من قبيل التطورات التي يشهدها ملف الصراع الأمريكي في أنحاء كثيرة من بؤر الصراع في العالم والذي اتخذ أشكالاً متعددة منها الحرب الإعلامية أو ما عُرف باسم الحرب الباردة والحرب الاقتصادية، كثفت الولاياتالمتحدة من تقنياتها العسكرية المتطورة لجمع معلومات استخبارية مهمة من داخل أراضي العدو والتي تُجمع بواسطة الطائرات من دون طيار المتطورة. وفي ظل زعم أمريكا أن مهام هذه الطائرات (التي تنتشر قواعدها العسكرية في مناطق عدة من العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط) يدخل ضمن مكافحة الإرهاب من خلال الإغارة على مواقع إرهابية في دول عديدة، مثل باكستان وأفغانستان واليمن، لكن الكثير من الإحصاءات تشير إلى زيادة عدد القتلى الذين يسقطون بسببها، ففي باكستان قتلت ما يقرب من (3378) شخصاً، وفي اليمن ما يصل إلى (1952) شخصاً، فيما بلغ عدد من قتلوا في الصومال حوالي (170) شخصاً خلال عام 2012. وازداد هذا التوجه في العسكرية الأمريكية خاصة بعد ولاية الرئيس "باراك أوباما"، فكانت القوات الأمريكية تقوم بتكثيف عمليات تحليق الطائرات من دون طيار بعد إنهاء المهمات العسكرية الميدانية بحجة تمشيط المواقع الإرهابية وجمع معلومات عنهم، فيحصد المدنيون النصيب الأكبر من القتل، ولكن هل يقتصر الأمر على عبارة "سقوط عدد من المدنيين الأبرياء بطريق الخطأ"؟ وهل يمثل ذلك انتهاكاً لسيادة الدول؟. جدل واسع وبينما عقد الكونجرس الأمريكي مؤخراً جلسة استماع تحت عنوان "شرعية وأثار القتل المستهدف في عمليات مكافحة الإرهاب" أمام اللجنة الفرعية الخاصة بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان والدستور في مجلس الشيوخ في ولاية واشنطنالأمريكية، تصاعدت حالة الجدل في الداخل والخارج نتيجة محاولة التبرير لمثل هذه العمليات التي أكدت العديد من التقارير أن غارات الطائرات من دون طيار تستهدف عمليات جمع معلومات استخبارية عن الدول وقتل المدنيين خلالها. ويرى بعض الناقدين أنه رغم استمرار الولاياتالمتحدة في المناداة بالديمقراطية وعقد ورش عمل لتثقيف الشعوب حول سيادة القانون، إلا أنها تقوم في الوقت ذاته بالقتل خارج إطار القانون من خلال عمليات ضربات طائرات دون طيار. ولم يقتصر الأمر على الجدل خارج الولاياتالمتحدة فقط؛ بل امتد إلى الداخل الأمريكي، وأثار ?موجة من المخاوف بين المواطنين الأمريكيين من إمكان تعدي هذه الطائرات على الخصوصية الشخصية والتجسس بجمع المعلومات الاستخبارية أو شل حرية التعبير من خلال مراقبة الأنشطة السياسية بذريعة تنفيذ القانون في مكافحة الإرهاب، وهو ما دعا هؤلاء المواطنين إلى ممارسة الضغوط على المسؤولين المحليين للمطالبة بحظر الطائرات من دون طيار تماماً عن أجواء المدن الأمريكية.? وفي اليمن، أثار التقرير السنوي لمنظمة "هود" المعنية بالدفاع عن الحقوق والحريات، التأكيد على هذه التخوفات بعدما وصف التقرير الغارات التي قامت بها طائرات أمريكية دون طيار بأنها "عمليات قتل خارج نطاق القانون"، حيث أُعلن عن تنفيذها 81 غارة على اليمن، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. إرهاب بلا حدود وفي إطار تواصل الدعوات المناهضة للتدخل الأمريكي في مختلف أنحاء العالم بشأن مكافحة الإرهاب، قاد مجموعة من الناشطين المدنيين حملة «No Drones» وتُعرف بكونها "حملة إنسانية عالمية" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" من أجل حظر استخدام الطائرات دون طيار كوسيلة حرب تحت أي ذريعة حتى لو كانت تلك الذريعة هي مكافحة الإرهاب؛ لأن تلك الطائرات تعدّ في حد ذاتها "إرهاباً بلا حدود". وفي سياق متصل، نظم بعض الحقوقيين حملة إعلامية كبيرة تبنتها بعض الصحف الأمريكية ومنظمات المجتمع المدني وأساتذة القانون، ندّدوا خلالها بما تقوم به تلك الطائرات من قتل المدنيين، واعتبروا ذلك مصادرة كاملة لسيادة الدول ومخالفة القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. ورغم أن واشنطن تتجنب التعليق عادة على التفاصيل المتعلقة بتنفيذ غارات تلك الطائرات، إلا أن مكتب الصحافة الاستقصائية في بريطانيا الذي يتابع العمليات الأمريكية، كشف في المدة الأخيرة أنه قتل في اليمن فقط ما بين 36 و56 مدنياً عام 2012 جراء العمليات التي تنفذها هذه الطائرات. وأكد العديد من القادة والسياسيين أن هجمات الطائرات الأمريكية بلا طيار تحدث نتائج عكسية، وتقود إلى تكوين صورة سوداوية تتسبب في تراكم الكراهية للولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية توسع من النقمة الشعبية سواء على النظم المحلية التي تسمح للطائرات الأجنبية بالضرب بلا رقيب أو حسيب أو على أمريكا والغرب عموماً. سيناريو عكسي وتأكيداً على ما سبق، فإنه من التداعيات التي يتوقعها العديد من الخبراء والمحللين أن مثل هذا التوجه في الإدارة الأمريكية نحو تكثيف العمليات العسكرية عبر طلعات الطائرات دون طبار سوف يؤدي إلى انعكاسات سلبية وآثار ارتدادية على أمريكا نفسها والغرب بشكل عام، وهو ما يدفع نحو التكهن بزيادة الحركات الانتقامية التي تستهدف الداخل الأمريكي كرد فعل على قتل الأبرياء في الخارج، وهذا ما أكدته الأيام القليلة الماضية التي شهدت تفجيرات بوسطن الأخيرة نتيجة توسع النقمة الشعبية سواء على النظام الذي سمح للطائرات الأجنبية بالضرب بلا رقيب أو حسيب أو على أمريكا والغرب. ولكن المثير للقلق، هو أن الحكومات في الدول المختلفة قد أعطت الولاياتالمتحدة الضوء الأخضر لزيادة عدد ضربات الطائرات دون طيار، فهل يستمر هذا المسلسل الأمريكي في قتل المدنين الأبرياء دون أدنى اهتمام من تلك القوات الأمريكية؟ وهل يجوز الاكتفاء بدعوة الاعتذار والادّعاء بعلم الحكومات بالأمر فقط دون الكف عن هذه الجرائم؟