تحل ذكرى مذبحة مدينة "حلبجة" الكردية الخامسة والعشرون، ممزوجة بالآلام والحزن، فما زال العديد من سكان "حلبجة" يعانون من تأثيرات الغازات السامة التي تعرضوا لها في ذلك اليوم ، الذي يعد أسوأ هجوم كيماوي يشن على مدنيين في التاريخ. وشارك المئات في حفل مهيب أقيم في مدينة حلبجة العراقية الكردية القريبة من الحدود مع إيران لإحياء الذكرى السنوية 25 لضرب المدينة بالأسلحة الكيماوية.
فقد تجمع العديد من سكان المدينة حول "نصب الشهيد" الذي أقيم فيها تخليدا لذكرى أكثر من خمسة آلاف من أهلها الذين قتلوا عندما ضرب النظام العراقي السابق المدينة بالأسلحة الكيماوية، بينما رفع آخرون صور الضحايا ومعظمهم من النساء والأطفال.
وكانت الطائرات العراقية قد قصفت في 16 مارس من عام 1988 - أثناء الحرب العراقية الإيرانية - حلبجة بالقنابل والصواريخ المزودة بمزيج من غاز الخردل وغيرها من الغازات السامة، وذلك بعد أن انسحبت القوات العراقية منها.
وقالت الحكومة في حينه إنها كانت تحاول طرد القوات الإيرانية التي تسللت إلى المدينة، بينما يقول الأكراد إن قوات البيشمركه الكردية هي التي استولت عليها وان القوات العراقية استخدمت السلاح الكيماوي في محاولة لطردهم منها.
وعلى جانب أخر أحيا البرلمان الألماني "بوندستاغ" مساء الخميس 14 مارس2013 ذكرى ضحايا الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة الكردية.
إبادة واعتذار وأعرب البرلمان الألماني عن "عميق أسفه لوقوع تلك الجريمة في حلبجة، والتي استخدم فيها غازات سامة صنعتها شركات ألمانية ووردتها إلى العراق بطرق غير شرعية"، وطالب البرلمان الحكومة الألمانية بالتمسك بدعمها للمتضررين من هذه الهجوم. وفي كردستان العراق وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "حملة الأنفال" ضد الأكراد بأنها كانت "إحدى أبشع جرائم" النظام السابق برئاسة صدام حسين.
وقال في بيان على هامش "المؤتمر الدولي حول جرائم الإبادة بحق الأكراد" في اربيل عاصمة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، إن "استهداف مدينة حلبجة وأهلها الأبرياء بالأسلحة الكيميائية أضاف صفحة سوداء أخرى إلى السجل الإجرامي للنظام الدكتاتوري السابق ارتكب أبشع الجرائم ضد الإنسانية".
من جانبه قال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، في افتتاح مؤتمر حول عمليات الأنفال في اربيل، أن الأكراد "لن يواجهوا مصيرا مشابها مرة أخرى"، مشددا في الوقت ذاته على أهمية التسامح كبديل للكراهية".
وقُتل من سكان البلدة فورا 3200-5000 وأصيب منهم 7000-10000 كان أغلبهم مدنيين، وقد مات ألاف من سكان البلدة في السنة التي تلت من المضاعفات الصحية والأمراض والعيوب الخلقية. وكانت الهجمة، التي تعرّف أحيانا ب (الإبادة جماعية)، أكبر هجمة كيماوية وُجّهت ضد سكان مدنيين من عراق واحد وهم الاكراد حتى اليوم، وهو أمر يتفق مع وصف الإبادة الجماعية في القانون الدولي التي يجب أن تكون موجهة ضد جماعة أو عرق بعينه بقصد الانتقام أو العقوبة.
وبدأ الهجوم "والذي استغرق خمس ساعات" في وقت مبكر مساء يوم 16 مارس 1988، عقب وقوع سلسلة من الهجمات التقليدية العشوائية "صواريخ وقنابل النابالم"، عندما بدأت طائرات الميج والميراج إسقاط القنابل الكيميائية على المناطق السكنية في حلبجة، بعيداً عن الجيش العراقي المحاصر في ضواحي المدينة. وفقا لقادة التمرد الكردي الإقليمي، قامت الطائرة العراقية بالتفجيرات خلال ما يصل إلى 14 طلعة جوية مسلحة من سبع إلى ثماني طائرات، كما شوهدت المروحيات لتنسيق العملية.
واخذ الصحفيون الإيرانيون الصور الأولى بعد الهجوم ونشروا الصور في الصحف الإيرانية، تم أيضا عرض فيلم فيديو في جميع أنحاء العالم عن طريق البرامج الإخبارية يصور الفظاعة.
اتهامات متبادلة وفي الأيام الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية، حيث كانت مدينة حلبجة محتلة من قبل الجيش الإيراني، وعندما تقدم إليها الجيش العراقي تراجع الإيرانيون إلى الخلف ، قام الجيش العراقي قبل دخولها بقصفها بغاز السيانيد. وادعى العراق أن الهجوم قامت به القوات الإيرانية على السكان الأكراد ببلدة حلبجة الكردية.
وقامت القوات بالهجوم الكيميائي في آخر أيام حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، من 16-17 مارس 1988. وتبادلت الاتهامات بين الطرفين العراقي والإيراني وتوصلت تحقيقات عن مجزرة حلبجة قام بها الدكتور جان باسكال زاندرز رئيس مشروع للأسلحة الكيميائية ومشروع الحرب البيولوجية في المعهد الدولي لبحوث السلام ستوكهولم في عام 2007 أن العراق كان الجاني، وليس إيران.
في المقابل أفادت دراسة أولية لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية "ديا DIA" في ذلك الوقت أن إيران هي المسئولة عن الهجوم، والتي استخدمتها في وقت لاحق "وكالة المخابرات المركزية" من أوائل التسعينات.
والمحلل السياسي رفيع المستوى لوكالة المخابرات المركزية للحرب بين إيران والعراق ستيفن جيم بلتيير، أليف بعض المعارضين للجزاءات ضد العراق يستشهد بتقرير DIA لدعم موقفها بأن العراق لم يكن مسؤولاً عن الهجوم الذي وقع في حلبجة.
محاكمات وفي 23 ديسمبر 2005، حكمت محكمة هولندية فرانس فان Frans van Anraat على رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيميائية في السوق العالمية وقام ببيعها لنظام صدام حسين بالسجن 15 عاماً.
وحكمت المحكمة الهولندية أن صدام ارتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب حلبجة ، وكانت هذه المرة الأولى التي تصف محكمة هجوم حلبجة كفعل من أفعال الإبادة الجماعية. وفي 12 مارس 2008، أعلنت حكومة العراق الخطط الرامية إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات القانونية ضد الموردين للمواد الكيميائية المستخدمة في هجوم بغاز سام.
واتهمت المحكمة العراقية الخاصة صدام حسين وابن عمه على حسن المجيد "الذي قاد العراقي قوات في شمال العراق في تلك الفترة والتي أكسبته اسم مستعار وهو "على كيماوي"، بجرائم ضد الإنسانية المتصلة بالأحداث التي وقعت في حلبجة ، وقام المدعي العام العراقي بتقديم أكثر من 500 وثيقة من الجرائم خلال نظام صدام حسين" أثناء المحاكمة .
وقال صدام حسين في 18 ديسمبر 2006، للمحكمة: إذا ادعى أي المسئول العسكري أو المدني أن صدام حسين أصدر أوامر باستخدام الذخيرة التقليدية أو الخاصة، التي المواد الكيميائية، كما هو موضح فيما يتعلق بإيران، سوف اتحمل المسئولية بشرف، ولكن سوف أناقش أي عمل يرتكب ضد شعبنا واي مواطن عراقي، سواء العربية أو الكردية، لا أقبل أي إهانة لبلدي.
وحكم أولاً على حسن المجيد شنق في عام 2007 لدورة في حملة عسكرية عام 1988 ضد الأكراد، التي يطلق عليها اسم "عملية الأنفال"، في عام 2008 أيضا مرتين تلقي حكما بالإعدام على جرائمه ضد " العراقيين في جنوب العراق "، ولا سيما لدورة في سحق الانتفاضة عام 1991 في جنوب العراق ومشاركته في أعمال القتل عام 1999 في منطقة مدينة الثورة (الصدر حاليا) ببغداد، تم إعدامه يوم 25 يناير 2010
ولم يدن صدام حسين في هذه القضية, حيث أن صدام حسين كان قد اعدم شنقا في ديسمبر 2006 بعد أن حكم عليه بالإعدام استناداً إلى مذبحة الدجيل في عام 1982.