تطور هام طرأ على المعادلة النيجيرية، ويجب استغلاله من أجل عودة الهدوء لذلك الوطن المهدد بالانقسام، يتمثل هذا التطور في الاقتراح الذي قدمه فصيل أساسي في جماعة بوكو حرام المتشددة في نيجيريا بوقف إطلاق النار، وإلقاء السلاح من أجل تحقيق السلام في البلاد. ذلك الاقتراح وإن كان لم يترجم بعد على أرض الواقع إلا أنه لقي ترحيبا من نائب الرئيس النيجيري نامادو سامبو، معلنا أن الحكومة ستفعل كل ما يمكن عمله للتوصل إلى سلام دائم في نيجيريا.
فيما ذكر مسئولون أمنيون أن الحكومة ستأخذ هذا العرض للجماعة على محمل الجد وسوف تعمل بالقرار لمدة شهر في البداية للتأكد من أن جماعة بوكوحرام تخلت بالفعل عن العنف وألقت السلاح، أما المتحدث باسم القوات المشتركة للجيش والشرطة في ولاية بورنو - منشأ الحركة - فقد أكد أن القوات ستبقى في حالة تأهب لضمان الحفاظ على القانون والنظام في المنطقة التي تتولى مسئوليتها، وفقا لما ذكرته وكالة انباء الشرق الأوسط.
ومن جانبه، حث محمد سعد أبو بكر رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بنيجيريا الحكومة على قبول العرض الذي تقدمت به الجماعة ووصفه بأنه تطور هام يجب استغلاله من أجل عودة الهدوء.
بوكو حرام، المهاجرون، طالبان نيجيريا، جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، كلها مسميات لجماعة تؤرق السلام في أكبر بلد منتج للنفط في أفريقيا، على الرغم من استناد أفكارها على نمط من الإسلام السني التقليدي الذي تمقت تفسيراته منهج التعليم الغربي، فضلا عن العمل في خدمة المدنية، وهذا ما يفسر الاسم الشعبي للجماعة الذي يعني حرفيا التعليم الغربي حرام.
ظهور"بوكو حرام"
وعلى الرغم من أن التاريخ الدقيق لبداية ظهور حركة بوكو حرام في نيجيريا غير معروف إلا أن وسائل الإعلام المحلية والدولية ترجح ظهورها لعام 2002 مع ظهور محمد يوسف قائدا للجماعة، ولكن السلطات الأمنية النيجيرية تؤكد أن بداية ظهورها عام1995 عندما أنشأ أبو بكر لوان جماعة أهل السنة والهجرة في جامعة مادوجيرى في ولاية بورنو.
أصبح وجود هذه الجماعة موضع قلق محلي ودولي كبير في أعقاب الانتفاضة المعارضة للحكومة التي قادها محمد بن يوسف في يوليو عام 2009 حيث استمر القتال من 26 حتى30 يوليو 2009 في خمس ولايات شمالية وانتهى القتال بعد أن تم إلقاء القبض على زعيم الجماعة محمد يوسف واعتقاله ثم قتله.
وبوكو حرام تمثل إحدى الجماعات المتطرفة التي أعلنت انضمامها إلى تنظيم القاعدة، مؤكدة وجود روابط تجمعها بالجماعات ذات الصلة بالقاعدة في أفريقيا كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وحركة شباب المجاهدين في الصومال.
يمثل وجود حركة بوكو حرام في المستقبل تحديا أمنيا كبيرا رغم جهود الحكومة النيجيرية، ومحاولاتها لإيجاد حل سياسي إلى جانب الحل الأمني من خلال التفاوض مع جماعة بوكو حرام، وسواء من حيث المبدأ أو النتيجة والأثار فإن ما تقوم به جماعة بوكو حرام مرفوض محليا ودوليا، ويوصف بأنه من الأعمال الإرهابية التي يجب مناهضتها والعمل على مواجهة انتشار الأفكار المتطرفة التي تعتنقها وتجتذب قطاعا واسعا من المواطنين خاصة الشباب الذين يعانون البطالة.
وبدا أن جماعة بوكو حرام تهدف من خلال خططها الإرهابية إلى تقسيم نيجيريا على أساس ديني ما بين شمال مسلم وجنوب مسيحي ومن ثم تفتيت الدولة الكبيرة إلى دويلات وما يمكن أن ينجم عن ذلك من صراعات مختلفة وخاصة فيما يتعلق بتوزيع عائدات النفط.
حيث تتركز المناطق المنتجة له في الوسط والجنوب، ويفتح المجال للتدخل الخارجي في شئون البلاد فالقوى الدولية التي تتنافس للفوز بحصص أكبر من الثروات في نيجيريا، لن تسمح بتهديد مصالحها الحيوية في هذه الدولة خاصة أمريكا التي تعتمد على النفط النيجيري وتستحوذ الشركات الأمريكية على أكثر من 6،4 مليار دولار من الاستثمارات في قطاع النفط في نيجيريا.
ويمثل الاقتراح بوقف إطلاق النار وإلقاء السلاح، الذي اقترحه فصيل سياسي من الجماعة أوائل الشهر الحالي، بمثابة هدنة بين الجيش النيجيري ومعسكرات الجماعة حيث كانت أعمال العنف المتصلة بالجماعة وعمليات قمعها الدامية من قبل قوات الأمن قد أسفرت عن سقوط حوالي ثلاثة ألاف قتيل منذ تمرد الجماعة في عام 2009، وينذر استمرار الوضع على هذا النحو بمزيد من تفاقم الأوضاع على الساحة النيجيرية، وانتشار العنف واستمرار الهجمات، مما يؤثر سلبا على استقرار الوضع الداخلي في البلاد.
ويرجع المراقبون أسباب تنامي حركة بوكوحرام في نيجيريا لسياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة والتي تستخدم العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، بالإضافة إلى نجاح الحركة في استقطاب العديد من الأنصار في أوساط الشباب وكسب تعاطف بعض المسلمين بسبب عمليات القتل التي تعرض لها أعضاء الحركة مما خلق نوعا من التعاطف تجاهها.
ورغم ما وعد به الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان باجتثاث جذور جماعة بوكو حرام بحلول يونيو عام 2012، إلا أن حكومته لاتزال عاجزة حتى عن تقليص هجماتها، بسبب استخدام الحكومة للحل الأمني كخيار أولي في أدواتها للتعامل مع الأزمة، واستخدام العنف المفرط في مواجهة تحركاتها، وتصوير عمليات القتل الجماعي لأعضائها، وإعدام زعيمها دون محاكمة.
وتصر على مواجهة بوكو حرام دون الاستجابة لمطالبها وهو ما أثبتت الأيام فشله، وعلى العكس فقد أدت الوسائل التي اعتمدتها السلطات النيجيرية في التعامل مع جماعة بوكو حرام إلى تصعيدها لعملياتها وزيادة المؤيدين لها، وإصرار أعضاء الجماعة على مواجهة عنف الأجهزة الأمنية بنشر الفوضى وتهديد المصالح المحلية والغربية على أراضي نيجيريا.
والحل الأمثل كما يرى فريق من المحللين هو اللجوء إلى فتح باب الحوار مع جماعة بوكو حرام والسعي للتوصل إلى حلول مبدئية لتهدئة الأوضاع على الساحة النيجيرية، وأن تعمل الحكومة الفيدرالية على معالجة هياكل السلطة وتوفير قنوات للتعبير عن تطلعات الشباب، فلم يعد ممكنا منع صعود شباب المسلمين في أجهزة السلطة الإقليمية ومشاركتهم في أطر الحكم المحلي.
أفكار متطرفة
العديد من الظروف الاقتصادية والسياسية والعوامل الأثنية التي يعانيها الشمال النيجيري عززت نشاط جماعة بوكو حرام ووفرت المناخ الملائم لنمو أفكارها المتطرفة بين المواطنين إلى جانب تفشي الأمية وانتشار الأمراض ونقص مياه الشرب ومعاناة 40 مليونا من الشباب من البطالة.
والكثير من الأسباب عززت الظروف الاجتماعية التي تمثل بيئة صالحة لممارسة جماعة بوكو حرام لنشاطها، فلا يزال هناك 70% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
وينتشر الفساد بصورة كبيرة في مؤسسات الدولة وبين المسئولين الحكوميين، والحرص على الحصول على مناصب سياسية تمثل الطريق الأمن للاستحواذ على الثروة فجر صراعا طبقيا نتيجة لسوء توزيع الثروات خاصة عائدات النفط.
وعضد ذلك العوامل الأثنية حيث تتكون نيجيريا من 250 جماعة أثنية ولغوية أكبرها ثلاث جماعات هى الهوسا وغالبيتهم مسلمون، والأيبو واليوروبا ومعظمهم مسيحيون وعادة ما كان يستخدم السياسيون الانتماءات والولاءات في تحقيق أهدافهم السياسية بالإضافة إلى استخدامهم الأمية كسلاح سياسي.
سلاح الشريعة
وفي المقابل تستخدم جماعة بوكو حرام الشريعة الإسلامية كسلاح تحلل به أوضاع الفقر المنتشرة في البلاد تحليلا دينيا، مؤكدة أن الدولة تستند إلى قوانين بعيدة عن الشريعة الإسلامية وتنشر التعليم الغربي في أنحاء البلاد، وتعمل على تكريس الحداثة في المجتمع الإسلامي.
وتلقي بوكو حرام، خلال عملها، باللوم على الدولة النيجيرية وعلى التعليم الغربي والوجود المسيحي، وتضفي بوكو حرام على أعضائها الشعور بأهمية الهدف والرسالة باعتبارهم مجاهدين في سبيل الله ويسعون لتطهير المجتمع من المفاسد الأخلاقية وبناء نظام بديل.
وعلى الرغم من تغير اسم الجماعة على مر السنين، فإن أيديولوجيتها تقوم على السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية في كل الولايات النيجيرية وألا يكون تطبيقها قاصرا على ولايات في الشمال النيجيري كما هو معمول به منذ عام 2000، وتشكل القناعات التي عند بعض أعضاء الجماعة حول فساد الدولة في نيجيريا وامتلائها بالرذيلة والفساد الاجتماعي محفزا قويا للمسلم الصالح للهجرة عن هذا المجتمع المفلس أخلاقيا إلى مكان منعزل وتكوين مجتمع إسلامي مثالي خال من الفساد السياسي والفراغ الروحي، وفي هذا الصدد يعتبر غير الأعضاء في هذه الجماعة كفارا أو فاسقين.
وعلى عكس هجمات الكر والفر الضعيفة التي اتبعتها الجماعة في سنواتها الأولى فإنها اتبعت في هجماتها الأخيرة أساليب أكثر تطورا وتنسيقا بعد إقرار ذلك الأسلوب من طرف مجلس شورى الجماعة الذي يتكون من 18 عضوا، ثم تركزت هجماتها بشكل أساسي على القوات الأمنية التابعة للدولة والجنود، والدفاع المدني، وحراس السجون وغيرهم، وبشكل أقل تستهدف هجمات الجماعة دور العبادة والطوائف والقادة الدينيين والسياسيين وغيرهم من مدنيين ممن تعتبرهم الجماعة في فلفستها "أعداء".
وشكل الهجوم الذي شنته بوكو حرام على مقر الأممالمتحدة في العاصمة النيجيرية أبوجا في عام 2011 خروجا عن أهدافها التقليدية مما يشير إلى إمكانية حصول تغير في انتقاء الأهداف المستهدفة من طرف الجماعة مستقبلا.
ورغم تركيز جماعة بوكو حرام هجماتها على المناطق الشمالية من نيجيريا إلا أن المراقبين يخشون من امتداد تلك الهجمات إلى الجنوب الذي تقطنه غالبية مسيحية في الوقت الذي تضيق فيه الأجهزة الأمنية الخناق على الحركة في الولايات الشمالية.
ومما يزيد المخاوف تطور هجمات بوكوحرام بإدخال الجماعة أسلوب العمليات الانتحارية لنشاطاتها العنيفة.