وراء كل قدر إلهي حكمة بالغة، والموت قدر الحق على الخلق، يدركهم في وقت غير معلوم من ليل أو نهار، فينقلهم من دار إلى دار، ومن حياة إلى حياة أخرى بنواميس مختلفة. يرى الكثيرون الموت كله مُصيبة سوداء، لأنه يفرّق الأحبة، ويشتت الصحبة، ويهزم اللذة.. لكن عين المتأمل ترى الموت قوة دافعة إلى الحياة، وهو الذي خُلق ليقهرها وينهيها.. كيف؟!. حين أخفى الله أمر الموت عن الناس، وجعل قدومه مفاجئة لا يستطيعون منها فكاكاً.. إنما لجعلهم في حالة يقظة مستمرة، واليقظة تستوجب تقديم الطيبات وعمل الصالحات واستثمار الوقت، الذي هو الحياة، في زيادة رصيد الحسنات، وفي ذلك - كما يرى العقلاء - أكبر حافز ودافع إلى العمل الصالح، الذي يتمثل في إنتاج، أو إحسان، أو كفِّ أذى.. الخ، الأمر الذي يجعل هاجس الموت قوة إيجابية نحو تعمير الحياة. إذاً، فالحياة لا تنهار بموت الأحبة وفقد الصحبة، ولكن ربما تستقيم على الجادة والصواب اعتباراً بالموت الذي يحصد الأرواح دون استئذان، وقد يكون في موت البعض - ولو كانوا من المقرّبين - مقدمة صوب إصلاح شأن الكل واستقامتهم على طريق الله، الذي يبدأ بإحسان الحياة الدنيا الزائلة رغبة في تحقيق الخلود والسعادة في الدار الآخرة الباقية. من حق الأحياء أن يحزنوا على الأحباء الذين حجبهم الموت، وجديراً بهم كذلك أن يلتمسوا ويتلمّسوا الدرس والعبرة من موت من ماتوا، فكل من مات تنقطع صلته بالدنيا إلا فيما ترك وراء ظهره من صالحات قدمها ابتغاء وجه الله « صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» كما ورد في الحديث الشريف، فهلا اتسم الأحياء بشيء من الاعتبار وسعوا إلى العمل الصالح من قبل أن يدركهم الموت الذي أدرك أحبتهم وأصحابهم؟!. حان الوقت ليُدرك الغافلون أنهم ميتون، وأنهم على الله معرضون، ولا ينفعهم سوى ما قدمته أيديهم من خيرات.. فالدنيا برمّتها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وما هي إلا دار اختبار وامتحان.. فيا فوز من نجح، ويا خسارة من رسب، فاللبيب من عمل لما بعد الموت، والذكي من قدم لدار البقاء. اللهم اقبضنا إليك وأنت راض عنا.. آمين. [email protected]