افتتح د. صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية أمس معرض "قرب الأرض" للفنان د. عبدالوهاب عبدالحسن في قاعة "الباب" بمتحف "الفن المصري الحديث" بالآوبرا، الذي قدم خلاله مجموعة من أعماله الفنية بالقلم الرصاص مثلت جميعها مشاهد من بحيرة "البرلس". قدم الفنان أغلب أعمال هذه التجربة في معرض سابق له في "أتيلية الإسكندرية" تحت عنوان "ناس البحيرة"، والذي تناول خلاله الأسماك، المياه، الطيور والأعشاب، بالإضافة لتسرب الأشخاص إلى قليل من الأعمال بحياء شديد. وقال الفنان ل"محيط" أنه لم يرى الأشخاص أثناء رسمه للبحيرة طوال الوقت؛ ولذلك فناس البحيرة هم الأعشاب والأسماك المتواجدين بداخل البحيرة، مع حالة التوحد بين الأشخاص والسمك والأعشاب؛ ولهذا فالناس في المعرض جاءت بمعنى الحالة الإنسانية الموجودة في البحيرة بين عناصرها المختلفة، فمن الممكن أن تكون الأعشاب، الطوب، الطمي، المياه، وجميعهم يعتبروا مجتمع البحيرة. أما عن اختيار الفنان للقلم الرصاص كي يرسم به جميع أعمال المعرض؛ فذلك لأنه رأى أن خامة الرصاص تحتاج حالة من التعبير النقي الذي لا يحمل أي وسائط أو شوائب أو حواجز، وهذا ما ينطبق على تجربة الفنان في هذا المعرض؛ حيث انعكس إحساسه بالبحيرة وعناصرها مباشرا على سطح اللوحة دون أي افتعال، وبدت تلك العناصر وكأنها دراسات لكل عنصر، يهتم الفنان به ويرسم كل منه على حدا كما لو كان بورتريه له منفصلا عن باقي عناصر اللوحة، فالأعشاب تخرج من سطح البحيرة مرسومة ببراعة شديدة، وكذلك الطيور، والأسماك التي استقلت بعض اللوحات منفصلة، أو كبرت وبالغ الفنان في حجمها. ويرى عبد المحسن أن البحيرة هي رمز للعالم الذي يعيشه، وأنها المحيط الذي يغرق فيه الإنسان ويعيش ويأكل منه. وأشار عبدالمحسن ل"محيط": "منذ عام 2000 بدأت تجربة البحيرة.. تناولتها بالعديد من التقنيات والوسائط، منها الحفر على الخشب، التصوير الزيتي، التجهيز في الفراغ، الكمبيوتر جرافيك، الرسم بالصبغات والقلم الرصاص، وأخيرا معرضي هذا بالقلم الرصاص منفردا. كانت بحيرة "البرلس" بالنسبة لي ملاذا دائما حينما تتأزم الرؤيا عندي وتضيق الدنيا بالأحداث ولا أملك حيلة غيرها. حينها يصبح براح البحيرة بسحره وأساطيره وامتداد أفقه ملاذي الذي يحقق لي الأمان البصري، ويعطيني الراحة ويحثني على التأمل والاستغراق في إيقاعاته وألوانه ورائحته، وفي كل مرة ألاحظ استبعادي للبشر من المشهد دون تعمد، فلا أرى سوى البحيرة فقط التي هي أساس كل شيء بصمتها وصخبها.. بأعشابها ولمعانها.. ببرودتها ودفئها. كل مرة أتناول بحيرة "البرلس" أقف عند سطحها الذي يحكي كل الأسرار؛ فسطح الماء مرسوم عليه كل شيء، عليك فقط أن تتأمله وتتواصل بصدق وتكون أنت لا. أحد آخر. وأرسم ما تراه وما تحسه ببساطة.. فقط أرسم ما يعن لك وما عليك، إلا أن تعرف بأي الأدوات تعزف لحنها المميز؛ لتتوفر لك خصوصية التواصل والتعبير وتحديد المسافة التي ستعبر عنها ومنها. هي بحيرتي وأنا، أوجدنا الله معا في هذا المكان والزمان. هي تقول وأنا رسولها للعابرين عليها، سأرسمها وسأظل أرسمها لأقربها أكثر من القلوب، وأوصلها لمن لا يستطيع الحج إليها، وأحاول أن أنقل خلودها في أعمالي لعي أستطيع". وعن المعرض يقول د. صلاح المليجي : " استطاع عبدالوهاب عبدالمحسن بحرفيته العالية وإحساسه المرهف أن يبهر الجميع بقدرته على الإبحار بعيداً إلى ما وراء المادي والمحسوس إلى فضاءات أكثر رحابه بعيداً عن الأُطر التقليدية عندما يلجأ الفنان إلى حوارٍ مع الطبيعة، فجاءت لوحاته مزجاً فريداً بين الواقع والتجريد، تاركاً للمتلقي حرية الإنطلاق معها إلى أقاصي المعاني وأسماها لأنه عندها فقط سيُدرك تلك الحالة الوجدانية والفريدة بينه وبين محبوبته بحيرة البرلس". وتقول د. أمل نصر : " هو طرحاً جديداً لفكرة المشهد الطبيعي من منظور أكثر جدة وحداثة ينقله من طابعه الوصفي ليحيله إلى حالة وجدانية خاصة تنضح بها جميع الأعمال، فهو يهرب إلى البحيرة كأنه يرتاح معها من وطأة إيقاع المدينة اللاهث المضجر الذي يغتال أرواحنا ببطء وبلا ضمير. يذكر أن المعرض يستمر حتى 24 فبراير.