دعت صحيفة "الجارديان" البريطانية في عددها الصادر اليوم الإثنين الحكومة الفرنسية للبقاء بعيدا عن الشأن التونسي والسماح لتونس وشعبها بترسيخ قواعد البناء الديمقراطي والعبور بسفينة الوطن للنهوض من جديد عقب "ثورة الياسمين". وذكرت الصحيفة البريطانية في مقال تحليلي أوردته على موقعها الإلكتروني اليوم أنه بالرغم من أن تونس نالت استقلالها من فرنسا عام 1956، إلا أن كلا من الساسة الفرنسيين ووسائل الإعلام الفرنسية لا تزال تتدخل في الشئون الداخلية للبلاد لافتة إلى أنه ومنذ عدة أسابيع، ووسائل الإعلام الفرنسية تشن ما يراه بعض التونسيين بمثابة حملة لتشويه سمعة ما بعد الثورة التونسية.
وأضافت الصحيفة قائلة "وقد وصلت الأمور لذروتها، حيث أعلن وزيرالداخلية الفرنسي مانويل فالس عقب اغتيال السياسي التونسي شكري بلعيد أن تونس ليست نموذجا للربيع العربي بسبب "ديكتاتورية الفاشية الإسلامية" التي يتزعمها قادة الإخوان المسلمين والسلفيين، والتي تشكل تهديدا للحقوق والحريات في هذا البلد مضيفا أن فرنسا لا يمكن أن تتغاضى عن هذا، وسوف تدعم العلمانيين والليبرالبين ضد الإسلاميين.
وأوضحت الصحيفة أن تصريحات فالس تزامنت مع إطلاق حملة سياسية داخل البلاد والتي استغلت اغتيال بلعيد للدعوة إلى إسقاط الحكومة المنتخبة لتحل محلها أخرى غير منتخبة، ودعا رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي إلى حل الجمعية التأسيسية الوطنية المنتخبة، نظرا لأنها فقدت شرعيتها، وذلك للسماح ل"مجلس الخبراء" لتولي دور صياغة دستور البلاد.
وأردفت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقول في مقالها التحليلي "وفي خضم هذا التوتر الداخلي، تحيز وزير الداخلية الفرنسي بشكل صارخ تجاه جزء واحد من المشهد السياسي التونسي مما أعطى إنطباعا بأن فرنسا تسعى لفرض خياراتها الخاصة على الناخبين التونسيين".
واعتبرت الصحيفة أن الساسة الفرنسيين لا يبدو أنهم مدركون لفكرة أن عملية التحول والإنتقال الديموقراطي تتطلب وقتا وجهدا مضاعفا، لاسيما وأنها تنطوي على إعادة بناء مؤسسات الدولة واستئصال الفساد وإنشاء نظام قضائي عادل.
واستنكرت الصحيفة فكرة عدم ثقة فرنسا في الأحزاب الحاكمة أو حتى في خيارات الشعب التونسي، فضلا عن شعورها بخيبة الأمل في تونس وقت رفض الأخيرة (على عكس الجزائر) فتح مجالها الجوي لمرور القوات الفرنسية لدخول مالي، وإصدار الحكومة التونسية بيان يعارض التدخل الأجنبي؛ الأمر الذي يثير تساؤلا هاما بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها فهم طريقة سيرالسياسة الخارجية الفرنسية في الشأن التونسي.
ورأت الصحيفة أن معظم التونسيين يتطلعون إلى نموذج الحداثة حيث تتبني قيم الحضارة الإسلامية نظام الحقوق العالمية، الأمر الذي يمثل جهدا ثقافيا وتعليميا وسياسيا ومدنيا ينبغي أن يقوم به كل من السياسيين التونسيين والعلماء والمجتمع المدني والمؤسسات بأنفسهم في الجمهورية الوليدة.
وخلصت صحيفة "الجارديان" البريطانية ختاما إلى ضرورة أن تمنح فرنسا، التي استغرقت أكثر من قرن لترسيخ ديموقراطيتها عقب الثورة الفرنسية، الفرصة لتونس بأن تحدد نفس المصير بنفسها بدون أي تدخل خارجي.