يفاجئ زوار معرض الفنان عبد الوهاب عبد المحسن الجديد، المقام حاليا في "أتيلية" الإسكندرية بعنوان "ناس البحيرة"، منذ الوهلة الأولى، بأن لوحات المعرض لم تضم أشخاصا كما توقعوا، بل تضم السمك، المياه، الطيور والأعشاب، بالإضافة لتسرب الأشخاص إلى قليل من الأعمال بحياء شديد؛ فهؤلاء هم مجتمع البحيرة الذي قصده الفنان. علل الفنان ذلك بأنه لم يرى الأشخاص أثناء رسمه للبحيرة طوال الوقت؛ ولذلك ف"ناس البحيرة" في المعرض لم تعني البشر فقط، بل الأعشاب والأسماك المتواجدين بداخل البحيرة، مع حالة التوحد بين الأشخاص والسمك والأعشاب؛ ولهذا فالناس في المعرض جاءت بمعنى الحالة الإنسانية الموجودة في البحيرة بين عناصرها المختلفة، فمن الممكن أن تكون الأعشاب، الطوب، الطمي، المياه، وجميعهم يعتبروا مجتمع البحيرة. أما عن اختيار الفنان للقلم الرصاص كي يرسم به جميع أعمال المعرض؛ فذلك لأنه رأى أن خامة الرصاص تحتاج حالة من التعبير النقي الذي لا يحمل أي وسائط أو شوائب أو حواجز، وهذا ما ينطبق على تجربة الفنان في هذا المعرض؛ حيث انعكس إحساسه بالبحيرة وعناصرها مباشرا على سطح اللوحة دون أي افتعال، وبدت تلك العناصر وكأنها دراسات لكل عنصر، يهتم الفنان به ويرسم كل منه على حدا كما لو كان بورتريه له منفصلا عن باقي عناصر اللوحة، فالأعشاب تخرج من سطح البحيرة مرسومة ببراعة شديدة، وكذلك الطيور، والأسماك التي استقلت بعض اللوحات منفصلة، أو كبرت وبالغ الفنان في حجمها وكأنه يسلط الضوء عليها كأحد عناصر ناس البحيرة وبطل من أبطالها. ولم يقصد عبد المحسن أن يعرض كلا المعرضين المقامين له حاليا في نفس الموعد؛ لكن السبب في ذلك هو تأجيل معرض "المرايا" ستة أشهر، والذي افتتح منذ حوالي أسبوعين بفندق "كمبنسكي" ونظمته له قاعة "الفن" بالزمالك، وتناول أيضا فيه البحيرة ولكن بخامة الصبغات. والفنان لم يقبل على فكرة جمع المعرضين في معرض واحد كتجربة واحدة عن البحيرة، لكنه بصدد التفكير في إقامة معرضا كبيرا عن البحيرة يعرض خلاله كل الوسائط التي استخدمها في تناولها، على أن يختار بعض من الأعمال من كل تجربة على حدا. ويرى عبد المحسن أن البحيرة هي رمز للعالم الذي يعيشه، وأنها المحيط الذي يغرق فيه الإنسان ويعيش ويأكل منه. ويقول الفنان عن المعرض: "منذ عام 2000 بدأت تجربة البحيرة.. تناولتها بالعديد من التقنيات والوسائط، منها الحفر على الخشب، التصوير الزيتي، التجهيز في الفراغ، الكمبيوتر جرافيك، الرسم بالصبغات والقلم الرصاص، وأخيرا معرضي هذا بالقلم الرصاص منفردا. كانت بحيرة "البرلس" بالنسبة لي ملاذا دائما حينما تتأزم الرؤيا عندي وتضيق الدنيا بالأحداث ولا أملك حيلة غيرها. حينها يصبح براح البحيرة بسحره وأساطيره وامتداد أفقه ملاذي الذي يحقق لي الأمان البصري، ويعطيني الراحة ويحثني على التأمل والاستغراق في إيقاعاته وألوانه ورائحته، وفي كل مرة ألاحظ استبعادي للبشر من المشهد دون تعمد، فلا أرى سوى البحيرة فقط التي هي أساس كل شيء بصمتها وصخبها.. بأعشابها ولمعانها.. ببرودتها ودفئها. كل مرة أتناول بحيرة "البرلس" أقف عند سطحها الذي يحكي كل الأسرار؛ فسطح الماء مرسوم عليه كل شيء، عليك فقط أن تتأمله وتتواصل بصدق وتكون أنت لا. أحد آخر. وأرسم ما تراه وما تحسه ببساطة.. فقط أرسم ما يعن لك وما عليك، إلا أن تعرف بأي الأدوات تعزف لحنها المميز؛ لتتوفر لك خصوصية التواصل والتعبير وتحديد المسافة التي ستعبر عنها ومنها. هي بحيرتي وأنا، أوجدنا الله معا في هذا المكان والزمان. هي تقول وأنا رسولها للعابرين عليها، سأرسمها وسأظل أرسمها لأقربها أكثر من القلوب، وأوصلها لمن لا يستطيع الحج إليها، وأحاول أن أنقل خلودها في أعمالي لعي أستطيع". مواد متعلقة: 1. عبدالوهاب عبدالمحسن يكشف عن سحر "البحيرة" في معرضه الأخير بكمبنسكي (صور+ فيديو)