في ظل تميُز العلاقات المصرية / الإسرائيلية بالغموض الغير مُبرر على مدى الثلاثين عاماً الأخيرة، وفي ظل مُتغيرات محلية وإقليمية ودولية حادة سواء على الصعيد العربي والانقسام في الموقف الفلسطيني، أو على الصعيد الإقليمي والدولي. وبعد تصاعُد الأحداث مُنذ ثورة (25 يناير) ظهرت أصوات عديدة على المستويين الشعبي والسياسي تتناول هذه القضية التي تتباين فيها الآراء بين مؤيد لاستمرار مُعاهدة السلام – المُبرمة في 26 مارس 1979م- أو العمل على تعديل بنودها، أو المُناداة بإلغائها، وخاصة بعد حادث مقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية الإسرائيلية في 18 أغسطس 2011 بنيران إسرائيلية، ما تسبب في زيادة الاحتقان الشعبي والرغبة في الانتقام لجنودنا المصريين، والذي قرأناه جميعاً في الموقف الشعبي خلال أحداث السفارة الإسرائيلية في مصر بعد قيام أحد المتظاهرين برفع العلم المصري فوقها بدلاً من الإسرائيلي؛ مما جعل هذه القضية في الصدارة سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
في هذا الإطار نظم "المركز الدولي للدراسات المُستقبلية والاستراتيجية" مؤتمرا تحت عنوان "إعادة قراءة العلاقات المصرية/ الإسرائيلية في ظل المُتغيرات الإقليمية الحادة" في 28 سبتمبر2011 بمقر المركز. والذي حاول استشراف مُستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل الظروف الراهنة والثورات التي تجتاح العالم العربي، بحضور نخبة من الخُبراء والأكاديميين والمُختصين. وقد حرص د.قدري حفني (أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس) على طرح أهمية الأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية، وانعكاساتها على طبيعة وتطور العلاقات المصرية الإسرائيلية، وذكر أنه في ظل الصراع العربي الإسرائيلي عاش ما يزيد عن ثمانية أجيال من العرب واليهود، مما جعل الصراع سمة أساسية في حياتهم، تمتد آثاره لتصل إلى أعماق المُجتمع، وتتغلغل في أبنيته كافة، بحيث يُصبح جُزءاً لا يتجزأ من أعماق الهوية القومية لأفراد كل جماعة من الجماعات المُتصارعة؛ ما يؤثر على أنماط سلوكهم. بينما تحدث لواء دكتور عادل سليمان (المُدير التنفيذي للمركز) عما شهدتهُ العلاقات المصرية الإسرائيلية من خمس جولات عسكرية: 48، و56، و67، وحرب الاستنزاف، وأخيراً حرب أكتوبر 1973. كما أشار إلى أن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تكمُن في عدم دخولها في صراع عسكري مع مصر، وأنها تُدرك ذلك جيداً، ولذلك فهدف إسرائيل الرئيس دائماً هو استمرار عملية السلام. ودعا إلى عدم اللجوء إلى القوة في حل هذه القضية، وأشار إلى أهمية العودة إلى الاتفاقيات السابقة. في الوقت الذي اهتم فيه دكتور محمد عبد السلام (رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية - الأهرام) بتحليل تأثير التوازُنات الاستراتيجية التي شهدتها التفاعُلات المصرية الإسرائيلية على الخيارات الكُبرى التي حكمت علاقات الجانبين، خاصة الجانب الإسرائيلي الذي واجه مُشكلة دفعت به إلى الحل السلمي بشكل جادٍّ مع مصر. كما وصف عدم قُدرة الدول العربية على الحشد مثلما فعلت إسرائيل بأنه حقيقة سوداء أثرت على التوازن العربي الإسرائيلي خلال السنوات الماضية.
أما اللواء بحري مُحسن حمدي (عضو مُفاوضات السلام بواشنطن ورئيس اللجنة العسكرية للإشراف واستلام سيناء من إسرائيل) فقد صرح بعدد من الحقائق التي لم يُعلن عنها من قبل في مُحاولة منه للرد على الاتهامات المُوجهة إليهم بخصوص تقديم تنازُلات للجانب الإسرائيلي، فذكر أن طلبات إسرائيل كانت استفزازية بالفعل، وأنهم لم يقبلوا أيَّا منها، وأن إسرائيل لم تفرض عليهم أية ترتيبات أمنية، وأنهم هُم الذين حددوا حجم القوات المطلوب وجُودها. في الوقت الذي اختلف فيه أ.جمال الغيطاني (المُفكر والأديب المصري) معه، فقال إنه شعر بصدمة كبيرة عند قراءة نص المُعاهدة الذي وُزع مع أوراق المؤتمر بالمركز، فهو لا يرى أن القوات كافية للدفاع عن سيناء وأن ذلك جعلنا ندفع ثمن هذا، كما استنكر عدم وجود سيادة عسكرية صارمة في مدينة شرم الشيخ. وأصر على أنه ليس هُناك توازن في هذه المُعاهدة بين الطرفين، وأن هُناك تنازُلات كثيرة جداً يحمل مسئوليتها للرئيس الراحل أنور السادات. ما أدى إلى إثارة اللواء مُحسن حمدي الذي انفعل قائلاً إن كُل من يدعي أن هُناك بنوداً سرية في اتفاقية "كامب ديفيد" كاذب، وأن من يملُك نصوصا تؤكد ذلك فليأتِ بها. أما السفير إيهاب وهبه (مُساعد وزير الخارجية الأسبق) فدعا إلى ضرورة الدخول في مُفاوضات رسمية مع إسرائيل بخصوص ترتيبات الأمن الخاصة بالمنطقتين (ب) و(ج)، مشيرا إلى أن ما حدث من تفجيرات مُتكررة لخط الغاز الخاص بإسرائيل والأردن خير دليل على عدم الوجود العسكري الكافي في تلك المنطقتين. بينما اهتم دكتور أحمد غُنيم (أُستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة) بمُناقشة الأبعاد الاقتصادية للمُعاهدة، ومُحددات الاتفاق التُجاري بين مصر وإسرائيل طبقاً للمُعاهدة وما تلاها من اتفاقيات. كما أشار إلى وجود رأيين تجاه اتفاقية "الكويز" ووصف الرأي الذي يؤيد إلغاءها بالسياسي البحت، وعرض أسباب أهمية الإبقاء عليها وعدم إلغائها. وذكر السفير نبيل فهمي (سفير مصر بالولايات المُتحدة سابقاً) أنه رغم تأييده لعملية السلام إلا أنه يعتقد أن العلاقات المصرية الإسرائيلية غير سوية، كما حثَّ على ضرورة تقييم الأوضاع الدولية (الموقف العربي- الموقف الغربي- الموقف الأمريكي)، ومراعاة أهمية تغليب المُحددات الوطنية والمصلحة المصرية على الخارجية. وأشار دكتور عز الدين شكري (أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية) إلى التغيُر الثقافي العنيف الذي حدث في مصر بعد الثورة التي كانت بمثابة نُقطة البداية، فهو يرى أن هُناك مزيد مما يُعجل بضرورة فتح الملفات المُغلقة، والإعلان عما حدث بأكتوبر بالفعل؟! وعن حقيقة العلاقات والاتفاقات المصرية الإسرائيلية ؟! وطرح هذا النقاش بالكامل للرأي العام. كما أكد دكتور عماد جاد (رئيس تحرير مُختارات إسرائيلية- الأهرام) على أن المصالح الإسرائيلية تقتضي ألا توجد دولة ديمُقراطية في المنطقة، ولذلك فهي أكثر الدول التي أيدت نظام "مُبارك". كما رأى أن ما حدث أمام السفارة الإسرائيلية هو نتاج طبيعي للتلاعُب بمشاعر الناس والاستهانة بعقولهم. مشيرا إلى أن أكثر ما يُقلق الإسرائيليين هو ازدياد الدور الذي يلعبهُ الرأي العام، مرجحا أن خطة خلق مستويين من العلاقة مدروسة من النظام. وأخيراً أيد فكرة مُصارحة الناس بالحقائق وتوعيتهم، وأهمية إعلاء مصلحة مصر. وفي نهاية المؤتمر أشارت دكتور نورهان الشيخ (رئيس وحدة التدريب المُتقدم والتعاون البحثي المُشترك بالمركز) إلى اختلاف المواقف والرؤى حول ماضي العلاقات المصرية الإسرائيلية ومُستقلبها، وقامت بمُحاولة مُتميزة لبلورة ما جاء في المؤتمر من مُداخلات ومُناقشات من خلال محورين رئيسين، الأول تحديد العوامل التي تحكُم مُستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، والآخر هو التطور المُستقبلي المُحتمل للعلاقات بين البلدين. وفي النهاية خلص الحاضرين إلى نقاط رئيسة أهمها أن الصراع العربي الإسرائيلي قابل للتأجيل، وأن الأهم حاليًّا هو إعادة بناء الدول العربية، والاهتمام ببناء الأنظمة الديمُقراطية. أيضاً وجوب وضوح الخيارات أمام الرأي العام ونُخبة المُثقفين ومعرفة أن بديل المُعاهدة هو الحرب. بالإضافة إلى أهمية الابتعاد عن استخدام نهج النظام السابق في التعامُل مع القضايا المطروحة حاليًّا. وعدم إهمال الأبعاد الأمنية والاقتصادية ووضعها بعين الاعتبار.