تناولنا فى الجزء الأول تحليل مضمون حديث الرئيس محمد مرسى مع الإعلامى الدكتور عمرو الليثى من خلال الكلمات التى إستخدمها الرئيس فى حواره و مدلولات إستخداماته لها و تكرارها فى إشاره لمدى أهمية الإتجاهات السائدة فى الأجندة الإفتراضية للسيد الرئيس و الموضوعات ذات الإهتمام و التى وضح من خلالها مدى إهتمامه بتلافى بعض الإنتقادات التى وجهت له و التى كانت مسار ضغط عليه و على جماعة الإخوان المسلمين و ذلك بتغليب بعض الكلمات التى تشير الى إحساسه بالوطن و المواطن المصرى. و فى الحقيقة رغم أن الجزء الثانى من تحليل مضمون الحوار سيعتمد بشكل مباشر على ما سبق تناوله فى الجزء الأول إلا أن هناك بعض الملاحظات يجب أن أنوه عنها لتلافى أى إنتقاد قد يمس هذا التحليل و الذى أظن أنه سيكون مؤشرا هاما لمرحلة بالغة الأهمية فى بداية الجمهورية الثانية لمصرنا الغالية , و لعل أهم هذه الملاحظات مايلى:-
الملاحظة الأولى : يصعب التوصل لتحليل دقيق بما يعد مؤشرا حقيقيا لإتجاهات الرئيس و من حوله سواء من مستشارين أو مساعدين أو معاونيين خارجيين و ذلك بسبب تعرض الحديث لعملية مراجعة قبل عرضه على الشعب و بالتالى فقد تعرض لعمليات حزف لبعض الموضوعات و الردود و التى كان من الممكن أن تغير فى التحليل بصورة أو بأخرى .
الملاحظة الثانية : أن الربط بين مفردات ما ورد بالحديث و بعض الأحداث و الإجراءات و الفعاليات التى ستعقبه أمر بالغ الأهمية و قد يؤشر للأسباب الحقيقية و الأهداف الغير معلنة من إجراء هذا الحديث الحوارى فى هذا التوقيت.
الملاحظة الثالثة : إن تحليل المضمون يكون حياديا مبنيا على هيكل و موضوعات الحوار و مفرداته و ليس أداة نقد أو تأييد لأى ما ورد بحديث السيد الرئيس أو سياساته أو إتجاهاته, كما أنه لا يعتمد على ردود الأفعال الرسمية و الغير رسمية المحلية و الخارجية و لكن يجب أن يكون لدى الرئيس جهاز قادر على قياس ردود الأفعال و مؤشرات الرأى العام المحلى و العالمى لهذا الحوار حتى يتمكن من تحديد إتجاهاته و إتخاذ القرار المناسب أو تصحيح أى مسار أو إتجاه قد يكون له عواقب غير محموده خلال الفترة القادمة.
عودة الى تحليل المضمون , فقد بدا خلال الحوار أن السيد الرئيس مصرا على عدم تغيير الحكومة و مقتنعا تماما بأدائها و قد تمثل ذلك فى إعتراضه المباشر على وصفها بالحكومة الفاشلة فضلا عن الحيز الوقتى الذى تناول فيه الحديث و الدفاع عن أداء الحكومة الحالية ( ذكرت كلمة الحكومة / رئيس الوزراء 16 مرة خلال الحديث ).
وضح خلال الحديث أن الرئيس يعزى عدم الإستقرار الذى تشهده مصر الى الوضع الأمنى بصورة مباشرة متجاهلا أى علاقة للأوضاع الحاليه بالوضع السياسى أو الإقتصادى أو الإجتماعى, و نجاحه الى حد ما فى توضيح أن هذا الوضع سيستمر لفترة طويله و أن التظاهرات أصبحت أمر واقع ستعيشه مصر لفترة طويله نتيجة للحرية و الديمقراطية.
إهتم الرئيس بموضوع الإستقرار ( وردت كلمة الإستقرار 8 مرات ) و لكنه أشار الى أنه مطالب بالحسم و كان إتجاهه فى موضوع الحسم الى الحسم الأمنى فقط عندما أشار خلال حديثه بضرب من يعتدى و حسم المواقف و أن طبيعته هو شخصيا الحسم.
كانت هناك ردود مقتضبه و مباشرة و فعاله لبعض الأسئلة تشير الى أنه بدأ بالفعل التعامل كرجل دولة و ليس كقيادة حزبية و كان ذلك واضحا عندما ذكر المحاور موضوع وضع الأطراف الأخرى لشروط للحوار و الرد بأنه هو شخصه لم يضع شروط للحوار و بالتالى فلا يصح أن يضع أى طرف آخر لشروط لبدء الحوار.
كما كانت ردود السيد الرئيس مقنعه تماما عندما ذكر المحاور لفظ الحزب الحاكم فأوضح أنه لايوجد حتى الآن حزب حاكم و تم ربطها بصورة ديبلوماسية عندما ألقى المحاور بما يتوارد من إتهامات بأخونة المناصب و تعيين الكثير من رموز الإخوان المسلمين ببعض المناصب و محاولة الإستفسار عن مدى الإتجاه لأخونه القوات المسلحة و جهاز الشرطو و المخابرات العامه.
كانت الرسالة واضحة لكل من يظن أن بإمكانه إقصاء الرئيس من منصبه , و كان ذلك واضحا خلال الحوار أن هناك فرق بين كلمة إرحل كرأى و بينها كفوقف وشرعية و بينهما مسافة بعيده و أن كل ذلك يأتى فى إطار التنوع فى الرأى, فضلا عن تأكيده بصورة واضحة لفظيا و إيمائيا بالإشارة لأنه لن يترك منصبه تحت أى ضغوط عندما اشار الى أنها مسئولية برقبته و أشار الى رقبته.
تعامل الرئيس بشكل جيد مع سؤال المحاور عن موضوع تعيين نجل السيد الرئيس بأحد الوظائف , كما تعامل بشكل يشير الى تواضعه و ترفعه عندما أشار المحاور لتعجبه من عدم إنتقال الرئيس للإقامه بأحد القصور الرئاسية بدلا من المسكن المستأجر الذى يعيش فيه رغم أنه فى أغلب الظن أن المحاور قد تجاوز الحدود اللفظيه و الإيمائية التى أشار فيها الى سكن السيد الرئيس بأنه الشقه الإيجار التى يعرفها, فضلا عن موضوع السيارة القديمة التى لم يغيرها منذ تسعة سنوات, و لكن قد يفسر هذا الأداء على أنه معد عن عمد بالتنسيق مع السيد الرئيس.
تميز الرئيس خلال هذا الحوار عن الحوارات السابقة فى النقاط التالية :
أولا : بدا أكثر ثباتا و إتزانا عن الحوارات السابقة ( رغم أن الأحاديث الإعلاميه المسجلة و الممنتجه لا يمكن قياس مدى ثبات أطرافها بصورة دقيقة ).
ثانيا : إتزان لغة الجسم ( Body Language ) بصورة افضل من الحوارات السابقة.
ثالثا : عدم إستخدام السيد الرئيس لمصطلحات يصعب فهمها , كما لم يصدر عنه أى مصطلح بلغات أجنبيه متلافيا ما وجه له من إنتقادات سابقا.
رابعا : ديبلوماسية الردود على بعض الأسئلة المحرجة , و إن كانت طبيعة الأحاديث الإعلامية المعدة مسبقا يسهل إعداد الشخصية التى يتم إجراء الحوار معها و تأهيلها على الردود فى مثل هذه المواقف.
خامسا: التعامل الحرفى كرجل دولة و خاصة فى بعض المواقف التى كان من الممكن أن ينجرف الرئيس لإلقاء إتهامات على البعض حتى و لو بصورة مستترة كما حدث من قبل.
سادسا: إجراء هذا الحوار مع قناة فضائية خاصة خارج إطار الإعلام النمطى للدولة يضفى على الحوار مصداقية و حرفية أكثر من الحوارات و اللقاءات الإعلامية التى سبق إجرائها مع التليفزيون المصرى الحكومى – على الرغم مما أثير عن تدخل الرئاسة فى إجراء مونتاج على اللقاء.
و أخيرا فإن مثل هذا الحوار أو الحديث الإعلامى يمكن تصنيفه على أنه حديث عن الشأن الداخلى للبلاد يتناسب فى محتواه مع توقيت الإعلان عن تاريخ إنتخابات مجلس النواب الجديد , و قد يعد هذا الحديث خطوة فى طريق طويل يتجه إليه الرئيس فى توضيح بعض النقاط التى تطالب بها المعارضة و أسباب عدم تنفيذها مستندا لمرجعية المنطق و عدم الإنزلاق فى مسارات لا فائدة منها فى الوقت الحالى و كان ذلك واضحا تماما فى شأن موضوع الحكومة الحالية و السيد رئيس الوزراء, كما يعد هذا الحديث تمهيد و توضيح للأسلوب الذى يجب أن تبنى عليه آلية الحوار بين الرئاسة و أى صنف من أصناف المعارضة و هو الحوار الغير مشروط رغم إخفاق الحديث فى التطرق الى أن الحوار و نتائجه و ما يتم التوصل اليه من خلاله لايعتبر إلزام على مؤسسة الرئاسة و لكنه فى نهاية الأمر رأى قد يؤخذ به و قد لا يؤخذ به ترسيخا لمبدأ أن رئيس الجمهورية هو المسئول الأول و الأخير, بالإضافة لإتجاه الحديث لتحسين صورة السيد رئيس الجمهورية أمام الرأى العام و خاصة فى ظل مظاهر الإحتجاج التى تشهدها مناطق متفرقة مثل بورسعيد , المحلة الكبرى , و المنصورة و تصاعد المطالب بالعصيان المدنى و توضيح مدى تأثر البلاد فى كافة النواحى بمثل هذه الفعاليات فى حالة إنتهاجها للعنف و إستهدافها للمنشآت, مع التأكيد على العلاقة المؤسسية بين الرئاسة و القوات المسلحة و المخابرات العامة و وزارة الداخلية و الرد على أى شائعات أثيرت خلال هذه الفترة عن طبيعة العلاقة بين تلك المؤسسات و مؤسسة الرئاسة و التأكيد على عدم تدخل الرئيس فى شئون القضاء و إجلاله و إحترامه مع التأكيد أولا و خيرا على تقدير السيد الرئيس للشعب المصرى بكل طوائفه و مرجعياته الدينية و السياسية.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أالقائمين عليه