تشابهوا في المظهر وهو إطلاق اللحية، ولكنهم اختلفوا في الرؤى والتصورات، بل وامتد بهم الأمر ليصل إلى حد التراشق بالألفاظ والعبارات وتبادل التهم بينهم، فبدأت تحت راية التيار السلفي الكبير، إلى أن تعددت فصائله وتزايدت الحركات داخله، فعُرف بعضهم باسم «حركة حازمون» وآخرون عرفوا بحركة أو تجمع شباب «سلفيو كوستا»، علاوة على الحركات الجهادية الأخرى المعروفة مثل الجهادية السلفية، وغيرها من الجماعات الإسلامية المنتمية لهذا التيار. وفي هذا الصدد سنتناول حركة شباب «سلفيو كوستا»، ولا سيما بعدما أصبحت شكلاً واضحاً ومثالًا صريحاً على توضيح الانقسام الكبير والاختلاف الحاد في التيار السلفي عموماً، كما أصبحت حالة جديدة مختلفة عن التيارات السلفية جمعيها، لدرجة جعلت البعض يصفها بالليبرالية. فمنذ ظهورهم بعد ثورة الخامس والعشرين وهم على اختلاف مع التيار الإسلامي، وتقارب فكري مع عدد من القوى السياسية الليبرالية، وخاصة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، الذين أعلنوا مقاطعتهم لها على غرار القوى الليبرالية. وكان اعتصام أنصار الشيخ "حازم صلاح أبو إسماعيل" أمام مدينة الإنتاج الإعلامي لمدة أسبوع، وتهديد عدد من الصحف الخاصة بالاقتحام، من وجهة نظر "محمد طلبة" - أحد مؤسسي حركة «سلفيو كوستا» - أعمالاً «عشوائية» تساهم في تغيير الصورة الذهنية عن الإسلام والسلفيين. وها هي اليوم تعمق الخلاف أكثر فأكثر، وتؤكد المقولة المُعنونة، وخاصة بعد إعلانها تأييدها الكامل لحركة "تمرد" - عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" - التي تطالب بسحب الثقة من الرئيس "محمد مرسي". فأعلنت الحركة عبر صفحتها الرسمية، أنهم سوف يعملون في الأيام المقبلة على دعم الحملة، وختمت بعبارة "اعتراضك لوحده مش كفاية "تمرد". وطالب "محمد طلبة" - مؤسس حركة "سلفيو كوستا" - شيوخ التيارات السلفية بالاعتذار عن تأييدهم لجماعة الإخوان المسلمين الفترة السابقة، قائلاً: "على جميع المشايخ اللي حابتنا ورا في تأييدهم الأعمى لجماعة الإخوان، وحشرهم للناس في أتوبيسات للمشاركة في مليونيات (أي حاجة والشريعة) أن يخرجوا علينا ويعتذروا". انتقاد إخواني وحول الحديث عن مواقف الحركة من جماعة الإخوان المسلمين، فقد اتسم بالانتقاد الشديد لمعظم سياسات الجماعة، حيث انتقدت الحركة الرئيس "محمد مرسي" عندما تحدث عن خطة "المائة يوم"، مؤكدة أنه لم يحقق ما وعد به كل التيارات التي انتخبته سواء كانوا سلفيين أو ليبراليين أو حتى يساريين، وأن "مرسي" وعد جموع السلفيين بفرض الشريعة فأعطوه أصواتهم، كما وعد الليبراليين بحرية التعبير وسيادة القانون فأعطوه أصواتهم، ووعد اليساريين بالعدالة الاجتماعية وحقوق العمال فأعطوه أصواتهم، وفي النهاية هو لم يحقق أي شيء مما وعد به (على حد قولهم). فقال مؤسس الحركة "سلفيو كوستا" موجهاً حديثه ل"مرسي": "فلا شريعة طبقت، ولا حرية منحت، ولا حقوق أعطيت، ثم إذا بهم يعترضون عليك". وفي ذات السياق استنكرت الحركة، خطاب الرئيس، معلقة على أحد عباراته: «والشعب يا سيادة الرئيس يتساءل إذا كان الموضوع قيد التحقيق والبحث، فما اسم تلك الحارة الشهيرة التي اتزنقت فيها القوى السياسية»، غير أنها أبدت تأييدها لمواد الإعلان الدستوري، التي تتيح إزاحة النائب العام من منصبه، وتدعو إلى إعادة التحقيقات والمحاكمات الخاصة بقتل وإصابة الثوار بداية من 25 يناير العام الماضي، مع اعترافها بكل ضحايا الأحداث التالية على الثورة، ومحاسبة من تسبب فيهم مهما كان منصبهم السياسي أو التنفيذي، واصفة تلك المواد ب«الخطوات الإيجابية والمهمة»، إلا أن المواد الخاصة بتحصين قرارات الرئيس ضد الطعن عليها أمام أي جهة، فرأت أنها مواد لم توجد مثلها إلا في الدول الديكتاتورية. ميول ليبرالية وعن موقفها من القوى السلفية التي كانت تنادي بتكفير وجود الآثار من أمثال "المهندس عبد المنعم الشحات" (أحد رموز الدعوة السلفية)، استنكرت تمامًا لهذا الأمر بل طالبت واضعي الدستور الجديد ل"مصر" بتضمينه مواد خاصة بحماية الآثار في مواجهة دعوات متشددة تطالب بهدم أو تغطية تلك الآثار باعتبارها أصناماً. وقالت الحركة - في بيان نشرته على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" - أنها سلمت وثيقة إلى لجنة الاستماع الخاصة بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، تطالب بأن تكون أجهزة الدولة ملتزمة دستورياً بحماية آثار "مصر" والحفاظ عليها من أي تعد بشري أو بيئي. ومما يدلل على وقوفها إلى الجانب الليبرالي، هو رفضها لبعض مواد الإعلان الدستوري الأخير (الإعلان المكمل)، الذي أصدره الرئيس "محمد مرسي"، وأعلنت - في بيان صادر عنها - رفضها الكامل لكل أنواع العنف ضد المتظاهرين، فضلاً عن تأييدها الأخير لحركة تمرد الداعية إلى سحب الثقة من الرئيس "مرسي"، والمُطالبة بعمل انتخابات رئاسية مبكرة مثلما دعا إليها الليبراليون من قبل. يذكر أن حركة "سلفيو كوستا" حركة تنموية مجتمعية غير حكومية وغير ربحية، أسست بواسطة مجموعة من الأفراد من التيار السلفي، ونمت لتضم مختلف تيارات المجتمع، وتحاول أن تعمل في ظل روح من التعاون والإخاء للنهضة بالمجتمع وأفراده. وقد تم تأسيسها عقب ثورة 25 يناير - بعد استفتاء مارس 2011-؛ لتحقيق التقارب بينهم وبين التيارات الفكرية المختلفة، وللخروج من الانعزال المعروف به التيار السلفي بوجه عام. ويرجع تسميتهم بهذا الاسم نسبة إلى اسم المقهى الشهير "كوستا"، للتأكيد على انفتاحهم على الآخر، وجلوسهم مثل الآخرين على المقاهي. وبعد أن عرضنا مواقف تلك الحركة منذ ظهورها وحتى الآن، فهل نستنج منه أن هذه الحركة ظهرت بدعم ليبرالي بهدف شق الصف السلفي والتيار الإسلامي بصفة عامة، أم حالة فريدة من نوعها تريد تقديم الدين الإسلامي بشكل مختلف؟.