر المذهب الشيعي في المنطقة، الأمر الذي ترفضه الدول العربية الخليجية السنية. بينما يدور السيناريو الثاني في فلك التعاون والتوافق، وإقامة علاقات جيدة بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل المشاكل العالقة بينهما. وفي حالة نجاح هذا السيناريو، ستوقف طهران عن مساعداتها لكل الخلايا الإرهابية في الخليج، وستتجه إلى تهدئة الأقلية الشيعية في البلدان الخليجية، مع محاولة الوصول إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث عبر التحكيم الدولي، أو أي حل آخر يرضي الطرفين، إلى جانب إنهاء الأزمة السورية عبر وقف طهران دعماً لنظام "الأسد". وبالتالي يفترض أنصار هذا السيناريو اتجاه إيران إلى عمل تبادل تجاري واقتصادي واستثماري بين بلدان الخليج وطهران؛ لمعالجة المشكلة الاقتصادية الإيرانية، ورغبة منها في قيام دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران. وأخيرًا، يظهر سيناريو ثالث يتوسط السيناريوهين السابقين، يفترض استمرار حالة الشد والجذب بين الطرفين، فقد يكون هناك تعاون مع بعض دول الخليج وخاصة في حالة توافق المصالح، وقد يكون هناك صراع مستمر في حالة التناقضات المصلحية، والفشل في الحوار حول القضايا الأساسية محل الخلاف، وخاصة فيما يتعلق بقضية الجزر الإماراتية. خلاصة القول، تبقى كافة السيناريوهات الثلاثة السابقة رهينة توجه الرئيس الإيراني الجديد، وبمدى انفتاحه على العالم الخارجي، خاصة الدول العربية وفي القلب منها الخليجية، فكلما استطاع إزالة كل التخوفات لدى الكثير من الدول الخليجية والعربية تجاه ما عرف مؤخراً ب"محاولة نشر التشيع" في الكثير من الدول الخليجية وبلدان الربيع العربي، ستتحسن العلاقات إلى حد كبير. أما في حالة إصراره على السير نحو هذا الاتجاه، فمن الطبيعي أن تظل العلاقات كما هي في الوقت الحالي، أو تزداد سوءاً في المستقبل القريب.