لم يعد العنف ضد المرأة يرتبط بدولة بعينها أو بمجتمع دون آخر ففي العديد من البلدان تتعرض ملايين النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم للاعتداء، والضرب، والاغتصاب ، والتشويه بل وحتى للقتل فيما يشكل انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان ، حيث وصل العنف ضد المرأة المنتشر بشكل كبير إلى مختلف المجتمعات ، على الرغم من الدعاوي المستمرة لتمكين المرأة من حقوقها المختلفة . والعنف ضد المرأة هو مصطلح يستخدم بشكل عام للإشارة إلى أي أفعال عنيفة تمارس بشكل متعمد أو بشكل استثنائي تجاه النساء.
ويعد العنف ضد المرأة امتهانا للكرامة الإنسانية وخروجا وخرقا لكل المواثيق الدولية والشرائع السماوية، فهو هدر لحقوق الإنسان التي ضمنتها الكثير من الشرائع والسنن، ودافع عنها الإنسان وضمنها في مدوناته القانونية ،الا ان هناك بعض الظروف السياسية والاجتماعية والسياسية أفرزت بعض العوامل التي صعدت من وتيرة العنف بشكل العام لاسيما العنف الموجه ضد المرأة ، رغم سعي المرأة وجهادها ووقوفها إلى جانب الرجل وحاجة المجتمع إلى دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويظهر العنف ضد المرأة في مختلف قطاعات المجتمع بغض النظر عن الطبقة والدين والثقافة أو البلد وتخلفه وتقدمه، وكثيرا ما تتنوع دوافع العنف ولا يمنع حدوثه تقدم البلد أو انخفاض نموه أو كون المجتمع من المجتمعات المتحضرة أو المتخلفة.
آلاف الحالات بتركيا ففي اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف غدا الجمعة الموافق 8 مارس ، سُجّلت نحو 9 آلاف حالة عنف ضد المرأة في تركيا منذ بداية العام الجاري ، حيث بلغ عدد عمليات تدخل شرطة حماية النساء، في مواجهة العنف ضد المرأة، في عموم تركيا، 8 آلاف، و908 عمليات.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء عن وزارة العائلة والسياسات الإجتماعية، أن مدينة أضنة شهدت العدد الأكبر من حالات التدخل، حيث بلغت ألفين، و315 حالة، بينما شهدت مدينة إزمير ألف و 372، فيما شهدت مدينة قيساري ألف و 350 حالة تدخل.
وأشارت الوزارة إلى أن مجموع العمليات وقعت منذ بداية العام، وحتى نهاية شباط / فبراير الماضي، مشيرةً إلى اتخاذ الشرطة 64 ألف، و136 قرار وقائياً، في نطاق قانون حماية الأسرة، ومنع العنف ضد المرأة.
ووفقاً للقانون التركي، لا يحق لقوات الأمن إهمال شكاوى النساء اللواتي يصرحن عن تعرّضهن للعنف المنزلي. وتفشي هذه الظاهرة دفعت مجلس أوروبا للعمل على سن القوانين والتشريعات التي تحول دون تعرض المرأة للعنف.
ويرى العديد من المدافعين عن حقوق المرأة أنّ القانون يحفظ حق المرأة بعدم التعرض للعنف، إلا أن المشكلة تبقى في أنّ وعي السلطات لهذا الأمر لا يزال ضعيفاً، وهو ما يترجم بأنّ السلطات تتغاضى عن ملاحقة الاعتداءات أحياناً.
وللتغلب على هذه المشكلة، سعت تركيا خلال الأعوام إلى إقامة مراكز تدريب وتوعية لقوات الشرطة والقضاة والمدعين العامين وأئمة المساجد، وذلك بمساعدة صندوق الأممالمتحدة للسكان.
وشهد العام الماضي توقيع بروتوكول بين وزارة الشئون العائلية و"مديرية الشؤون الدينية" بهدف تدريب الأئمة وتوعيتهم على الاشكاليات التي يطرحها موضوع العنف الأسري. ومنذ 2008، تُبذَل الكثير من الجهود لإشراك موظّفي المديرية في كل أنشطة جمعيات حقوق المرأة. وقد عملت المديرية في الأعوام الثلاثة الماضية على العديد من العناوين، من بينها المساواة بين الجنسين، وتعريف العنف والتقاليد ومقاربة الاسلام لهذه القضايا.
حالة وفاة يومياً
وفي أغسطس 2011 كتبت فاطمة كايابال في صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن استفحال ظاهرة العنف ضد المرأة في تركيا حيث تموت امرأة واحدة يوميا فيما يدعو "المفتي العام" لطفي شنوجاك أن تلجأ المرأة المعنفة للأئمّة "كي يساعدوها ويتوسطوا لإصلاح ذات البين"، بدل دعوتهنّ إلى اللجوء للشرطة. وتلفت إلى جانب مظلم وهام لا ينال حقه في التغطية الإعلامية، وتقتصر العناوين الساخنة للحياة السياسية التركية على الموقف من سوريا وجدلية علاقة العسكر بالسلطة المدنية وفضائح الجيش وأنباء الاقتصاد والعضوية في الاتحاد الأوروبي، رغم أن مسألةً كتعنيف المرأة يجب أن تحتل سلم الأولويات.
وتركيا مشغولة منذ فترة ليست قصيرة بقضية اجتماعية مشتركة مع معظم دول العالم، وهي تعنيف النساء، لكنها تعرف إحدى أعلى النسب في هذا المجال، بما أن امرأة تركية واحدة على الأقل تموت يومياً بسبب العنف الأسري.
حجرة عثرة وفي 2006 قال مبعوث المفوضية الأوروبية في انقرة انه يتعين على تركيا بذل المزيد لمكافحة العنف ضد المرأة، في إطار سعيها للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
ويقول "مركز نساء ديار بكر للتعليم والاستشارة" ان نحو 58% من النساء جنوب شرقي تركيا يتعرضن الى العنف المنزلي. وفي الآونة الاخيرة، أطلق شاب النار على شقيقته في اطار "جريمة شرف". وقال مبعوث المفوضية هانز خورج كريتشمر في ندوة حول هذا الموضوع: "مما يبعث على القلق ان الرجال والنساء على السواء يعتبرون احياناً العنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية عادية". وبدأت تركيا مباحثات الانضمام مع الاتحاد الاوروبي في اكتوبر / تشرين الاول 2005 ، لكن يتوقع ان تستمر المفاوضات عشرة اعوام على الأقل. وانتقد الاتحاد الأوروبي تركيا مرارا في مسائل حقوق الإنسان.
دعم الجهود إلا انه في فبراير الماضي أشادت المفوضية الأوروبية بما أحرزته تركيا من تقدم فى مجال حماية المرأة وإقرار حقوقها، مؤكدة ضرورة استمرار أنقرة فى العمل على مزيد من الإصلاحات التشريعية الخاصة بحقوق النساء والإنسان بشكل عام.
وشدد المفوض الأوروبى المكلف شئون التوسيع ستيفان فول - فى أعقاب اللقاء الذى جمعه فى بروكسل مع وزيرة حماية الأسرة والشئون الاجتماعية فى تركيا فاطمة شاهين - على أن المفوضية تولى أهمية كبيرة لحقوق النساء والمساواة بين الجنسين فى داخل الدول الأعضاء فى الاتحاد وكذلك فى الدول المرشحة للانضمام إليه.
وعبر عن دعم كل الجهود المبذولة فى تركيا لتحسين وضع حقوق المرأة، مثنيا على العمل الذى أدى إلى سن قانونين لحماية الأسرة ومحاربة العنف ضد النساء، واعتبر "أن العنف ضد النساء هو شر يجب القضاء عليه".
وطالب المسئولين الأتراك بالعمل على تحسين الشروط التى تسمح للمرأة التركية بالحصول على فرص أفضل فى التعليم وفى العمل، مشددا على ضرورة التركيز على تحسين نسب التمثيل السياسى للنساء فى تركيا.
يذكر أن الاتحاد الأوروبى لا يزال يطالب تركيا بإجراء المزيد من الإصلاحات القضائية والاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات العرقية والدينية والنساء والأطفال، وذلك لحثها على تحقيق مزيد من التقدم على طريق تلبية الشروط الضرورية لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبى، خاصة وأن المفاوضات بين الطرفين التى انطلقت بهذا الشأن عام 2005 لا تزال متعثرة بسبب ما تعتبره بروكسل تقاعسا من طرف أنقرة عن توفيق تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب والمعايير الأوروبية المعمول بها فى دول التكتل الموحد.
لا للعنف وفي مبادرة مهمّة وإنسانية ، شاركت مجموعة من نجمات تركيا بحملة "لا للعنف ضد المرأة " بيرجوزار كوريل بطلة ويبقى الحب و نور فاتح اوغلو بطلة حريم السلطان بدور السلطانة ناهد دوران بالإضافة إلى النجمة سونغول اودان المعروفة بنور في مسلسل "نور" و الممثلة القديرة هوليا افشار. والهدف من هذه الحملة حماية المرأة من الضرب والعنف المنزلي والقتل وبالتالي حماية الأسرة من التفكك . وقامت النجمات بجلسة تصوير مخصصة للحملة ، حيث تمّ إجراء ماكياج لهن وبَدَون معنّفات ووجوههن مليئة بالجروح والكدمات .
وبدت النجمات معنّفات ومعذّبات في الصور، إذ التقطت صورهن بماكياج مسرحي مع خدوش وأورام وضربات على الوجه، لتبيان نماذج حيّة من النساء في المجتمع العالمي تعرّضن لهذا النوع من العنف وأكثر.
وعلى أنغام الموسيقى التي دوت في الشوارع والساحات والحدائق العامة في جميع أنحاء العالم رقص الملايين في حملة "وان بيليون رايزينغ"، تعبيراً عن رفضهم لأعمال العنف المعنوي والجسدي ضد المرأة. هذه المبادرة تأتي اثر دعوة الناشطة الأمريكية إيفا إنسلر لمقاومة اشكال تعنيف المراة في كل مكان ، وفي تركيا قامت برلمانيات بمقاطعة أعمالهنّ للمشاركة في هذه الحملة ورقصن تعبيراً عن رفضهنّ لأعمال العنف المعنوي والجسدي ضد المرأة التركية، المشهد نفسه تكرر في استراليا والبانيا وبروكسل .
وتأتي حملة "وان بيليون رايزينغ" او "مليار صوت عال" مستوحاة من إحصاءات تشير إلى أن مليار امرأة في العالم يتعرّضن للتعذيب.
"صفر تسامح" من جانبها قالت وزيرة العائلة والسياسات الاجتماعية التركية، فاطمة شاهين :"إن الإجراءات التي تتبعها تركيا، منذ الثمانينات، لمواجهة العنف ضد المرأة، اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة، ورفعت الحكومة التركية شعار "صفر تسامح"، مع العنف ضد المرأة".
وأضافت شاهين، في حديثها مساء أول أمس، أمام اجتماع لجنة وضع المرأة في الأممالمتحدة، الذي يعقد تحت شعار "وقف العنف ضد المرأة"، أن تركيا أقرت الإطار القانوني المناسب لمكافحة العنف ضد المرأة، ولإرساء المساواة بين الرجل والمرأة.
وأشارت الوزيرة إلى إقرار قانون تركي لحماية الأسرة ومكافحة العنف ضد المرأة، استنادا على مبادئ "الاتفاقية الأوروبية لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري"، التي تعرف باتفاقية إسطنبول، وجرى توقيعها في 11 مايو / آيار 2011، وقام البرلمان التركي بالتصديق عليها في 24 نوفمبر / تشرين الثاني من نفس العام.
وأكدت شاهين على استمرار تركيا في تقوية هذا الإطار القانوني، ونقل إجراءات مكافحة العنف ضد المرأة إلى مستوى أكثر تقدما، والتماشي مع الإجراءات الدولية المتخذة في هذا المجال.
هذا ويطل علينا غدا الجمعة اليوم العالمي للمرأة للاحتفال بالإنجازات التي تحققت في تحقيق المساواة لدى النساء والفتيات وكذلك تسليط الضوء على الثغرات التي مازالت موجودة على الصعيد العالمي ، ومن هذه الثغرات سيكون بالتأكيد ملف العنف ضد المرأة الذي أصبح ظاهرة منتشرة في معظم البلدان .