تحل اليوم الذكرى الأولى لانتخاب فرنسوا هولاند رئيسا لفرنسا بعد فوزه على الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ليكون أول رئيسا اشتراكيا للبلاد منذ أكثر من 17 عاما وثاني رئيسا اشتراكيا في تاريخ الجمهورية الخامسة بعد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران. وبمناسبة مرور عام على ولاية الرئيس الاشتراكي وفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط، قررت الحكومة الفرنسية تنظم مؤتمر حكومي اليوم، برئاسة هولاند، وبمشاركة جميع الوزراء لتقيم ما حققت حكومة جان مارك من إنجازات خلال العام الماضي، وتحديد أوجه النقص لمعالجته، ومن المتوقع أن يقدم كل وزير حصيلة المشروعات التي أطلقها ونسبة نجاحه ومستقبلها القريب. ويأتي ذلك بعد قيام عشرات الآلاف من الفرنسيين أمس بالتظاهر في شوارع العاصمة باريس تلبية لدعوة اليسار الفرنسي المتشدد بزعامة جان لوك ملنشون للتنديد ب"الوعود الكاذبة" للاشتراكيين و"سياسية التقشف" وذلك عشية الذكرى الأولى لانتخاب فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا، وشارك في تلك المظاهرات أيضا آلاف من أنصار حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن، وهتفوا ب "رحيل" هولاند. واعتبرت لوبن أن فرنسا تنزلق في سياسة تقشف عبثية لا نهاية لها ، وأن بلادها أصبحت حبيسة ظلمات أوروبا، كما نظم معارضو قانون زواج المثليين مسيرات في العديد من المدن الفرنسية الكبرى احتجاجا على هذا القانون رغم تصويت البرلمان النهائي عليه. ويبدو أن المشهد السياسي اليوم يختلف جذريا عما كان عليه مساء السادس من مايو من العام الماضي حينما نجح هولاند في الفوز برئاسة البلاد وأطلق وعودا قوية بإنعاش الوضع الاقتصادي ووضع حد للبطالة مما عقد عليه آمال كبيرة من مختلف طبقات الشعب الفرنسي. غير أنه بعد عام من توليه السلطة تبدو الصورة مختلفة ومحبطة في الوقت ذاته حيث يواجه هولاند تدهورا غير مسبوق في شعبيته بسبب فشله في معالجة التردي الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فحصيلة هولاند بعد سنة من حكمه لم تصل إلى مستوى الطموحات والآمال التي علقت علليه في بداية ولايته الرئاسية. هولاند في المرتبة الثالثة وأظهرت آخر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد «سي إس آي» لصالح قناة "بي أف إم " الفرنسية أن رئيس الجمهورية الحالي فرنسوا هولاند سيحل في المرتبة الثالثة من جولة الانتخابات الرئاسية الأولى لو كانت جرت الآن إذ إنه كان سيحصل على 19 في المائة من الأصوات، وكان سيخرج بالتالي من السباق الرئاسي. وفي مقابل ذلك، فإن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي كان سيحصل على 34 في المائة ويحل في المرتبة الأولى بينما كانت ستحصل مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن على 23 في المائة من إجمالي الأصوات وكانت ستحل في المرتبة الثانية. وكشف هذا الاستطلاع مدى تدني شعبية هولاند التي أصبحت لا تتعدى حاليا 25 في المائة، وبذلك يكون الرئيس الحالي أحد أقل الرؤساء الفرنسيين شعبية منذ تأسيس الجمهورية الخامسة قبل ستين عاما. ويرى المراقبون أن السبب وراء هذا التراجع في شعبية هولاند هو أنه أطلق فور توليه الرئاسة العديد من الوعود الوردية التي التزم بتحقيقها خلال فترة رئاسته أمام الشعب الفرنسي غير أن ثمة هوة كبيرة بين تلك الوعود والحقيقة المرة التي يعيشها المواطنون. فمنذ اليوم الأول من انتخابه رئيسا للجمهورية أعلن هولاند أن هدفه الأول هو دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق النمو وتوفير فرص عمل للحد من معدلات البطالة المرتفعة، كما وعد بتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة "الجمهورية النموذجية" على غرار "المدينة الفاضلة"، إضافة إلى فرض ضريبة تصل إلى 75 في المائة على الذين تزيد عائداتهم المالية على مليون يورو في العام. غير أن ما تم على أرض الواقع يختلف تماما عما وعد به هولاند، فمعدلات البطالة قد تزايدت بصورة متفاقمة ووصلت إلى أعلى مستوى لها منذ عقود حيث تبلغ حاليا 11 %، أي أكثر من ثلاثة ملايين من الفرنسيين في سن العمل، ولا يظهر في الأفق أي أمل حول إمكانية خفضها خلال العام الحالي. كما أن النمو الاقتصادي الضروري لخلق فرص العمل يعتبر معدوما وهو ما سيؤدي بدوره إلى تأجيل هدف خفض العجز في ميزانية الدولة إلى 3% من إجمالي الناتج الداخلي اعتبارا من عام 2013، وهو الهدف الذي كانت قد وضعته حكومة هولاند الاشتراكية وفق ما يطلبه الاتحاد الأوروبي. تشاؤم الفرنسيين كما ساهم برنامج تسريح العمال وإغلاق المؤسسات والشركات في زيادة الأجواء التشاؤمية داخل فرنسا والتي زاد من حدتها ارتفاع نسبة الضرائب التي تفرضها الدولة في محاولة منها لمعالجة العجز الذي تعاني منه الميزانية والصناديق الاجتماعية والصحية. وفشل هولاند في تحقيق وعده الانتخابي الأساسي، بفرض ضريبة نسبتها 75 % على الرواتب التي تزيد عن مليون يورو، وذلك بعد أن نقضه المجلس الدستوري وسيطبق الآن على الشركات التي تمنح مثل هذه الأجور لمدرائها. إضافة لذلك، أعلنت فرنسا نهاية الشهر الماضي تسريح 34 ألف موظف من وزارة الدفاع الفرنسية حتى عام 2019، وذلك في إطار سعيها لتقليص نفقاتها العامة، في مؤشر جديد على مدى تأثر فرنسا بأزمة الديون. وبذلك أصبحت ميزانية الدفاع الفرنسية تشكل نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كانت تشكل نحو 2.5% من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي في تسعينيات القرن الماضي. وجاءت فضيحة وزير الموازنة جيروم كاهوزاك لتزيد الطين بلة وتفجر قنبلة سياسية وأخلاقية داخل النظام السياسي الفرنسي وتضع الرئيس هولاند في مأزق كبير، فالوزير المكلف بالإشراف على الميزانية العامة ومحاسبة المتهربين من دفع الضرائب أصبح هو نفسه متهم بالتهرب من الضرائب وامتلاك حسابات سرية في مصارف جنيف وسنغافورة. أما بالنسبة لوعد هولاند الخاص بالنهوض بالقطاع الصناعي، فإن موظفي شركة ارسولور ميتال للتعدين قد نددوا ب خيانة الرئيس، وذلك بعد إغلاق مصانع الشركة في فلورانج شرق البلاد، كما فشل هولاند في إعطاء حق التصويت في الانتخابات المحلية لغير الفرنسيين، ، مما زاد من تدهور شعبيته. وفي مواجهة تلك الصورة القاتمة يؤكد هولاند أنه تمكن من تحقيق قدر كبير الإنجازات خلال عامه الأول والتي كان من أبرزها مصادقة البرلمان الفرنسي على مشروع قانون زواج المثليين بعد أن صوت لصالحه 331 نائبا مقابل 225 صوتوا ضده، لتصبح فرنسا الدولة الرابعة عشر في العالم التي تعترف بزواج المثليين. كما طرح هولاند مشروع قانون حول برنامج الاستقرار المالي ليقترع عليه النواب في البرلمان، وينص القانون على تخفيض النفقات الحكومية بنسبة 3 % من الناتج الداخلي الخام خلال ولاية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. كما ينص القانون على ألا يزيد الإنفاق الحكومي أكثر من 0.4 في المائة سنويا، وبالتالي فإنه يحدد مسبقاً خط سير قوانين الموازنات العامة في السنوات المتبقية من عهد هولاند. وتأمل الحكومة بهذا القانون نفي التهمة الموجهة إليها بإتباع سياسة تقشفية تمليها عليها المفوضية الأوروبية. عقود التشغيل المستقبلية من ناحية أخرى، أقر مجلس الوزراء الفرنسي مؤخرا نظام "عقود التشغيل المستقبلية" لمجابهة البطالة، وهو عبارة عن عقود عمل للشباب الذي ليس لديه مؤهلات للدخول إلى سوق الشغل، الهدف منه خلق 100 ألف وظيفة في عام 2013 ألفين وثلاثة عشر و50 ألف في عام 2014. هذا بالإضافة إلى إقرار قانون التقاعد في سن الستين للذين بدأوا العمل باكرا، وخفض راتب الرئيس والوزراء بنسبة ثلاثين في المائة، وإنشاء بنك حكومي للاستثمار لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن إلغاء المرسوم الذي كان يعقد حياة الطلاب الأجانب وتحديد معايير "موضوعية" لإضفاء الشرعية على من ليس لديهم وثائق إقامة حالة بحالة. وفي خطوة أولى لفرض معاير أخلاقية لإعادة الثقة بين السياسيين والمواطنين، نشر الوزراء كشف بممتلكاتهم في إطار المزيد من الشفافية في الحياة السياسية الفرنسية، وذلك في أعقاب فضيحة وزير الموازنة السابق. أما على صعيد السياسة الخارجية فقد تمكن هولاند من تحقيق نجاحات ملموسة ظهرت بوضوح من خلال الإدارة الجيدة لحرب مالي، وأيضا من خلال الزيارات الخارجية التي قام بها وكان من أبرزها زياراته للجزائر والهند والمغرب والصين والتي تمكن خلالها من توطيد علاقات فرنسا الخارجية مع تلك الدول، وتوقيع عدد من اتفاقات التعاون المشترك في العديد من المجالات. غير أن كل تلك الإنجازات التي يدافع عنها هولاند وحكومته، إضافة إلى نجاحاته الدبلوماسية على الصعيد الخارجي، لم تكن كافية لمحو إخفاقات الرئيس وإرضاء الشعب الفرنسي، ولم ترتق إلى مستوى طموحات وآمال المواطنين.. فالفرنسيون أصبحوا يركزون على مشكلاتهم الداخلية في المقام الأول ولا تشغلهم السياسة الخارجية لبلادهم، ومن ثم فهم يرون أن ولاية أولاند قد ساهمت في تفاقم نسبة البطالة وتدني مستوى معيشة المواطنين، كما أفقدت فرنسا قوتها الاقتصادية أمام دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا؛كل هذا يفسر التدهور المتواصل في شعبية أولاند وبلوغه أدني المستويات التي وصل إليها رئيس فرنسي في الجمهورية الخامسة خلال العام الأول من حكمه.