آخر تحديث.. أسعار العملات مقابل الجنيه اليوم الأحد 5-5-2024    «الإسكان»: تخصيص الأراضي بالمدن الجديدة تنمية شاملة وفرصة للاستثمار    مصدر: مدير الاستخبارات الأمريكية توجه إلى قطر لبحث مفاوضات الهدنة في غزة    أحد الناجين من الهولوكوست: أنا والكثير من اليهود ندعم قضية الشعب الفلسطيني    صور| ملحمة جماهيرية لدعم محمد صلاح.. ولد ليكون أسطورة ليفربول    3 ظواهر تضرب البلاد خلال ساعات.. «الأرصاد» تحذر من نزول البحر    عمرو أديب: «مفيش جزء خامس من مسلسل المداح والسبب الزمالك» (فيديو)    أمين الفتوى: الله شرف مصر أن تكون سكنا وضريحا للسيدة زينب    نافس عمالقة ووصل بالأغنية السعودية للقمة.. تعرف على رحلة «فنان العرب» محمد عبده    قصواء الخلالي: مصر لا تحصل على منح مقابل استقبال اللاجئين    نقابة البيطريين تحذر من تناول رأس وأحشاء الأسماك المملحة لهذا السبب    لدعم صحة القلب والتخلص من الحر.. 5 عصائر منعشة بمكونات متوفرة في مطبخك    إصابة 3 أشخاص في تصادم 4 سيارات أعلى محور 30 يونيو    وزير السياحة يشارك كمتحدث رئيسي بالمؤتمر السنوي ال21 للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    وكالات الاستخبارات الأوروبية: روسيا تخطط لأعمال تخريبية في أنحاء القارة    الفيضان الأكثر دمارا بالبرازيل .. شاهد    وزيرة الهجرة: نستهدف تحقيق 5 مليارات دولار قيمة أوامر الدفع بمبادرة المصريين في الخارج    منافسة بين آمال وأنغام وشيرين على أغنية نجاة.. ونبيل الحلفاوي يتدخل (فيديو)    حزب الله: استهدفنا مستوطنة مرغليوت الإسرائيلية بالأسلحة الصاروخية    نجل الطبلاوي: والدي مدرسة فريدة فى تلاوة القرآن الكريم    الهلال يحقق بطولة الوسطى للمصارعة بفئتيها الرومانية والحرة    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية ميت غمر |صور    فحص 482 حالة خلال قافلة طبية مجانية في الوادي الجديد    أعراضه تصل للوفاة.. الصحة تحذر المواطنين من الأسماك المملحة خاصة الفسيخ| شاهد    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    «ظلم سموحة».. أحمد الشناوي يقيّم حكم مباراة الزمالك اليوم (خاص)    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    لوائح صارمة.. عقوبة الغش لطلاب الجامعات    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    عودة المهجرين لشمال غزة .. مصدر رفيع المستوى يكشف تفاصيل جديدة عن المفاوضات    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محيط" تنفرد بنشر الدراسة التي حصلت علي جائزة التراث بمعرض الكتاب هذا العام
نشر في محيط يوم 13 - 02 - 2013


أضواء جديدة على كتابات المؤرخ محمد شفيق غربال(1 2)
محيط : مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية

بقلم د. حسام عبد الظاهر

مقدمة ِ

حصل كتاب "بحوث ومقالات د محمد شفيق غربال" لدكتور حسام عبد الظاهر على جائزة أفضل كتاب تراثي عام 2013، والصادر عن دار الكتب والوثائق القومية ، بمركز تاريخ مصر المعاصر والكتاب من مجلدين ، وقدمة الأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق .

دحسام عبد الظاهر باحث في التراث والتاريخ الإسلامي، ومهتم بالوثائق وتحقيقها وله كثير من الدراسات والبحوث الهامة في هذا المجال أهمها "أصحاب شرطة مصر في العصر العباسي الأول" (رؤية جديدة في ضوء الإحصاء التاريخي) }بحث منشور بمجلة Annales Islamologiques حوليات إسلامية، التي تصدر عن المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة IFAO مجلد 36 2002، ص ص1 22{.

و "الأمثال الشعبية مصدرًا لدراسة الأعمال والحرف المصرية في القرن التاسع عشر". }بحث منشور ضمن كتاب "الطوائف المهنية والاجتماعية في مصر في العصر العثماني "، الصادر عن جامعة القاهرة والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، الطبعة الأولى، 2003م، ص ص 213231 {.

المؤرخ الكبير محمد شفيق غربال يعد من أهم مؤرخين المصريين في العصر الحديث وتتلمذ علي يدية نخبة من رجال الفكر والثقافة وصناعة التاريخ في مصر والعالم العربي ويعد تراثه الغير منشور والذي جمعه وقدمه وأخرجه د حسام من أهم مصادر تاريخ مصر الحديث والمعاصر لخبرة الرجل وعقليته الموسوعية ومنهجيته في الكتابة التاريخية.

وللأسف الشديد وفي زحمة الأحداث السياسية والثقافية وفي ظل الإهتمام بالإيدولوجيات الفكرية والمناطحات والسجالات الفكرية لم يلقي الضوء بالشكل المناسب علي هذا الكتاب وهذا العمل الهام والذي حصل صاحب علي جائزة تضاهي جائزة الدولة التقديرية .

تراث محمد شفيق غربال البحوث والمقالات"[جمع وتحرير وترجمة ودراسة]. جزءان عمل رائع يطل به صاحبه والمؤرخ الكبير أستاذ الجيل بموضوعات غاية في الأهمية تفتح لنا آفاق جدية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر مثل تاريخ الأزهر، والوثائق التاريخية لسياسة مصر في البحر الأحمر، ومكان الثورة المصرية في تاريخ مصر الحديث، بالإضافة إلي كتابات عن تاريخ الحضارة المصرية، والتاريخ الإسلامي والوسيط ، والتاريخ الأوروبي الحديث مع إضافات هامة عن تاريخ الجامعات والتعليم في مصر .

وإذ تتشرف شبكة الإعلام العربية "محيط" ان تقدم الدراسة الهامة التي أعدها د حسام عبد الظاهر عن كتابات المؤرخ محمد شفيق غربال الهامة عن أعمال هذا الرجل إلا انها لا تغني عن قراءة الكتاب الأصلي وأن ننهل من هذا العمل الهام .

وفيما يلي أضواء علي كتابات د محمد شفيق غربال، بقلم د حسام عبد الظاهر :

كتابات شفيق غربال بين الكم والكيف

يعد محمد شفيق غربال (1311 1381 ه/1894 1961م) واحدًا من علماء كبار تركوا أثرًا كبيرًا دون أن يكون لهم العديد من الكتب. وكما هو معروف فإن أثر العالم لا يقاس بكثرة إنتاجه، وإنما بحجم تأثيره، وفي تاريخ الثقافة العربية أعلام احتلوا مكانة عالية بكتاب واحد ليس غير، فالقرشي (ت170ه/786م) ليس له إلا «جمهرة أشعار العرب»، وسيبويه ( ت180ه/796م) ليس له إلا «الكتاب»، وليس لابن سلَّام (ت231ه/845م) إلا «طبقات فحول الشعراء«، وابن عبد ربه (328ه/940م) ليس له إلا «العقد الفريد»، وابن خلكان (ت681ه/1282م) ليس له إلا «وفيات الأعيان».

وفي هذا الإطار يمكن القول: لو كان شفيق غربال لم يترك من آثاره إلا واحدًا من كتبه القليلة، مثل: «تكوين مصر»، أو «محمد علي الكبير» لكفاه، ولبوَّأَه مكانة كبيرة يستحقها بين مؤرخي مصر في العصر الحديث. ولكن حقيقة الأمر غير ذلك فشفيق غربال الذي نكتشفه في نشر بحوثه و مقالاته يعد غزير الإنتاج.

ويجدر الذكر أنه بالرغم من المكانة العالية التي وصل إليها شفيق غربال، والتي يوصف بها بأنه مؤسس مدرسة التاريخ المصري الحديث، وأنه واضع أسس تمصير التاريخ المصري، نقول إنه بالرغم من ذلك إلا أنه لم يبادر أحد خلال الخمسين سنة الماضية بجمع تراث هذا المؤرخ الكبير.

تاريخ فكرة جمع تراث شفيق غربال

وهذا التراث أشار إلى ضرورة جمعه والإفادة الحقه منه بعض كبار المفكرين والمؤرخين والأدباء. يأتي على رأسهم الأستاذ عباس محمود العقاد حين قال في مقالته عن شفيق غربال: «كان للتاريخ من فكره القويم حظ عظيم، وإن من حقه على التاريخ أن يكون له حظه العظيم بين صفحاته وآثاره، وهذا هو الجزاء الحق الذي يتولاه خاصته وذووه وتلاميذه ومريدوه، وهم بحمد الله كثيرون يستطيعون وفاءً له وللتاريخ الذي أحبه وأحبوه أن يمدوا في علمه بالاجتهاد في جمع آثاره واستقصاء المطبوع والمخطوط من كتبه وأوراقه، وكلها منتظر نافع وكلهم قادر على أداء هذه الأمانة والوفاء بهذا الواجب. عسى أن يكون فيه بعض العوض عن عمله الذي انقطع»(1).

وأيضًا نجد هذه الدعوة لدى الدكتور محمد أنيس، والذي أبدى أمنيته في مقالته عن شفيق غربال بأن يقوم بعض تلامذة شفيق غربال بنشر أحاديثه الإذاعية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي(2). ومنهم كذلك الأديب محمد فريد أبو حديد، والذي قال في كلمته التأبينية عن شفيق غربال في مجمع اللغة العربية سنة 1961م : «غير أن حدود كتبه تضيق كثيرًا عن حدود نشاطه وإنتاجه فقد كانت المحاضرات التي يلقيها على طلابه والفصول التي كان يكتبها في مقدمات كتب تلاميذه وأصدقائه ومقالاته التي كان يكتبها في المجلات أو يذيعها في برامج الإذاعة كانت هذه نماذج للبحوث التاريخية والإنسانية ولو جمعت في صورة مدونات لكانت تراثًا ضخمًا من المؤلفات. والأمل معقود بأصدقائه وتلاميذه الأوفياء أن يعنوا بإبداء مثل هذه التحية لصديقهم الراحل الكريم»(1).

وبالرغم من أن هذه الدعوات النبيلة كانت في السنة نفسها التي رحل فيها شفيق غربال إلا أن الناظر إلى مدى تحققها لا يجد إلا تمثلها في عمل واحد، وهو ما قامت به المراقبة الثقافية بالإذاعة المصرية مشكورة بجمع بعض الأحاديث الإذاعية لشفيق غربال وطبعها سنة 1962م في كتاب تحت عنوان «من زاوية القاهرة». وبخلاف ذلك لم نجد من يتصدى لجمع تراث الراحل الكبير طوال العقود الماضية.

لماذا لم يقم شفيق غربال نفسه بجمع بحوثه ومقالاته ومحاضراته؟

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده لماذا لم يقم شفيق غربال نفسه بجمع هذه البحوث والمقالات والأحاديث ليصدرها في كتب عديدة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يجب الأخذ في الاعتبار أن الصفات العلمية التي جبل عليها شفيق غربال من حيث التدقيق الشديد ومعاودة الفحص في كل ما يكتبه هي التي كانت تحول بينه وبين جمع بحوثه ومقالاته. ويؤكد ذلك عدة شواهد، لعل أهمها الشواهد الخمسة الآتية:

الشاهد الأول: ما ذكره في مقالته «مصر عند مفرق الطرق» التي نشرها قبل رحيله بربع قرن، بأن ما ينشره عن ترتيب الديار المصرية للروزنامجي ما هو إلا المقالة الأولى وأن مقالة إستيف عن مالية مصر هي المقالة الثانية التي يعمل بها(1)، وعلى الرغم من السنوات الطويلة التي أعقبت نشر المقالة الأولى إلا أن شفيق غربال لم يقم بنشر مقالته الثانية على الإطلاق.

والشاهد الثاني: يتمثل في الإعلان سنة 1945م عن قرب صدور كتاب لشفيق غربال عنوانه «فلسفة التاريخ»(2). إلا أن هذا الكتاب لم ير النور، ولا نعرف ما هو المصير الذي آلت إليه أصوله. وإن كنت أُرجح أن بعض ما نشره غربال في مجلة الهلال مثل مقالتيه عن: رسالة المؤرخ، وأحكام المؤرخين على الرجال هو بعض فصول هذا الكتاب.

أما الشاهد الثالث: فيتمثل فيما أعلن سنة 1952م من انتهاء شفيق غربال من تحقيق كتاب «مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس» للجبرتي، إلا أنه لم يقم بنشره(3).

والشاهد الرابع: يتمثل في الجزء الثاني من كتابه: «تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية»(4)حيث ذكر في أحد الحوارات الصحفية معه قبل رحيله بأكثر من ثلاث سنوات أنه قد انتهى من تأليفه وأنه سوف يصدره قريبًا(1) ؛ وبالرغم من هذا التصريح إلا أن هذا الجزء الثاني لم ير النور.

والشاهد الخامس: البحث الذي ألقاه شفيق غربال في الثاني من فبراير سنة1961م في الجلسة العاشرة من جلسات الدورة27 لمؤتمر مجمع اللغة العربية 19601961م تحت عنوان «ترجمة أصول الشرائع لفتحي زغلول». وهذا البحث لم يُنشر في بحوث الدورة 27 التي نشرها المجمع، وقد ذُكر فيها(2)أنه سينشر في مجلة المجمع، ولم يُنشر بها أيضًا.

نريد الخروج من ذلك بأن أحد أسباب قلة المنشور من إنتاج شفيق غربال من ناحية وعزوفه أو تباطؤه عن نشر ما انتهى من كتابته من ناحية أخرى يرجع إلى الدقة والمنهج الصارم الذي أخذه غربال على عاتقه في كل ما ينشره من كتب.

والسبب الثاني في ذلك يرجع إلى ما تعرض له شفيق غربال من مناصب قيادية عديدة سعت إليه ولم يسع إليها(3). فالقارئ لسيرة محمد شفيق غربال يرى أنه تولى عمادة كلية الآداب سنة 1939م، ثم أصبح وكيلاً لوزارة المعارف من سنة 1940 إلى 1942م، وبعد عودته للجامعة لمدة ثلاثة سنوات بعد هذا التاريخ عُيِّن مستشارًا فنيًّا لوزارة المعارف، فوكيلاً لها، ثم نُقل وكيلاً لوزارة الشؤون الاجتماعية، ثم عاد وكيلاً لوزارة التعليم سنة 1952م، وظل في هذه الوظيفة إلى أن أحيل إلى التقاعد في سنة 1954م لبلوغه سن الستين.

وبالإضافة إلى هذه الوظائف الكفيلة بأخذ وقت شفيق غربال كله فإنه أيضًا كان له الدور الأكبر في تأسيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية سنة 1945م وأصبح نائبًا لرئيسها ثم رئيسًا لها، كما أنه تولى رئاسة معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية.

وبجانب ذلك كله كان شفيق غربال عضوًا نشطًا في العديد من الجمعيات العلمية مثل: الجمعية المصرية لتاريخ العلوم، والجمعية الجغرافية المصرية، والجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع ، والمجمع العلمي المصري، والمجلس الأعلى للآثار، وجمعية الآثار القبطية، ومجمع اللغة العربية، والمجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، والمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.

ولم يكن غربال يقبل العضوية في هذه الجمعيات والمؤسسات كنوع من التكريم بل كان في كل منها كما يذكر البعض(1) عضوًا عاملاً حريصًا على تكريس جهده لتحقيق أغراضها، وكأنه لا عمل له سواها.

وهناك سبب آخر يرجع إلى انشغال شفيق غربال بالإشراف على اللجان المختلفة الخاصة بتنفيذ المشروعات الضخمة التي أخذت منه وقتًا طويلاً، يأتي على رأس هذه المشروعات متحف الحضارة المصرية، والذي تواصل العمل في إنشائه طوال ستة أعوام(1)قبل افتتاحه سنة 1949م، وكذلك مشروع الموسوعة العربية الميسرة الذي رأس مجلس مديريها، وأشرف عليها، وساهم فيها بإسهامات كبيرة واضحة.

ويتوازى مع الأسباب السابقة ما توافر لدى شفيق غربال من حرص بالغ على تكوين مدرسة تاريخية متميزة؛ حيث قام بالإشراف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، خاصة في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة بعد ذلك)، ومعهد البحوث والدراسات العربية. ولم يكن إشرافه على الرسائل إشرافًا بروتوكوليًّا شكليًّا، وذلك لأنه كان بجانب إشرافه على الأطروحات العلمية يشرف كذلك على التكوين العلمي والمنهجي والأخلاقي لتلامذته. وبالرغم من أن ذلك كان يأخذ منه وقتًا طويلاً أعاقه، بجانب الأسباب الأخرى، عن قيامه (هو) بمزيد من الإنتاج العلمي إلا أنه ساعد على قيام مدرسة تاريخية متميزة من أعلامها مؤرخون كبار أمثال: أحمد عزت عبد الكريم، وأحمد عبد الرحيم مصطفى، وعبد العزيز الشناوي، وأحمد أحمد الحتة، وحسن عثمان، وإبراهيم عبده، وأحمد طربين، وعبد الحميد البطريق، ومحمد محمد توفيق، وعبد العزيز رفاعي، وأبو الفتوح رضوان، ومحمد رفعت رمضان، وشوقي عطا الله الجمل ... وغيرهم. ويروى في هذا الصدد أن أحد الصحفيين قام بتوجيه سؤال إلى شفيق غربال عن عدد مؤلفاته التي يعتز بها، فأشار إلى تلامذته، وكانوا حوله من الذين يحضرون الرسائل تحت إشرافه، وقال: «هؤلاء هم أهم مؤلفاتي»(2)؛ أي أنه يقصد أن هدفه في تكوين جيل من المؤرخين يأتي قبل اهتمامه بتأليف الكتب.

يُفهم من كل ذلك أن النشاط العلمي والوظيفي والعام لشفيق غربال كان له أكبر الأثر في عدم تفرغه الكافي للبحث والتأليف. والأمانة تقتضي بعد رحيل هذا المؤرخ الكبير البحث عن كتاباته التي لم تنتظم في كتاب ونشرها؛ لتكون تحت أيدي الدارسين وأعينهم.

* * *

مشكلات جمع تراث شفيق غربال

ولا أزعم أن ما أقدمه في عملي هذا يشتمل على جميع بحوث شفيق غربال ومقالاته؛ لأن هناك مشكلات عديدة وصعوبات تحول بيني وبين تحقيق هذا الهدف، من أهمها بطبيعة الحال والمقام تناثر هذه البحوث والمقالات في بطون الدوريات أو الكتب خلال فترة زمنية تزيد عن الثلاثين عامًا، هذا فضلاً عن تعذر العثور على بعض نصوص هذه البحوث والمقالات والمحاضرات بالرغم من توصلنا لمعرفة عناوينها، ومن ذلك:

بعض محاضراته في الجمعية التاريخية، ومنها: مظاهر ومزايا العصر الحديث في تاريخ مصر، والتاريخ والمؤرخون في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وزيارة للمغرب، والأصول التاريخية لنوعي الديموقراطية المعاصرَين، وإلكسيس دي توكفيل، والتاريخ عند تولستوي، والمؤرخون ووحدة العالم، وتوينبي المؤرخ والديانات.

محاضراته في المواسم الثقافية العامة بجامعة القاهرة، ومنها على سبيل المثال: تاريخ حركة الإصلاح في تركيا، والاتفاق الودي الأول بين فرنسا وإنجلترا.

محاضراته في جهات أخرى، مثل: مواجهة الأزمات الفكرية [جمعية الشبان المسلمين

1948م]، واشتراك محمد علي الكبير في حل بعض مشاكل البحر الأبيض المتوسط

[كرسي محمد علي بمعهد حضارات البحر الأبيض المتوسط ، بمدينة نيس 1951م]، ومعلومات عن مصر[ الجامعة الأمريكية 1951م]، ونظرات تاريخية في نظام الوظائف والموظفين [رابطة الموظفين 1954م].

الأحاديث الإذاعية: لشفيق غربال الكثير من الأحاديث الإذاعية، وقد نُشر بعضها في كتابين أحدهما صدر في حياة شفيق غربال وهو كتاب «تكوين مصر» والذي كان في أصله عشرة أحاديث ألقاها غربال بالإنجليزية في الإذاعة الأوروبية(1). أما الكتاب الثاني فقد نُشر سنة 1962م، وهو كتاب «من زاوية القاهرة»، ويضم هذا الكتاب خمسة عشر حديثًا إذاعيًّا(2). وبجانب هذه الأحاديث المنشورة في الكتابين السابقين هناك الكثير من الأحاديث التي ألقاها شفيق غربال ولم يضمها كتاب حتى الآن. وعلى الرغم من نجاحنا في العثور على نصوص ستة وعشرين حديثًا، إلا أن هناك مشكلة تتمثل في أنه تم رصد عدة أحاديث أخرى لشفيق غربال لم نجد النصوص الخاصة بها للأسف الشديد، ومن هذه الأحاديث: وزارة المعارف والثقافة العلمية. [26/1/1949م]، ومشاهداتي في لبنان أخيرًا [17/1/1949م]، والسنوسية والسنوسيون [11/11/ 1949م]، وواجب الشباب في العهد الجديد [19/8/1954م]، والجلاء وتحرير العقول[2/9/1954م]، والثورة وتحرير العقول[30/9/1954م]، ومن الخليج إلى المحيط[25/8 و8/9و21/9و6/10/1960م].

ويجب الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض المحاضرات والأبحاث الأخرى التي لم نجدها كاملة، ووجدنا مختصرًا أو ملخصًا لها، وهي تنحصر في مقالتين فقط: أولاهما: «الآثار السياسية لأبحاث المسيو فيكتور برونت الفنية وإعادة فتح السودان» وهي المحاضرة التي ألقاها محمد شفيق غربال بالمجمع العلمي المصري سنة1950م. والمحاضرة الثانية كانت بعنوان: «نظرات تاريخية في الريف المصري». وهي المحاضرة التي ألقاها شفيق غربال بالمعهد العالي للتربية الفنية سنة 1953م.

هذه هي أهم المشكلات التي واجهتني في جمع تراث محمد شفيق غربال، ويحدوني الأمل بالرغم من كثرة البحث والتقصي أن أجد مثل هذه المحاضرات والأحاديث، أو أن يدلني عليها المهتمون بتراث هذا المؤرخ الكبير؛ وذلك لضمها لهذا العمل في الطبعة الثانية منه إن شاء الله.

وما ننشره هنا هو ما استطعت العثور عليه خلال سنوات عديدة من بحوث ومقالات مؤرخنا الجليل، وهو يزيد عن مائة وعشر مواد مكتوبة لهذا المؤرخ الرائد. وتتوزع هذه المواد على: بحوث، ومقالات، ومحاضرات، وتقارير، وأحاديث إذاعية، وحوارات صحفية، وعروض وتحليلات لبعض الكتب، و مقدمات كتبها لكتب بعض أصدقائه وتلاميذه ، وبعض خطط المشروعات العلمية...إلخ.

* * *

الخطوط العريضة والأفكار الرئيسة للبحوث والمقالات

ولا يتسع المقام هنا لتناول جميع محتويات البحوث والمقالات، إلا أنه يمكن ملاحظة عدة أمور ومعالم بالنظر فيها، تشكل خطوطًا عريضة وأفكارًا رئيسة، ويأتي من بينها:

أولاً تنوع أنماط المشروع الثقافي الخاص بشفيق غربال؛ حيث لم تقتصر كتاباته على المجال التاريخي وحده، بل كتب أيضًا في مجالات اللغة والأدب والفلسفة والتربية... وغيرها. وتؤكد مجموعة كتاباته ما كان يتصف به غربال من معارف موسوعية وثقافة واسعة لم تتقيد بالتخصص الأكاديمي الدقيق.

ثانيًا نجد اهتمامًا واضحًا لدى شفيق غربال في الكتابة حول التاريخ وفلسفته والكتابة التاريخية ، وما كتبه في ذلك على سبيل المثال مقالاته عن: رسالة المؤرخ، ومصادر الإلهام عند المؤرخين، وأحكام المؤرخين على الرجال، وأساليب كتابة التاريخ عند العرب.

ثالثًا تناول شفيق غربال سير بعض المؤرخين وقدم أحكامًا على كتاباتهم بروح علمية نقدية عالية؛ وهو ما نجده في كتاباته عن الجبرتي، وعلي مبارك، وأمين سامي، وعبد الرحمن الرافعي... وغيرهم.

رابعًا نجد بحوثًا ومقالات لشفيق غربال ترجع إلى مختلف العصور التاريخية القديمة والوسطى والحديثة، وهو ما يشير إلى أن شفيق غربال كان مؤرخًا موسوعيًّا وشاملاً، لا يحصر نفسه في إطار ضيق، بل يمتلك الأدوات التاريخية المناسبة لكي يكتب ويدلي برأيه في أية قضية تاريخية أيًّا كان انتماؤها الزمني. فمن مقالاته في التاريخ القديم (1) ما كتبه عن تاريخ الحضارة المصرية. ومما كتبه في التاريخ الإسلامي والوسيط بحثه عن الآراء والحركات في التاريخ الإسلامي. ومقالاته عن : العرب في التاريخ، والحضارة العربية بإسبانيا، وكذلك مقالته بدائرة المعارف الإسلامية التي يرد بها على المستشرق لامنس فيما كتبه عن الشام. ومما كتبه في التاريخ العربي والإسلامي الحديث(1): التجمع والتفرق في الشرق العربي، وتونس المعاصرة، والجمهورية التركية. ومما كتبه في التاريخ الأوروبي الحديث: حديث وكتب عن إيطاليا الحديثة، والدستوران الإنجليزي والأمريكي.

خامسًا لمصر موقع متميز من إنتاج شفيق غربال، فبالإضافة إلى ما كتبه في التاريخ المصري، هناك مقالات أخرى تُظهر مكانة مصر ومركزها وثقلها ودورها الحضاري، ومنها مقالته التي عنوانها: « مركز مصر السياسي». ومما يتصل بذلك أيضًا اهتمامه بدراسة جذور فكرة الاستقلال المصرية، ويتمثل ذلك في تلك المحاضرات التي ألقاها في الجمعية الجغرافية تحت عنوان: «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة 1801م».

سادسًا والمتتبع أيضًا لبحوث شفيق غربال ومقالاته يلاحظ اهتمامه الكبير بالتاريخ المصري في القرن التاسع عشر، وخاصة عصر محمد علي، والذي اهتم به على نحو كبير. ويؤكد هذا الاهتمام أنه بجانب كتابيه المعروفين: «بداية المسألة المصرية وظهور محمد علي»(1)، و«محمد علي الكبير» له عدة مقالات وأحاديث إذاعية ومقدمات كتب تناولت جوانب مختلفة من تاريخ محمد علي، لم ينتبه إليها من أعادوا طبع كتابه عن محمد علي(2)؛ وكان من الأجدر إرفاق مثل هذه الكتابات إلى الطبعات الجديدة للكتاب.

سابعًا اهتم شفيق غربال بتاريخ وادي النيل ووحدته في العديد من كتاباته(3)، ومن ذلك ما كتبه عن: بناء الوطن المصري السوداني في القرن التاسع عشر، والسياسة

البريطانية والوطن المصري السوداني، وكذلك ما كتبه عن حياة الجنرال «ونجت Wingate » حاكم عموم السودان وسردار الجيش المصري، وكذلك مقدماته لبعض الكتب مثل كتاب: البكباشي المصري سليم قبطان والكشف عن منابع النيل، لنسيم مقار، وكتاب: معالم تاريخ سودان وادي النيل، للشاطر بصيلي عبد الجليل. وكتاب: المنافسة الدولية في أعالي النيل 18801906م، لعلي إبراهيم عبده. ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب الأخير كان في أصله الرسالة العلمية التي حصل بها مؤلفها على درجة الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية سنة 1957م، وذلك تحت إشراف وتوجيه الأستاذ محمد شفيق غربال.

ثامنًا أوضحت لنا البحوث والمقالات اهتمام شفيق غربال بالحوادث الجارية في عصره؛ فلم يكن مؤرخًا منعزلاً أو مفكرًا في برج عاجي، بل كان مؤرخًا عضويًّا غير منبت الصلة عن قضايا عصره وهمومه. ومما يدل على هذا الاهتمام كتاباته عن: التجمع والتفرق في الشرق العربي، ومكان ثورة 1952م في تاريخ مصر الحديث، والجلاء وتحرير سياسة مصر الخارجية، وكذلك آراؤه عن الإذاعة المصرية وأوضاع المدرسين ونهاية الاستعمار وفضائح الملوك. وأيضًا مقالاته عن أعلام عصره مثل: علي مصطفى مشرفة، و محمد حسين هيكل، و أحمد بدوي.

تاسعًا كشفت لنا المقالات عن أن شفيق غربال كتب بعض وجوه سيرته الذاتية، والتي لا يمكن فصلها عن اهتماماته التاريخية، وفي ذلك يقول: «ولم أتعلم الدرس من حياتي أنا بالذات وحدها، ولا من حياة جيلي وحده .. بل كان معلمي الإنسانية، كما احتوتها دنيا التاريخ وجعلتها دنياي .. أعمارها عمري وأجيالها جيلي، وناسها أجمعون معاصري»(1). وتنتظم وجوه من سيرته الذاتية في ثلاث مقالات: إحداها نشرت تحت عنوان: « تكلم شفيق غربال عن نفسه فقال»، والثانية مقالته التي عنوانها: « الحياة جديرة بأن نحياها»، وكذلك إجابته عن سؤال: « لو لم توجد في هذا العصر في أي عصر كنت تتمنى أن تعيش؟».

عاشرًا كشفت بعض بحوث غربال ومقالاته عن أثر تلمذته للمؤرخ العالمي أرنولد توينبي، وهو ما يتضح من تأثر شفيق غربال في كثير من مقالاته بنظرة توينبي إلى الأحداث التاريخية من ناحية إعلاء العامل الفردي ودور النخبة في صناعة التاريخ ودفع عجلته إلى الأمام. كما يظهر ذلك في العديد من المقالات بالمجلة التاريخية المصرية وبمجلة الهلال، وأيضًا في بعض الأحاديث الإذاعية كحديثه الخاص عن كتاب توينبي المعروف «دراسة التاريخ».

حادي عشر تُظْهر البحوث والمقالات مدى ما كان يتمتع به شفيق غربال من إمكانات في توجيه حركة البحث التاريخي؛ فإذا كان معروفًا عنه أنه كان موجهًا لتلاميذه في الاهتمام بموضوعات تاريخية، أو موجهًا لهم في الطريقة التي يتبعونها في الدراسة التاريخية فهو أيضًا يظهر هذا الميل عنده في بعض بحوثه ومقالاته التي تتضمن مشروعات علمية يهم البحث التاريخي إنجازها. ومن ذلك الخطة التفصيلية التي قدمها تحت عنوان: «مشروع خطة للعمل في مادة التاريخ الاقتصادي العربي»(1)، وكذلك مثل المشروع الذي قدمه تحت عنوان: « وجوب العودة للتأليف التاريخي على أساس الخطط»(2).ومثل هذه الخطط البحثية أو المشروعات العلمية لا زالت صالحة للتنفيذ؛ خاصة أنها لم تنل بعد حظها من البحث والإنجاز.

ثاني عشر ظهر من تراث شفيق غربال اهتمامه الكبير بالوثائق ونشرها وهو ما يتضح في ثنايا كتاباته، كما يظهر كذلك في محاضراته عن الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة 1801م، والتي أرفق بها ملحقًا وثائقيًا يشتمل على ترجمة عربية للوثائق المرتبطة بهذا الموضوع.

ثالث عشر كان لشفيق غربال إسهامٌ في تحقيق النصوص، ويأتي تحقيقه لنص «ترتيب الديار المصرية في عهد الدولة العثمانية»، لحسين أفندي الروزنامجي دليلاً ناصعًا على ذلك، والمتتبع لجهود شفيق غربال في خدمة هذا النص سيجد أنه: حرر النص، و قدم له، وعلق عليه، وشرح غوامضه، وكشَّفه... إلخ وهي من أهم خطوات التحقيق المعروفة. وتوضح آراء بعض المؤرخين الكبار في هذا العمل المكانة الكبيرة التي احتلها تحقيق هذا النص؛ وعلى سبيل المثال يذكر الدكتور أحمد عزت عبد الكريم أن شفيق غربال قدَّم بتحقيقه لنص الروزنامجي نموذجًا لنشر النصوص التاريخية نشرًا علميًا محققًا وفتح به ميدان البحث في تاريخ مصر في العصر العثماني(1)، كما يذكر الدكتور محمد أنيس أن شفيق غربال أثبت بتحقيقه لنص حسين أفندي أنه محقق للمخطوطات العربية من الدرجة الأولى(2).

رابع عشر لم يغب عن البحوث والمقالات الاهتمام بالجوانب التربوية والتعليمية، والتي كانت محورًا أساسيًا في حياة شفيق غربال الوظيفية منذ عودته إلى مصر بعد حصوله على درجة الماجستير وعمله في مدرسة المعلمين العليا قبل عمله بالجامعة ثم عمله كوكيل لوزارة المعارف. وهذا الاهتمام يظهر واضحًا منذ مقالته الأولى سنة 1928م عن تعليم التاريخ في المدارس الابتدائية، كما يظهر ذلك في دراسته عن الخبير التربوي السويسري «دور» . كما يتضح ذلك الاهتمام التربوي في المقالات العامة المرتبطة بالتعليم الجامعي وقضاياه وكذلك فيما أبداه من دفاع عن المدرسين المصريين...إلى غير ذلك.

خامس عشر تعكس مجموعة البحوث والمقالات أهم صفات شفيق غربال الأسلوبية من حيث ميله إلى: تجنب التفاصيل وسرد الحوادث، ولجوئه إلى التحليل والتركيب، والوضوح والعمق في دراسته لأية فكرة ضمن كتاباته؛ ولهذا كثيرًا ما نجد في كتاباته إعلاءً للتنظير وفلسفة الأحداث أكثر من مجرد عرض لمادة تاريخية مليئة بأحداث ووقائع وأشخاص وسنوات.

سادس عشر كتب شفيق غربال مقدمات لكثير من الكتب، بعضها مقدمات قصيرة لا تخلو من أهمية ودلالات مفيدة، وبعضها الآخر يُعتبر بحوثًا قائمة بذاتها، منها على سبيل المثال : مقدمته للترجمة العربية لكتاب «القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط» لأرشيبالد لويس، وكذلك مقدمته للكتاب الوحيد الذي قام بنقله إلى اللغة العربية وهو «المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر» للمؤرخ الأمريكي كارل بيكر. وتمتاز هذه المقدمات بالشمول، وتهيئة الذهن للموضوع؛ بل إن بعضها مما يغني الدارس غير المتخصص عن الإيغال في تفاصيل الموضوع ذاته(1).

* * *
هوامش
(1) شفيق غربال في ذمة التاريخ. جريدة الأخبار، 25 أكتوبر 1961م؛ يوميات. القاهرة، دار المعارف، ط2، 1985م، ج4 ص618.
(2) شفيق غربال ومدرسة التاريخ المصري الحديث، مجلة المجلة. السنة الخامسة، العدد 58، نوفمبر 1961م، ص15.
(1) مجلة مجمع اللغة العربية. القاهرة، 1962م، ج 15 ص155.
(1) محمد شفيق غربال: مصر عند مفرق الطرق 17981801م. مجلة كلية الآداب جامعة فؤاد الأول، المجلد الرابع، الجزء الأول، مايو سنة 1936م، ص6.
(2) أعلنت الجمعية الفلسفية عن قرب صدور هذا الكتاب ضمن مطبوعاتها، وذلك في ذيل كتاب : الحياة الروحية في الإسلام، لمحمد مصطفى حلمي، الصادر بالقاهرة عن دار إحياء الكتب العربية سنة1945م.
(3) محمد أنيس: شفيق غربال ومدرسة التاريخ المصري الحديث ، ص14؛ نقولا يوسف: أعلام من الإسكندرية. الإسكندرية، منشأة المعارف، 1969م، ص298. ويذكر البعض أن شفيق غربال حقق كتاب الجبرتي قبل سنة من إصدار كتاب«تكوين مصر» أي في سنة 1955م. انظر: سامي خشبة: مفكرون من مصر، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م، ص 199.
(4) أصدرت مكتبة النهضة المصرية الجزء الأول من هذا الكتاب سنة 1952م تحت عنوان: تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية. الجزء الأول بحث في العلاقات المصرية البريطانية من الاحتلال إلى عقد معاهدة التحالف 18821936م.
(1) انظر: الحوار الذي أجراه الأستاذ عبد التواب عبد الحي مع الأستاذ محمد شفيق غربال. مجلة الإذاعة. العدد 1192، السبت 18 يناير 1958م، ص 14.
(2) ص 247.
(3) أحمد عبد الرحيم مصطفى: شفيق غربال مؤرخًا.المجلة التاريخية المصرية. مج 11، 1963م، ص256.
(1) أحمد عزت عبد الكريم: [كلمته في تأبين محمد شفيق غربال بمعهد الدراسات العربية العالية]، ديسمبر 1961م. المجلة التاريخية المصرية. مج 19، 1972م، ص 19.
(1) محمد رفعت:[كلمته في تأبين محمد شفيق غربال بمعهد الدراسات العربية العالية]، ديسمبر 1961م. المجلة التاريخية المصرية. مج 19، 1972م، ص8.
(2) محمد أنيس: شفيق غربال ومدرسة التاريخ المصري الحديث، ص13.
(1) صدر هذا الكتاب أولاً بالإنجليزية تحت عنوان:“The Making of Egypt” عن إدارة الثقافة بوزارة التربية والتعليم سنة1956م.ثم قام شفيق غربال بترجمته إلى العربية بمعاونة صديقه المؤرخ محمد رفعت، وصدر عن مكتبة النهضة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.