يبدو أن المستشار ماهر البحيري أراد أن ينهي عمله كرئيس للمحكمة الدستورية العليا بأحكام مصيرية من خلال الفصل في ثلاث دعاوي هامة حول مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية للدستور، وقانون الطوارئ ، قبل أن يسلم دفة العمل لرئيس المحكمة الجديد المستشار عدلي منصور. فقد أسدلت المحكمة الدستورية العليا اليوم، الستار على أبرز قضيتين شغلتا الرأي العام بعد حل مجلس الشعب السابق فى 14 يونيو 2012، وحكمت ببطلان النصوص القانونية المنظمة لانتخاب الثلث الفردي بمجلس الشورى وحل المجلس ، كم قضت أيضا ببطلان الجمعية التأسيسية للدستور ، وقضت أيضاً بإلغاء قرار رئيس الجمهورية وقانون الطوارئ. وجاء هذا الحكم بعد أن أحالت المحكمة دعوى حل مجلس الشورى إلى هيئة مفوضي المحكمة لإبداء رأيها القانوني فيها على ضوء مواد الدستور الجديد . وكان سيناريو الحل والبطلان هو الأقرب إلى الواقع استنادا لعدة حقائق، أهمها أنه من الصعب أن تتجاوز المحكمة أو تتغاضى عن حكمها السابق ببطلان مجلس الشعب وعدم دستورية النص القانوني الخاص بانتخاب الثلث الفردى، لا سيما أن قانون انتخابات مجلس الشورى المطعون فيه والمصاب بنفس العوار الذي تسبب فى حل مجلس الشعب، مازال قائما، ولم يتم إلغاؤه بموجب تشريع آخر. وكما أن الدستور الجديد نص على أن القوانين واللوائح المقررة قبل صدور الدستور تبقى صحيحة ونافذة، ولا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، أي بإصدار تشريعات جديدة، مما يعنى استبعاد أن تترك المحكمة هذا النص القانوني غير الدستوري يمر دون إبطاله. حيثيات الحكم ونص حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية والغاء قرار رئيس الجمهورية وقانون الطوارئ. وذكرت المحكمة في منطوق حكمها والخاص بحل الشورى والذي حصلت شبكة الإعلام العربية "محيط " ، بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة "2" من القانون رقم 120 لسنة 1980 بشان مجلس الشورى والمستبدلة بقانون رقم رقم 120 لسنة 2011. وأكدت المحكمة عدم دستورية ما تضمنه نص البنود الأولى من المادة 8 من القانون ذاته والمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 109 لسنة 2011 من إطلاق الحق فى التقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس الشورى في الدوائر المختصة لانتخاب النظام الفردي للمنتمين للأحزاب السياسية إلى جانب الغير منتمين لها. كما أضافت عدم دستورية المادة 24 من القانون ذاته المسجلة بالمرسوم بقانون 109 لسنة 2011 فيما تضمنته من ان يسرى على مجلس الشورى إحكام المادة الثامنة مكررا من القانون رقم 38 لسنة 1979 فى شان مجلس الشعب. وحددت المحكمة موعد انعقاد مجلس النواب الجديد تاريخا لإعمال اثر هذا الحكم طبقا لنص المادة 230 من الدستور. وقالت المحكمة في حكمها بشان بطلان الجمعية التأسيسية بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 الخاص بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد. أما بالنسبة لقانون الطوارئ، قضت المحكمة بعدم دستورية ما تضمن البند 1 من المادة 3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 192من تخويل رئيس الجمهورية الترخيص بالقبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص دون تنفيذ الأحكام الواردة بقانون الإجراءات القانونية . وبعد صدور هذه الاحكام مباشرة ، أعلن المستشار عبد المنعم أمين عضو المكتب الفني لهيئة قضايا الدولة، إن الأحكام التي صدرت صباح اليوم من المحكمة الدستورية العليا، والخاصة ببطلان مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، لا يجوز الطعن عليها وبوصول صورة من حكم اليوم الي الهيئة سيقوم بدراسة أسباب الحكم وحيثياته، لتكوين رأي يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة. وأكدت مصادر برئاسة الجمهورية أن المؤسسة ستصدر بيانا تتحدث فيه عن حكم حل مجلس الشورى وبطلان الجمعية التأسيسية الذي أقرته المحكمة الدستورية . واستمرارا لحالة الانقسام التي تعيشها مصر ، جاءت هذه الاحكام لتزيد هذا الانقسام من خلال ردود الافعال المتباينة ، فقد حلت حالة من الرضا بين معظم صفوف المعارضة ، أما بالنسبة للحزب الحاكم والاسلاميين فكان الوضع مغايراً وهو ما سنحاول رصده من خلال السطور التالية.. شغب سياسي فمن جانبه قال الدكتور أحمد بديع، المتحدث باسم حزب الوطن السلفي، الذي يترأسه مساعد رئيس الجمهورية الدكتور عماد عبد الغفور أن حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى، وبطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، لا يحدث فارقاً كبيراً وبمثابة تحصيل حاصل ، معتبراً أن الحكم نوعاً من المشاغبة السياسية، حسب قوله. وأضاف بديع، في تصريحات خاصة لشبكة الإعلام العربية "محيط"، أن قرار حل الشورى لا يحدث فارقاً كبيراً لأنه أرجأ تنفيذ الحكم حتى انتخاب مجلس النواب المقبل، وهو ما يعني احتفاظ المجلس بسلطاته التشريعية ، حتى انتخاب مجلس النواب، مشيراً إلي أن بطلان التأسيسية ليس له أي أثر، فالتأسيسية انتهت والشعب استفتي علي الدستور ووافق عليه. وقال محمد مرسي القيادي بحزب الراية الذي اسسه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، إن حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى، وبطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ليس له أثر أو أهمية، أن المحكمة أرجأت تنفيذ حكم حل الشورى حتى انتخاب مجلس النواب. وأضاف مرسي في تصريحات خاصة ل "محيط"، أن قرار بطلان التأسيسية ليس له أي أثر أو أهمية، مشيراً إلي أن بطلان الدستوري يترتب عليه من الأساس بطلان دائرة المحكمة المنعقدة، لأنها تم تشكيلها وفقاً للدستور الجديد. واعتبر أن حكم المحكمة الدستورية العليا اليوم، يؤكد صحة القرار السابق للرئيس محمد مرسي بعودة مجلس الشعب، إذ أن المحكمة أرجأت تنفيذ الحكم حتى انتخاب مجلس النواب منعاً لحدوث فراغ تشريعي، وهو ما كان يريده الرئيس من قرار عودة مجلس الشعب الذي أبطلته المحكمة الدستورية العليا. إلا أنه في الوقت نفسه قال عبد السلام راغب عضو مجلس الشورى عن حزب النور السلفي، إن حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى ، مع تأجيل التنفيذ حتى انتخاب مجلس النواب ، وبطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور واجب الاحترام والتقدير. ودعا راغب ل"محيط" للإسراع في إنجاز وإتمام انتخابات مجلس النواب الجديد، مشيراً إلي أن المحكمة الدستورية راعت المواءمة فجعلت لمجلس الشورى التشريع لحين انتخاب مجلس النواب الجديد. وتابع: "اتفقنا أو اختلفنا مع أشخاص قضاة المحكمة الدستورية العليا ولكن يبقى أن نحترم الأحكام التي صدرت اليوم ويجب علينا قبول الأحكام حتى وإن لم نرض عنها إعمالا للفصل بين السلطات". هذا وأكد الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور – في تصريحات خاصة ل "محيط"- أن الحزب ينتظر قرار المجلس الرئاسي لحزب "النور" الذي سوف يجتمع مساء اليوم، تعليقا علي حكم "المحكمة الدستورية" والتي أقرت ببطلان مجلس الشورى. محصن بالدستور وبالانتقال إلى الحزب الحاكم فقد قال جمال حشمت عضو الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة بمجلس الشورى، إن حكم المحكمة الدستورية العليا بخصوص مجلس الشورى، لا ينبنى عليه عمل؛ نظرا لأن مجلس الشورى تم تحصينه مرة بالاستفتاء، ومرة بالدستور، وبالتالي فان المحكمة الدستورية العليا مثيرة للجدل. وبدوره ، قال ياسر خزيمة وكيل لجنة الشباب والرياضة، وعضو الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، إننا بحاجة إلى الاحتكام لنصوص الدستور، ومن بينها المادة 230 التي قامت بتحصين المجلس، موضحا أن مصر لا تحتاج إلى عبث، وأعتقد أن القضاة سيكونون على قدر المسئولية. كما أكد مختار العشري رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الكلام السابق ، حيث قال إن قرار المحكمة الدستورية اليوم، يعني استمرار انعقاده لحين انعقاد مجلس النواب المقبل، مشيرا إلي أن المجلس يستطيع استكمال مهامه، ومناقشة قانون السلطة القضائية وغيرها من القوانين خلال الفترة المقبلة. وأشار إلي أن المحكمة، أجرت تعديل فيما يتعلق علي الثلث الفردي فقط وأن المجلس مستمر في ممارسة سلطته التشريعية لسن القوانين، لحين انتخاب مجلس النواب المقبل. وأضاف في تصريحات خاصة، أن الحكم الذي التزم بالمادة 230 من الدستور، يعد اعترافاً بشرعية الدستور، مؤكدا أن هذا الحكم لن يؤثر علي الصلاحيات التشريعية للمجلس، مطالبا كافة الجهات أن تعمل جاهدة لتسيير العمل لانتخاب برلمان جديد، وفقا للدستور الذي أقره الشعب بإرادة حرة . إلا انه على النقيض وصف فهمى عبده القيادي الاخوانى وعضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة حكم المحكمة الدستورية العليا بخصوص مجلس الشورى بالدستوري بنسبة 100% ،حيث حكمت المحكمة طبقا للمادة 230 من الدستور، وأبقت على المجلس لحين انتخاب مجلس النواب. وقال عبده فى تصريح صحفى له ان الحكم الخاص بالجمعية التأسيسية منعدم الأثر لأن قانون تشكيل الجمعية التأسيسية تم اقراره بعد تشكيل الجمعية التأسيسية، مشيرا الى أن الحكم الأول يعنى ضمنا الاعتراف بالدستور الجديد لأنها حكما على أساسه. نتيجة متوقعة ونتحول الآن إلى آراء المعارضة والليبراليين ، حيث قال الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور ومنسق جبهة الانقاذ الوطني، أن حكم المحكمة الدستورية، نتيجة متوقعة للفهم المتدني والبلطجة السياسية التي أطاحت بمفهوم الشرعية وسيادة القانون وأدت الي ما نحن فيه من إنهيار وتخبط. وأضاف البرادعي خلال تغريدة على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»: "يجب أن نبدأ من البداية بتوافق وطني حقيقي لوضع إطار دستوري وقانوني جديد ينقذ البلاد ويحفظ كيان الدولة ويخرجنا من المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه". فمن جانبه قال الدكتور عمرو حمزاوى رئيس حزب مصر الحرية، أن الحكم بعدم دستورية الجمعية التأسيسية يدلل على سلامة موقف القوى التي رفضت المشاركة بها ويؤكد على ضرورة التعديل الجذري لدستور مشوه أنتجته تأسيسية باطلة - على حد قوله. وأوضح حمزاوي خلال تغريدة عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، أنه يتفهم سياسيا ومجتمعيا وجهة الحكم بعدم دستورية قانون انتخاب الشورى وإرجاء حله إلى حين انتخاب مجلس النواب منعا للفراغ التشريعي والمؤسسي، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن أن الحكم يلزم مجلس الشورى «الباطل»، أخلاقيا وسياسيا ومجتمعيا، بقصر التشريع على القوانين المرتبطة بتنظيم انتخابات مجلس النواب وفقط - على حد قوله. وأضاف، أنه على مجلس الشورى الابتعاد تماما عن قوانين السلطة القضائية والجمعيات الأهلية وإقليم قناة السويس وقوانين اقتصادية واجتماعية. كما أشار إلى أن الحكم بعدم دستورية التدابير الاستثنائية المعطاة لرئيس الجمهورية بقانون الطوارئ دليل يتجدد على التزام الدستورية بحماية حقوقنا وحرياتنا، ودليل إضافي على العبث التشريعي والنزوع الاستبدادي للإخوان المسيطرين على الشورى الباطل ومن ثم ضرورة كف يدهم عن التشريع إلى أن ينتخب النواب. كما أوضح الدكتور شادي الغزالي حرب القيادي بحزب الدستور، إن حكم الدستورية يؤكد قول العديد من فقهاء القانون والقوى الثورية، أن مجلس الشورى، والدستور باطل، مشيرا إلي أن حصار جماعة الإخوان وأبو إسماعيل للمحكمة الدستورية، هم من ادخلوا الدولة إلى نفق مظلم بعد محاربة القضاء. وأكد حرب أن " ما بني على باطل فهو باطل "، وأن القرار الرئيسي في أيدي الشعب المصري الذي وجب علية النزول في يوم 30 يونيو القادم، ودعم حملة تمرد للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وإسقاط النظام الاخواني. وكانت وسائل اعلام غربية قد توقعت بصدور حكم اليوم بحل مجلس الشورى ، حيث ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن التوقعات تحمل في طياتها إمكانية حل مجلس الشورى وربما جعل أعماله غير صالحة بما في ذلك الدستور الذي يدعمه الإسلاميون، وبذلك تعود العملية السياسية في البلاد إلى مربع رقم واحد. وأشارت الصحيفة إلى أن خطوة حل مجلس الشورى من شأنها أن تدفع مصر إلى مأزق قانوني جديد ويمكن أن يؤدي إلى أزمة سياسية جديدة، منوهة إلى أن الكثير من انتقادات المجلس نابعة من شعبيته الهشة. ولفتت الصحيفة قبل صدور الحكم إلى أن مجلس الشورى بات يمثل تحد كبير بين الإسلاميين والليبراليين، خاصة وأن المجلس يحمل أغلبية مطلقة من الإسلاميين وهو ما يمكنهم من تمرير مشاريع قوانين مفضلة بالنسبة لهم وبالتالي تنفيذ أجندتهم الخاصة. وفي النهاية نتساءل هل تستطيع مؤسسة الرئاسة الخروج من هذا المأزق نتيجة هذه الأحكام .. وإن استطاعت فما هي السبل التي ستسلكها للخروج ؟ وهذا ما ستجيب عنه الساعات المقبلة.