بدأت الحكومة المصرية في العمل على تطبيق نظام الكوبونات الذكية لتوزيع البنزين والغاز وربما السولار لمواجهة أزمة الوقود الحادة التي تعصف بالمواطنين، حيث ألقت الأزمة بعواقبها الوخيمة وانعكس أثرها على المواطن البسيط، الذي يدفع ضريبة إقدام السائقين على رفع تعريفة الركوب، فضلاً عن تأخيره عن القيام بمصالحه بسبب تعطيل حركة السير طوال الوقت. ولا تنعكس أزمة السولار والبنزين في مصر على قطاع النقل فقط، ولكن تتأثر أيضاً شركات النقل الجماعي وأصحاب السيارات (الأجرة والتاكسي) المستخدمة للسولار والبنزين.
وليس هذا القطاع فحسب؛ بل وتتأثر معظم القطاعات من تلك الأزمة، فعلى سبيل المثال يؤدي اعتماد الماكينة الزراعية - التي يستخدمها الفلاح المصري في الزراعة - على السولار إلى التأثير على قطاع الزراعة، مما أدى إلى العديد من التساؤلات حول سبب الأزمة ومدى إمكانية التوصل إلى حلول حقيقية لمواجهة أزمات السولار بشكل خاص، والمواد البترولية بشكل عام.
أسباب ومشاكل تباينت آراء المواطنين حول الأسباب الحقيقية لأزمة نقص السولار، فهناك فريق يرى أن أزمة ''الغاز'' و''السولار'' تعود إلى نمط إعادة توزيع الوقود نافياً كونها في المنتج نفسه، وهو ما أشار إليه وزير البترول السابق عبد الله غراب حين أكد أن مصر تستهلك ''34'' ألف طن يومياً من السولار، في حين تنتج ''22'' ألف طن، أي أن مصر تستورد 12 ألف طن من السولار يومياً.
بينما أكد المهندس أسامة كمال وزير البترول ، أن التكدس الحالي أمام محطات الوقود للحصول على السولار لا يعود لنقص كميات السولار؛ بل إلى وجود مشاكل في توزيعه، مبيناً أنه يتم ضخ 35 ألف طن سولار يومياً تبلغ قيمتها 35 مليون دولار أمريكي، ويتم بيعها بقيمة لا تتعدى 26 مليون جنيه مصري، وهذه الكميات أكثر من الاحتياجات الفعلية للسولار.
وهناك من أرجع الأزمة إلى تصدير الغاز لإسرائيل، ويرى أن إلغاء تصديره سيوفر لمصر 100 مليار جنيه، ويعد هذا أحد الأسباب لقيام الثورة المصرية، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الثورة المضادة السبب الرئيس وراء كل هذه الأزمات المتلاحقة.
وأوضح جودة عبد الخالق (حينما كان وزيراً للتموين) أن الأزمة في المواد البترولية تعود إلى التهريب من الداخل للخارج ومن الداخل للداخل بهدف زعزعة الاستقرار في الشارع المصري وإرباك القيادات حتى لا يكتمل حلم تحقيق الثورة، مشيراً إلى أن فلول النظام السابق التي تمتلك العديد من مراكز التوزيع لا يمكن إغفال دورها في تصاعد هذه الأزمة.
وهناك من فسرها بأنها تعود إلى تراجع النقد الأجنبي، ومن ثم صعوبة توفير كامل الاحتياجات اليومية من المواد البترولية، مؤكداً أن سوء منظومة العمل بالبترول وعدم صحة إدارتها، من الأسباب الرئيسية التي أسهمت في تصاعد الأزمة، وأشار عضو شعبة المواد البترولية بغرفة تجارة القاهرة الدكتور سعد محمد إلى أن تأجيل قرض بنكي الأهلي ومصر للهيئة العامة للبترول قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة أيضاً.
وأشار خبراء الاقتصاد إلى أن ظهور أزمة السولار مرة أخرى في مصر بعد تولي الرئيس مرسي يرجع إلى تردد الحكومة المصرية الآن في إصدار قرار رفع الدعم عن السولار وتخوفها من موجة جديدة من الاحتجاجات عقب صدور هذا القرار، وغياب الرقابة الفعالة على توريد السلع البترولية إلى محطات الوقود بالإضافة إلى غياب الرقابة على الاستهلاك أيضاً.
بينما أكد آخرون أن أزمة السولار المنتشرة حالياً في مصر يقف وراءها أسباب سياسية، تتمثل في التمهيد من قبل الحكومة لرفع الدعم عن السولار، فأكد الدكتور هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أن عجز الإدارة وعدم السيطرة على بعض القضايا المحورية في الدولة يقف وراء الأزمات البترولية في مصر، وأن وعود القيادة السياسية في مصر بحل بعض الأزمات، وعلى رأسها أزمة الوقود في مصر في موعد أقصاه مائة يوم، كان متسرعاً للغاية ولم تراع هذه الوعود الظروف التي تمر بها البلاد .
في حين أكد الدكتور إبراهيم زهران خبير البترول الدولي أن أزمة السولار في مصر مصطنعة لصالح بعض المنتفعين في وزارة البترول، وهم يقفون وراء عدم استيراد الدولة للزيت الخام وشرائه كمنتج بسعر عال ليتحكموا في السوق السوداء للمواد البترولية.
وأوضح أن الحكومة تتعامل مع أزمة السولار التي اندلعت منذ عامين بطريقة حل اليوم الواحد وهو ما يسبب الطوابير المحتشدة أمام محطات البنزين، لافتاً إلى وجود معامل تكرير في مصر تعمل بطاقة أقل من 50 % لعدم وجود زيت خام،متسائلاً لماذا لا نستورد الزيت ونكرره في مصر ونبيعه كمنتج مادامت لدينا معامل التكرير بدلاً من شرائه كمنتج بأغلى الأثمان؟!
تداعيات وسلبيات: وصلت تداعيات أزمة الوقود إلى كل مناحي الحياة الاقتصادية في مصر، حيث أثرت على القطاع الزراعي، وساهمت في تأخر صرف المقررات السمادية للمزارعين، مما يؤثر بالسلب على إنتاجية الفدان وجودة المحاصيل، نتيجة عدم قدرة المزارعين على ري أراضيهم بسبب توقف ماكينات الري عن العمل لنقص السولار، خاصة في ظل عدم توافر وسائل بديلة للري.
كما تأثر أيضاً قطاع النقل، وهو ما يتضح من خلال طوابير السيارات وتكدسها، ومن ثم تدهور الحركة المرورية، وارتفاع الأسعار، فضلاً عن تعطل وسائل المواصلات بشتى أنواعها بسبب تزايد الطوابير أمام المحطات، مما يعوق أداء المواطنين لأعمالهم اليومية.
موقف الحكومة: نظراً لتفاقم الأزمة، أعدت وزارة البترول خططاً عاجلة ومتوسطة وطويلة الأجل لمواجهتها، تقوم هذه الخطة العاجلة على استبعاد المحطات التي تتلاعب في توزيع السولار وتوجيه حصصها لمحطات أخرى، واستبعاد المحطات المتواجدة في شوارع ضيقة منعاً للتكدس المروري.
وذكر وزير البترول والثروة المعدنية المهندس أسامة كمال أن الخطة متوسطة الأجل تتضمن توزيع السولار بالكروت الذكية، كي يتمكن المستفيدون من الحصول على احتياجاتهم الفعلية بالسعر الحالي، ومن المقرر تنفيذ تلك الخطة خلال فترة تتراوح مابين 3 إلى 6 أشهر، أما الخطة طويلة الأجل فتشمل رفع الدعم عن المنتجات البترولية في مقابل زيادة المرتبات بحيث يتم بيع المنتجات البترولية بسعرها الحقيقي وسيتم تنفيذ تلك الخطة خلال فترة تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات.
في حين أشار وزير البترول إلى أن تجربة بيع أسطوانات البوتاجاز بالكوبونات، تجربة ناجحة وجيدة، موضحاً أن هيئة البترول على استعداد تام لتوفير احتياجات مختلف المصانع ومزارع الدجاج وغيرها من السولار بشرط أن تتعاون الجهات جميعاً مع بعضها البعض.
وهناك أيضاً خطة استثمارية لإنشاء معامل تكرير بترول جديدة وتطوير الموجود حالياً بقيمة 18 مليار دولار وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
الحلول والاقتراحات: وهناك مجموعة من الاقتراحات لحل الأزمة تمثلت في استخدام جميع وسائل المواصلات للغاز الطبيعي بدلاً من السولار لترشيد الاستهلاك،واستخدام السكة الحديد للكهرباء؛ كي يزيد الاعتماد على الغاز والاستفادة منه بدلاً من تصديره دون مقابل للخارج، وهو ما يمكن من خلاله توفير أكثر من 8 ملايين طن من السولار حسبما أشار كثيرون.
في حين أكد حامد عبد الكريم، الخبير في قطاع البترول، أن حل الأزمة والتي تتكرر كل عام تكمن في زيادة المخزون الإستراتيجي من المواد البترولية، والعمل على ضخ الاستثمارات البترولية، بالإضافة إلى البحث عن مصادر زيادة الموارد بشكلٍّ سريع من خلال الاستثمار بمناطق إنتاج في الدول المحيطة، وزيادة حصة الشركات القائمة بالفعل، وتعديل الاتفاقيات الخاصة بتصدير الغاز حتى يعود بمردود أكبر مما هو عليه الآن.
وهناك العديد من الأفكار والدراسات التي تَقَدَّم بها الخبراء في هذا المجال؛ لتحقيق أعلى نسبة من الاستفادة من مصادر الطاقة بأقل الإمكانات، من بينها تطوير النقل النهري لرفع استغلاله من 0.5% إلى 5%؛ ليوفر أكثر من 2 مليون طن سولار في السنة، ويحتاج هذا التطوير 900 مليون جنيه، ولذلك يعتبر النقل النهري من أكثر المصادر الموفرة للطاقة خلال الفترة القادمة.
الجدير بالذكر أن الأزمة ليست وليدة اليوم بل هي نتاج تاريخ طويل من الحكومات السابقة التي فشلت في مواجهتها والقضاء عليها، وهو ما نتحمله اليوم في ظل فشل محتمل من قبل الحكومة الحالية التي ربما تسير على نفس النهج والمنوال.