انتشرت في أرجاء مصر ، أسطورة قديمة وهى (ياسين وبهية) وشاعت على ألسنة الجماهير أغنية : يا بهية خبريني ...عاللى قتل ياسين ، حتى باتت جزء من التراث الشعبي كسيرة أبى زيد الهلالي وأدهم الشرقاوي وحسن ونعيمة ، يتغنى بها شاعر الربابة في المقاهي الشعبية ، وفى حلقات السمر التي يقيمها الفلاحون في جرن القرية خلال أمسيات الصيف الندية ، وتتملكهم النشوة وهم يتابعون بطولات ياسين وأعماله الخارقة من أجل مقاومة الظلم ونصرة البؤساء ثم يخيم عليهم الحزن حين يفجعون بمصرعه . وظلت هذه الأسطورة عالقة في ذهن المصريين جيلا بعد جيل ، واستغلها المؤلفين فى تحقيق حلم الشعب فى ظهور البطل الأسطوري ، ولكن سيدهش ويصدم الكثيرين حينما يعلمون أن بطلهم ياسين ما هو إلا سفاح يحترف مهنة القتل ، ويتعيش من دماء الضحايا والأبرياء .
وقد نشر الحقيقة دكتور محمود دياب فى كتابه (أبطال الكفاح الإسلامي المعاصر) وجمال بدوى في كتابه "مصر من نافذة التاريخ" حيث أحداث المعركة التي دارت بين اللواء محمد صالح حرب وزير الحربية وبين ياسين ، حينما ذهب صالح حرب فى بداية حياته المهنية إلى وادي حلفا ضمن بعثة عسكرية لشراء سرب من الجمال للخدمة فى سلاح الهجانة ، وفى أثناء عودة الضابط الشاب سمع عن قصة ياسين ، أعنف وأجرأ مجرم مشى على أرض مصر فى زمنه ، فقد اتخذ القتل حرفة ، وكان يطرب حينما يسمع عن الهلع الذي يصيب الناس بمجرد سماع اسمه وامتد نشاطه الإجرامي على طول مديريتي قنا وأسوان ، وفشلت جميع الحملات التي أوفدتها الحكومة للقبض على ياسين حيا أو ميتا .
وبينما كان الضابط هناك وضعه القدر فى مواجهة ياسين ، فخطرت له فكرة جريئة ، فاستدار نحو قمة التل الذي يعلو فتحة المغارة وأسقط حبلا تتدل منه حزمة من البوص المشتعل وحملت الريح الدخان إلى فوهة المغارة وشعر ياسين بالإختناق ، فاضطر للخروج منها ، ودارت بينهما معركة طاحنة انتهت برصاصة فى قلب ياسين أنهت حياته ، وحينما علمت زوجته بالأمر اندفعت تزغرد بحماس ، وبالرغم من انتهاء حياته ، بقيت أسطورته فى وجدان الجماهير التي تبحث عن بطل يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا ، فإذا لم تجده فى الحقيقة ، صنعته فى الخيال .
فكتب الشاعر نجيب سرور مسرحية شعرية تحمل اسم "بهية وياسين" عرض فيها أعمال ياسين الخارقة من أجل مقاومة الظلم ونصرة البؤساء وتنتهي بمقتله على يد هجانه سودانية فتسود حالة حزن شديد بين المستمعين ومحبي ياسين .
وحاولت فرقة «فرسان الشرق للتراث» التابعة لدار الأوبرا المصرية السنة الماضية ، الإجابة عن سؤال " مين قتل ياسين " من خلال عرض راقص استمر على مدار ثلاث ليال، ولكنهم جسدوا دور ياسين بأنه رمز للشجاعة والشرف فهو (ابن البلد) الجدع، الذي يدافع عن أرضه من عدوان الباشا الأجنبي الذي أخذ أرض أبيه وتركه دون ميراث ودفع أباه إلى السجن إلى أن مات مقهورا ، قاتل ياسين أيضا من أجل الحفاظ على حبيبته بهية ، وينتظر اليوم الذي يتزوجها فيه ويحقق آماله وتستقر روحه في ظلالها ، ولا تخلو حياة ياسين من الصراع المستمر حول الأرض والشرف والحب الذي لا ينتهي ، وقد جزم العرض أن الباشا الإقطاعي المسيطر على الناحية هو من قتل ياسين .
ويقول الشاعر أحمد فؤاد نجم : أنا رحت القلعة و شفت ياسين حواليه العسكر و الزنازين و الشوم و البوم و كلاب الروم يا خسارة يا أزهار البساتين عيطي يا بهية على القوانين