لم تفارق الابتسامة وجهه رغم ما يحمله قلبه من أحزان وعقله من هموم ، ظل يعمل في صمت وبتفاني رغم ادواته المتهالكة وراتبه الضعيف الذي لا يتعدى 260 جنيه شهريا ..مكنسة منحوته وعربة مكسورة وكرتونة سميكة هذه هي أدوات سمير صابر عامل النظافة بحي أول بالاسماعيلية ليتم عمله المكلف به يوميا . الأحوال الجوية السيئة لا تحيل دون اتمام سمير لعمله .واصابته بالمرض اوتعرضه لظروف خارجة لا تشفع له بالتغيب يوما دون الخصم ...ظروف معيشية سيئة واجور معدومة وحقوق مهدرة وأمراض اقتحمت جسده النحيل .
لا .... هو عنوان لحالهم فلا استقرار لهم ولا تأمين صحي يستظلون تحته ، ولا حوافز ولا مرتبات يتمتعون بها ، ولا ادوات وملابس توفر وتصرف لهم ولا حقوق يحصلون عليها اطلاقا ورغم ذلك فهم ملتزمين يوميا حتى في ايام الاجازات والاعياد والجمع بالعمل ل8 ساعات متواصلة قد تمتد لاكثر من ذلك دون تذمر .
هذا باختصار وصف لاوضاع عمال النظافة بالاسماعيلية الذين تجاوز عددهم نحو 700عامل على مستوى أحياء المدينة الثلاثة و80% منهم عمالة مؤقتة تجاوزت فترة خدمتهم لاكثر من 8 سنوات ولم تحرر لهم عقود .
جموع الشعب المصري التي خرجت في 25 يناير 2011 لتطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية واسقطت رأس النظام في 11 فبراير من نفس العام خرجت من اجل حقوق هؤلاء البسطاء المهدرة لكنها عجزت عن تحقيق اقل القليل من العدالة الاجتماعية امام هؤلاء الذين تفانوا في عملهم في فترات الثورة والانفلات الأمني واستمروا رغم الظروف الصحية والاجتماعية السيئة يواصلون اعمالهم وكانوا أول من تم استخدامهم لتحقيق برنامج ال 100 يوم للرئيس محمد مرسي في قطاع النظافة ، ولازالوا يواصلون عملهم دون تذمر او إضراب كما يفعل فئات كثيرة ورغم ذلك لم يتحصلوا على 1% من حقوقهم المهدرة .
يقول سمير صابر عباس ،عامل نظافة بمكتب حي أول بالاسماعيلية، «متزوج ولديه طفلين» أعمل منذ 8 سنوات عامل نظافة بحي أول دون تثبيت وراتبي لا يتعدي ال 260 جنية شهريا ، ورغم مطالبنا المتكررة لرؤساء الاحياء ومحافظ الاسماعيلية إلا أننا نحن الفئة الوحيدة التي لم تتحصل حتى الآن على حقها ، فالاطباء والمدرسين والموظفين بالاحياء والمدن وغيرهم حصلوا على كوادر ، وارتفعت اجورهم لاكثر من 200% اما نحن فلم نتحصل على جنيه زيادة حتى ادواتنا المتهالكة لم تتغير ولم يتم تجديدها لنا .
ويواصل قائلا : « من المفترض ان يصرف لنا في العام طقمين من الملابس لكننا منذ اكثر من 3 اعوام لم نحصل على شيء وادوات النظافة يوميا نجدها مسرق منها وكلها متهالكة وعندما نطالب المسئولين بتغييرها يقال لنا «سلكوا نفسكم بها » .
وبصوت غاضب قال : « يا دكتور مرسي بص لنا شوية،احنا اتبهدلنا ومفيش اي مقابل ، انت وافقت انك تزود الموظفين اللي قاعدين على مكاتبهم وسايبنا في الشوارع متبهدلين في وسط الزبالة والحشرات والحيوانات المفترسة ومبتبصش علينا » .
ويلتقط اطراف الحديث عبد الحميد شحاته صالح 50 سنة متزوج ولدية 4 اولاد ويقول " اعمل بالحي منذ 12 عام ولدي تأمين صحي وراتبي مستقر لكنه لا يتجاوز مبلغ ال 450 جنيه شهريا وهو مبلغ لا يكفي لقوت زوجتي واولادي ولولا مساعدة شقيقي لي ما تمكنت من تزويج 2 من ابنائي ، فالمرتب هزيل للغاية ولا يكفي المواصلات ولكنني ان تركت هذا العمل اين سأذهب وسني اقترب على المعاش.
ويضيف :« نحن نعمل في ظروف جوية سيئة وما يؤلمنا حقا هو طريقة معاملة البعض لنا بعدم مساعدتنا في مهامنا بالقاء القمامة داخل الصناديق والحفاظ على نظافة الشوارع ، ورغم الادوات المتهالكة الا اننا نحاول جاهدين تنظيف الشوارع وازالة القمامة لكننا نصطدم بسلوكيات المواطنين وعدم حفاظهم على نظافة الشوارع والقاءهم القمامة في عرض الطريق وهو ما يثير غضبنا واحباطنا يوميا لكننا اعتدنا على هذه السلوكيات » .
ويطالب شحاته من المواطنين ان يتعاملوا مع عمال النظافة بصورة آدمية والحفاظ على نظافة الشوارع التي تتسخ بعد ساعة من اتمام تنظيفها .
بصعوبة بالغة حاول «عم فتحي» ان يجر عربة القمامة التي تسير على الارض بدون عجلة واحد جوانبها محطمة لكن الابتسامة لم تفارق وجهه رغم ما يتحمله من عناء وهو يجمع القمامة ويكنس شارع السكة الحديد امام محطة قطار الاسماعيلية .
يقول فتحي محمد حسن «53 سنة» ، متزوج ولديه 4 من أبناء،« اتقاضى شهريا 450 جنيه والحمد لله مستورة» .
صلاح محمد ،عامل النظافة المسئول عن تنظيف شارع التحرير منذ أكثر من 10سنوات ، بدأ حديثه قائلا « لا تلومننا على التقصير في عملنا ونحن لا نملك أية امكانيات ونعمل في ظروف جوية في فصول السنة سيئة للغاية .
ويقول : « امتدت ساعات اعمالهم في نهار رمضان الماضي لاكثر من 12 ساعة دون مقابل تحت ضغط من رؤساء الاحياء والمدن الذين كانوا يسعون لتقديم تقارير اسبوعية عن حجم اطنان القمامة التي تم رفعها لتقديمها الى ملف انجازات ال 100 يوم التي اطلقها الرئيس محمد مرسي في بداية توليه منصب رئيس الجمهورية ولم يلتفت التنفيذيين لحجم معاناة العمال مع رفع اطنان القمامة من الشوارع في ظل امكانيات معدومة وبادوات مستهلكة ومكهنة » .
لم نحاول الالتقاء باحد من المسئولين لان اي رد لهم لن يكون مبررا كافيا عن ما وصل اليه هؤلاء البسطاء من حالة سيئة ، فالرد هنا مطلوب عمليا من محافظ الاسماعيلية اللواء جمال امبابي الذي وعد هؤلاء مرات ومرات على مدار اكثر من عام مضى ولم يوفي بوعده معهم حتى الآن .