تراخ أمني ساد مصر بعد اغتيال السادات العادلي لم يكن لبقاً إعلامياًً وجاء وزيراً بالصدفة مبارك نجا من محاولة اغتيال أكيدة في "ٍسيدي براني"
كتبت - سميرة سليمان
يرصد كتاب "الأمن من المنصة إلى الميدان" لحمدى البطران، الصادر عن دار العين للنشر، حركة الأمن فى مصر منذ حادث المنصة، واغتيال الرئيس السادات، مرورا بملامح التدهور الأمنى وظهور الجماعات الإسلامية، ويحاول فتح كل الملفات التى تناولتها الداخلية المصرية، والتأسيس لسياسة تكميم الأفواه، ثم محاولات اغتيال مبارك، لتنتهى فى الفصل الأخير منها بالتوثيق لسياسات وزراءداخلية مبارك.
يبدأ الكتاب بحادث المنصة التي يعتبرها حدثا فريدا، ربما لن يتكرر، غرابة الواقعة تأتي من عدة اعتبارات كما يشير الكتاب، أولها أنها وقعت في أكثر مناطق مصر أمناً وتأميناً، ولأن أجهزة الأمن همها الوحيد تأمين الرئيس؛ اعتبار آخر تمثل في أن أعداء الرئيس السادات أصبحوا معروفين لدى أجهزة الأمن معرفة جيدة، بل ومعروفين للرئيس السادات شخصياً، وقد حاول الرئيس السادات في خطابه يوم 5 سبتمبر 1981 أن يوجه إليهم نداءات ونصائح مصحوبة بتهديدات وتحذيرات من مغبة أفعالهم قائلاً: "..مش عايز اضطر في يوم أن آخذ ضد أولادي الصغيرين المغرر بهم، إجراء عشان كده مسكت الرؤوس، لكن أولادي الصغيرين المغرر بهم هااديهم الفرصة عشان يفكروا ويعودوا لأني مش عايز أوسعها".
واعتبر الكتاب أن الأمر في المنصة بدا وكأن أجهزة الأمن تنتمي إلى دولة بدائية ليست لديها خبرات ولا تدريبات. ووقفت كل قوات الأمن الحاضرة في المكان طوال فترة وقوع الحادث لا تعي من أمرها شئ.
يوضح الكتاب أن القاضي الذي نظر قضية "الجهاد الكبرى" داهمت قوات الأمن منزله في مصر الجديدة بعد إجرائه حوار مع جريدة المصري اليوم عام 2007 وحاصرت القوات منزل المستشار بعدد كبير من السيارات المصفحة وقامت بالاستيلاء على جميع أوراقه ومستنداته الخاصة التي كان يحتفظ بها ومن بينها مذكراته التي كان قد انتهى من كتاباتها قبل وفاته بأيام.
واصطحبت قوات الأمن نجله الأكبر ويعمل مهندساً بإحدى الشركات وقامت باحتجازه دون أن تعلم أسرته مكان وجوده، واستولت السلطات الأمنية التي اقتحمت المنزل على مكتبة القاضي الراحل، إضافة إلى الاستيلاء الكامل على جميع الأوراق والتحقيقات التي كان يحتفظ بها طوال حياته!.
التدهور الأمني
يرى الكاتب أنه في أعقاب واقعة الاغتيال الكبرى، التي راح ضحيتها رئيس الدولة ومن معه، ومحاولة اقتحام مديرية أمن أسيوط وقيام الحكومة بضرب تنظيم الجهاد والإفراج عن المعتقلين، وعودة الصحفيين المبعدين عن مؤسساتهم الصحفية، وعودة أساتذة الجامعات إلى كلياتهم بدأت حالة غير مسبوقة من الاسترخاء الأمني.
في ذلك الوقت كما يشير الكتاب لم يكن أمام أجهزة الأمن ما تفعله سوى المهمات الروتينية المعتادة، ومما زاد في تأثير حالة الاسترخاء الأمني تلك صدور قرار النائب العام بإحالة عدد 41 ضابطاً من ضباط الشرطة وخمسة من الأفراد إلى محكمة الجنايات بتهمة تعذيب المتهمين من العناصر الإسلامية في قضية تنظيم الجهاد، وهو الأمر الذي زاد من إحساس رجال الشرطة بالغبن والظلم. وأنهم قدموا كبش فداء، وشعروا أن الدولة تريد أن تنهي الأمر وتتصالح مع التيارات الدينية على حسابهم.
ويتحدث الكتاب عن الوثيقة التي اعترفت فيها وزارة الداخلية بعجزها صراحة وهي الوثيقة التي أعدتها وزارة الداخلية حول الأوضاع الأمنية في السنوات الثلاث الأولى من عقد التسعينات وقد تم تسريب الوثيقة للصحف مع بداية عام 1995.
الوثيقة كما يشير الكتاب تعترف بغياب ملامح السياسة الأمنية في مواجهة الإرهاب، وانهيار الروح المعنوية للضباط. وقالت الوثيقة أن الهموم الأمنية غابت عن اجتماعات القادة الأمنيين التي تحولت إلى بحث إعادة الثقة إلى رجل الشرطة الذي أصبح يرتجف خوفاً من اغتياله أمام منزله وأولاده، وتفرغت أجهزة الأمن إلى تبادل الاتهامات فيما بينها لدرء المسئولية.
ويحكي الكتاب عن استعانة الشرطة بالبلطجية، وكيف أن الشرطة تلجأ لهؤلاء الأشقياء من أجل تقديم مهام قذرة، حيث تقوم الشرطة بتصنيع المجرمين تحت بصرها.
ويورد صفحات عن الملفات التي تولاها الأمن وأخفق فيها مثل ملف سيناء, والملف القبطي، وملف الإخوان المسلمين.
تكميم الأفواه
يرصد الكتاب كيف كمم نظام مبارك أفواه رجال الشرطة، فعندما تمت صياغة قانون هيئة الشرطة بعد إعلان دستور 71 نص القانون رقم 109 لسنة 71 مادة 42 على منع رجال الشرطة من الإدلاء بأي بيانات في وسائل الإعلام عن أعمال وظيفتهم. وقد تم مصادرة كتب ضباط الشرطة مثل كتاب "إسرائيل القوة الغاشمة" لمؤلفه النقيب شريف محمد أبو الفتح، ضابط الشرطة؟
أيضاً أرهب النظام رجال القضاء حتى لا تتم انتخابات نزيهة، فالحكومة تريد أغلبية ساحقة لحزبها الوطني الديمقراطي، وهذا لا يحدث إلا بتزوير الانتخابات كما حدث في انتخابات 2010.
أما عن الصحفيين فقد كان يتم التحرش بهم منذ عام 1988، ومن أبرزهم الراحل مصطفى شردي، وأيمن نور الصحفي بالوفد، وعبدالعظيم مناف رئيس تحرير صحيفة "صوت العرب" آنذاك.
من الوقائع التي يرصدها الكتاب حبس الناشط السياسي ورئيس تحرير جريدة "الشعب" عادل حسين، كذلك تعرض الصحفي والمؤرخ جمال بدوي لحادث اعتداء في طريق صلاح سالم بسبب مقال كتبه بعنوان "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، وجاء رداً على زيارة وفد لسيدات كويتيات لمصر لتهنئة مبارك بعد نجاته من حادث الاغتيال في أديس أبابا ؛ وخلاله سألته إحدى السيدات عن قانون حبس الصحفيين المشبوه 93 لسنة 1995 فرد الرئيس مبارك بحسب المقالة أن المصريين يريدون كل شئ، بشكل يقلل من أهمية نقابة الصحفيين.
كذلك يعرض الكتاب لاختطاف الصحفي المعارض عبدالحليم قنديل فجر يوم 2 نوفمبر 2004، وفي 25 مايو 2005 تعرضت صحفية بجريدة الدستور لانتهاكات جسدية، وهو ما تعرضت له صحفية اخرى على سلم نقابة الصحفيين.
واعتبر مجلس نقابة الصحفيين يوم 13 سبتمبر 2007 يوم أسود في تاريخ الصحافة المصرية، بعد أن عاقبت محكمة مصرية رؤساء تحرير أربع صحف بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 20 ألف جنيه، وهم وائل الإبراشي، وعادل حمودة، وعبدالحليم قنديل، وإبراهيم عيسى.
ويذكر الكتاب القضية ضد الصحفي إبراهيم عيسى في أكتوبر 2007 بدعوى نشره إشاعات كاذبة، وفي 2008 قبضت أجهزة الأمن على المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري وزوجته وعدد من أعضاء حركة "كفاية" قبل أن تطلقهم في منطقة تبعد حوالي 70 كيلو عن القاهرة.
كذلك فعل النظام مع منظمات حقوق الإنسان مثل اتهام مصطفى بكري لأمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بتلقي أموال من جهات ومنظمات حكومية أجنبية وتداول معلومات تضر بالأمن القومي للبلاد، وما حدث مع مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ورئيسه الدكتور سعد الدين إبراهيم، حيث تم اتهامه بتلقي تبرعات من الاتحاد الأوروبي، دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة.
محاولات اغتيال مبارك يعرض الكتاب لمحاولات اغتيال مبارك منها محاولة اغتياله في سيدي براني التي تم التعتيم عليها إعلامياً، لأن المجموعة التي حاولت الاغتيال من رجال القوات المسلحة وتنتمي للجماعة الإسلامية، وهو يزعزع ثقة رجل الشارع في الأمن لوصول الجماعات الإسلامية إلى القوات المسلحة. وكما يذكر الكتاب، فقد بدأ التفكير في محاولة الاغتيال أثناء فرض الحظر الجوي على ليبيا، حيث كان من المعتاد أن تهبط كل الطائرات المتجهة إلى ليبيا بمطار "سيدي براني" ويتم بعد ذلك عبور الحدود المصرية برياً، عن طريق منفذ السلوم البري، وكان من المعتاد في شهر يناير من كل عام أن يقوم مبارك بزيارة إلى ليبيا.
كانت نقطة الصفر عند محطة الكهرباء بالمطار عن طريق وضع 12 عبوة متفرة بعناية فائقة، إلى جانب وضع قوالب متفجرات من نوع T . N . T داخل تانكات من السولار مقدارها 60 ألف لتر للإجهاز على رأس النظام مباشرة.
لكن تم اكتشاف التنظيم بمعرفة مباحث امن الدولة بالصدفة، عندما تم القبض على مدحت الطحاوي الضابط الاحتياطي، وبمراقبة تليفونه تم التوصل إلى باقي أعضاء المجموعة. وقد تم إعدام الطحاوي رمياً بالرصاص في التبة بمنطقة "الهايكستب" في 14 فبراير 1994.
يعرض الكتاب أيضاً لمحاولة اغتيال مبارك في اديس أبابا عام 1995، حيث أعلنت الجماعة الإسلامية مسئوليتها عن تنفيذ المحاولة، بسبب تقييد حرية الصحافة وتضييق مساحة الديمقراطية ومخالفة القوانين المعمول بها لأحكام الدين.
كذلك ذكر الكتاب في هذا الجزء محاولة اغتيال مبارك في بور سعيد، في العام التالي لوجود حبيب العادلي في وزارة الداخلية، فعندما مر موكب مبارك لأمام مستشفى مبرة فوزية اندفع أحد المواطنين تجاه عربة الرئيس، وعلى الفور انطلقت رصاصات حرس الرئيس لترديه قتيلاً.
وأعلن النائب العام أن الجاني يعاني من اضطراب نفسي، وأنه يعاني من فصام عقلي مصحوب باضطراب وجداني على نحو يفقده الإدراك والتمييز.
في ديسمبر 2005 اعتقل المواطن محمد عيد دبوس بتهمة محاولة اغتيال الرئيس مبارك، والتجسس لصالح إيران.
حبيب العادلي يختتم الكتاب بجزء عن وزراء داخلية مصر، نتوقف عند اللواء حبيب العادلي الذي يقضي عقوبة الحبس بعد ثورة يناير، ويتضمن الكتاب معلومات عنه تفيد بانه جاء إلى الحكم أعقاب إقالة الواء حسن الألفي من الوزارة نوفمبر 1997، وهو ينتمي لمدرسة أمن الدولة، حيث يطيع تعليمات رؤسائه جيداً، ولا يجادل، ويمتثل تماماًً للأوامر التي يتلقاها.
في 5 فبراير 1996 اختاره اللواء حسن الألفي وزير الداخلية مديراً لجهاز أمن الدولة بعد اشتعال المواجهات بين الدولة والجماعات المسلحة.
في منصبه الجديد وضع العادلي عدة خطط لتأمين كبار الشخصيات في الدولة، ومن بينهم حسن الألفي وزير الداخلية، وخلال تلك الفترة تعرض الألفي لمحاولة اغتيال فاشلة.
ولأن الخطط الفاشلة في مصر كما يشير الكتاب لا يعاقب أصحابها، ولا يتم إبعادهم فقد كلف حبيب العادلي بوضع خطط تأمينية لتامين الشخصيات المهمة، ومنهم عاطف صدقي رئيس الوزراء الذي تعرض أيضاً لمحاولة اغتيال.
عندما كان العادلي مديراً لأمن القاهرة، كان اهتمامه الأمني منصباً على تحصين السجون ورفع كفاءتها، وعندما أصبح رئيس جهاز أمن الدولة تطورت الفكرة لديه فظهر سجن العقري، والوادي الجديدومجمع سجون وادي النطرون.
ويشير الكتاب إلى أن العادلي حين كان مديراً لأمن القاهرة لم يكن يحسن الحديث إعلامياً، فمثلاُ في انتخابات مجلس الشعب عام 1995 قال: "..وتمكنت مديرية أمن القاهرة من ضبط سيارة محملة بكميات من الزلط والأسمنت لاستخدامها في إفساد اعملية الانتخابية من جانب العناصر المناهضة"!.
ولم يكن اداؤه الأمني مرضياً لحسن الألفي وزير الداخلية، ومن ثم لم يستمر طويلاً في منصبه، وتم تعيين العادلي مساعداً لوزير الداخلية للمنطقة المركزية، وهي وظيفة كما يصفها الكتاب تعد ممراً رئيسياً يؤدي للتقاعد. ويرصد الكتاب العلاقة بين الرجل القوي رئيس جهاز أمن الدولة اللواء أحمد العادلي - وهو ليس قريباً لحبيب العادلي لكنه تشابه أسماء - والرئيس مبارك فقد استطاع العادلي تحقيق انجازات رائعة، الأمر الذي نشأ عنه ثقة مبارك به، وكانت تلك العلاقة مثار حنق وزير الداخلية آنذاك حسن الألفي، الذي حاول إبعاد العادلي عن موقعه ونجح بالفعل، حيث سلم الألفي تقريراً إلى مبارك مرفق به تسجيلات قام بها أحمد العادلي بالتنصت عليه وعلى أسرته، وكان الأمر فضيحة، فمن ذا الذي يجرؤ على التنصت على رئيس الجمهورية؟.
وفي صباح اليوم التالي طلبت القيادة السياسية من الوزير التخلص من احمد العادلي، وبالفعل نفذ الوزير، وعين حبيب العادلي مديراً لأمن الدولة.
ويشير الكتاب إلى ان أقصى ما كان يطمح إليه حبيب العادلي أن يقوم وزير الداخلية حسن الألفي بتعيينه بعد ذلك مستشاراً للإعلام الأمني بمجلس وزراء الداخلية العرب، بعد إحالته للمعاش وهو منصب مدني لكنه مريح ومربح في آن واحد.
وما إن وقع حادث الأقصر حتى أعلن حبيب العادلي على الفور منتهزاً غضب القيادة السياسية أنه قد حذر اللواء حسن الألفي من وقوع الحادث، واستطاع عن طريق وصديقه المستشار طعت حماد الوزير القوي والمقرب من رئيس الوراء كمال الجنزوري الوصول للوزارة، ليبدأ العادلي في ممارسة دوره كوزير لأخطر وزارة في مصر، انتهت به إلى السجن!.