يعود تاريخ المسلمين في "بريطانيا" إلى أكثر من (1000) عام، وقد ساعدت التجارة والأعمال التجارية إلى زيادة الاحتكاك ما بين "بريطانيا" والدول الإسلامية، ولا سيما حين بدأت السفن التجارية البريطانية باستئجار بحّارة من الخارج للعمل على متنها. ولذا؛ لم يكن مستغرباً تزايد أعداد المسلمين في "بريطانيا" منذ ذلك التاريخ القديم، غير أنه لم يكن متوقعاً التزايد بذلك الكم الكبير، وهو ما أشارت إليه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية – مؤخراً -، حيث وصفت تزايد أعداد معتنقي الإسلام في "بريطانيا" بالشكل الدراماتيكي، مقابل تراجع حاد في أعداد المسيحيين بين السكان بريطاني المنشأ. واستعانت صحيفة "الإندبندنت" بتقرير نشره مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني عن تراجع نسبة المسيحيين إلى (59.3%) عام 2011 مقارنة ب (71.7 %) قبل عشر سنوات، على الرغم من دعم هذا العدد ب(1.2) مليون مسيحي ليسوا بريطاني المولد، ولكنهم يقيمون بالبلاد (بعضهم كاثوليكيون من "بولندا"، وإنجيليين من دول ك"نيجيريا". فيما أشارت الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة البريطانيين ممن لا يعتنقون أية ديانة إلى (25%) من تعداد السكان، بعدما كانت نسبتهم لا تتجاوز (14.8%)، بينما يقدر عدد المسلمين في "بريطانيا" - وفق إحصاء عام 2001 - بحوالي 1.6 مليون مسلم، (50%) منهم من مواليد "بريطانيا". أسباب مختلفة وتعود أصول المسلمين الذين يعيشون في "بريطانيا" إلى مجموعة واسعة من الخلفيات القومية والثقافية، ويتمركزون بأعداد كبيرة في مدن "لندن" و"مانشستر" و"برمنغهام" و"برادفورد". وعن الأسباب التي دفعت إلى تزايد أعداد المسلمين في "بريطانيا"، يؤكد المراقبون على أن ارتفاع معدلات الهجرة إلى "إنجلترا" و"ويلز" على مدار العقد الماضي، تعد أحد أبرز الأسباب حول زيادة تلك الأعداد، وخير دليل على ذلك، ما أوضحت إليه إحصاءات عام 2011، والتي تشير إلى أن ثمة (600) ألف مسلم جديد وفدوا إلى المنطقتين من المولودين خارج "بريطانيا". إلى جانب ذلك، يفسر المراقبون تحول الكثير من البريطانيين إلى الإسلام، بانتشار أعداد كبيرة من المسلمين منذ التاريخ القديم وخاصة في "لندن"، فضلاً عن الانتشار الكبير للمساجد والمراكز الإسلامية التي تقوم بحملات دعوية للتعريف بالإسلام، وتحظى بتجاوب واسع بين الجمهور البريطاني. وبفضل هذه المراكز والحملات الإسلامية، تزايد أعداد المعتنقين للإسلام من الفئات العمرية الصغيرة، على عكس الديانة المسيحية التي تشهد ارتفاعاً في متوسط أعمار المسيحيين (الذين تجاوز ربع عددهم الخامسة والستين فيما فوق)، في مقابل انخفاض متوسط أعمار المسلمين الذين لا يزال نصف عددهم دون الخامسة والعشرين. وعن الأسباب الدافعة إلى انخفاض نسبة المعتنقين للمسيحية، يقول "كيث بورتيوس وود" (المدير التنفيذي للجمعية الوطنية العلمانية في "بريطانيا"): "إن الشباب ربما يرون أن الديانة المسيحية غير جذابة؛ لأنها بعيدة عن أمورهم الحياتية، كما أنهم يأخذون على الكنيسة فشلها في مساواة المرأة وحربها المتسلطة على المثلية الجنسية، وبخاصة مع يأس معظم شباب الكاثوليك من توجه كنيستهم إزاء قضايا معينة كمنع الحمل والإجهاض". موقع متميز ومن ثم يحتل المسلمون موقعاً مركزياً ومتميزاً في الحياة السياسية والتجارية والاجتماعية البريطانية، فيوجد أعداد منهم في القوات المسلحة وفي الشرطة والبرلمان. ويشغلون عدة مناصب في البرلمان البريطاني، وكذلك في مجلس اللوردات، ويتواجد أكثر من 200 مستشار مسلم في مواقع ذات تأثير كبير؛ نتيجة مهاراتهم ومواهبهم والتزامهم بإيجاد مجتمع أفضل وأكثر عدلاً للجميع. ويتمتع المسلمون البريطانيون بمزايا كبيرة كالتعليم والرعاية الصحية والديمقراطية وحرية التعبير الديني والمساواة في النوع الاجتماعي كغيرهم في "المملكة المتحدة". وعلى الرغم من ذلك، ما زال يواجه المسلمون العديد من الصعوبات في "المملكة المتحدة"، وخاصة عقب تفجيرات "لندن" في الأعوام الماضية، وتزايد الاتهامات الموجهة للمسلمين فيما يتعلق بأعمال تصنف على أنها "إرهابية". كما يواجه الإسلام حالة من الهجوم الشديد، وخاصة فيما يتعلق بقضية المرأة، فينظر البعض للإسلام بأنه يهدف إلى تهميش المرأة، وعلى الرغم من هذا التشويه، إلا أن حجم إقبال السيدات الإنجليزيات على اعتناق الإسلام في تزايد مستمر، حيث يشكلون ثلثي معتنقي الإسلام (حسبما ذكرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية)، وأن معتنقي الإسلام يقدمون على تلك الخطوة بعد سنوات من التواصل مع المسلمين، إما لرغبتهن في الزواج من مسلمين، أو هربًا من بذاءة وفسق المجتمع البريطاني، أو بحثاً عن روح الدين. وبالرغم من تأكيد الناطق باسم كنيسة "إنجلترا" على وصول عدد مسيحي "إنجلترا" إلى (2ر33) مليون نسمة بنسبة (59%) من التعداد مشكلين النسبة الأكبر، ثم يأتي المسلمون الذين بلغ تعدادهم (2.7) مليون نسمة بنسبة (5%) من التعداد، بالإضافة إلى عدد من الديانات الأخرى، يتوقع الكثيرون استمرار تراجع أعداد المسيحيين، في مقابل أعداد المسلمين، حيث يتوقع معهد "كريستيان ريسيرش" البريطاني، تراجع الحضور الكنسي في "بريطانيا" للمصلين من أتباع الطائفتين الإنجيلية والكاثوليكية معاً إلى ما دون 200 ألف بحلول عام 2050. في النهاية، فإن تزايد المسلمين في "بريطانيا" والتراجع في أعداد مسيحي "إنجلترا" و"ويلز"، من شأنه تعزيز دور الإسلام وصورته في المجتمع البريطاني، وتقليل مكانة الديانة المسيحية في الفترة المقبلة.