تساؤلات عديدة تدور الآن في أذهاننا حول تغير موقف الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور والمنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني من الحوار الذي دعا له الرئيس محمد مرسي من قبل ، والذي قوبل بالرفض ، إلا أن الموقف قد تبدل الآن بالمبادرة التي أطلقها البرادعي والتي يدعو فيها إلى وقف العنف وعقد اجتماع بين الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية والحزب الحاكم والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ لاتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف وبدء حوار جاد". ويختلف المواطنون حول الأسباب التي أدت إلى تغير موقف البرادعي والتي يرجعها البعض إلى الاستجابة لضغوط خارجية بينما يرى آخرون أن هذه المبادرة لا جدوى لها لأنها مبادرة مشروطة بنفس الشروط التي عرضتها جبهة الانقاذ الوطني من قبل عندما دعا مرسي المعارضة للحوار والتي تأتي في مقدمتها تشكيل حكومة انقاذ وطني ، كما فسر البعض هذه المبادرة بالتناقض في المواقف.
دعوة فردية
وأثارت هذه المبادرة ردود أفعال متباينة سواء على مستوى القوى السياسية ، أو على مستوى الافراد أو المواطنين . كما تباينت ردود الأفعال داخل جبهة الإنقاذ الوطني نفسها والتي ينتمي إليها البرادعي ، فبينما رحب الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد، بالمبادرة أصدر حزب التجمع، بياناً أعلن فيه أنها مبادرة شخصية من الدكتور محمد البرادعي، ولم تطرح للنقاش داخل الجبهة، كما رفضت الجمعية الوطنية للتغيير المبادرة ووصفتها بالدعوة الفردية.
واتفقت جميع الأطراف داخل الجبهة على ضرورة توافر ضمانات لبدء أي حوار مع الرئاسة، وتتمثل هذه المطالب في إلغاء حالة الطوارئ التي فرضها مرسي في محافظات السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وإعلان مسؤوليته السياسية عن الدماء التي أريقت خلال الأيام الماضية، إضافة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني واختيار لجنة لتعديل المواد المختلف عليها في الدستور.
إضافة إلى إلغاء الآثار المترتبة على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومنها إقالة النائب العام الذي عينه الرئيس مرسي وضمان الاستقلال الكامل للقضاء.
فيما اعتبر المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وكيل مؤسسى الحزب الاشتراكى المصرى، عضو جبهة الإنقاذ، دعوة البرادعي اجتهادا شخصيا منه في محاولة للخروج من الأزمة، مشيرا إلى أنها لا تختلف كثيرا عما أعلنته الجبهة في مؤتمرها الصحفي الأخير، والذي شددت فيه على ضرورة وجود ضمانات حقيقية لتنفيذ آلية الحوار، مشددًا على أن موقف الجبهة لن تتغير ولكنها متمسكة بالحوار.
شروط مجحفة
واعتبر الدكتور جمال حشمت عضو مجلس الشورى، عن حزب الحرية والعدالة، أن دعوة البرادعي مرهونة بشروط مجحفة، ولا تصب في صالح الوطن على الإطلاق، متهما جبهة الإنقاذ بالبحث عن الصعوبات لإضعاف فرص الجلوس على مائدة الحوار، مبديا تعجبه من تلك الشروط.
وأكد حشمت أنه لا يمكن لأحد أن يأخذ تعهدا على الرئيس، خاصة أنه منتخب والغالبية العامة من الشعب تتفق على خطواته، مضيفا أن إقالة حكومة الدكتور هشام قنديل كانت مطروحة ولكن تم التراجع عنها لعدم توافر البدائل من الأحزاب، ورفعت يدها عن تقديم شخصيات ذات قدرة على إدارة الدولة، لافتا إلى أن أزمة النائب العام ليست في تعيين النائب العام الحالي ولكن فى إقالة السابق، وعلى حزب النور أن يدرس خطواته جيدًا ولا ينتهج سياسة الجبهة.
وانتقد الدكتور طارق قريطم عضو الهيئة العليا لحزب الوسط مبادرة البرادعي، خاصة أنها جاءت بعد رفض الحوار منذ يومين متهما إياه هو ومؤسسة الرئاسة بالاشتراك في حالة الارتباك والتخبط التي تعيشها مصر حاليا، معبرا عن أمنيته أن تكون دعوة البرادعي جادة.
وتعجب قريطم من علاقة دعوة البرادعي للحوار وبين اجتماعات جبهة الإنقاذ مع حزب النور وموافقته على ما طرحه، وقال: "نحن نستغرب من موافقة أكثر الأحزاب يمينية مع طرح أكثر التيارات معارضة، خاصة في ظل تجاهل البرادعي لمبادرة أحزاب الاتجاه الوسطي، مطالبًا مؤسسة الرئاسة بدعوة جميع الأطراف لحضور اللقاء.
كما انتقد عبد الحميد بركات نائب رئيس حزب العمل وعضو مجلس الشورى، مبادرة البرادعي قائلا :"كان أولى بالدكتور البرادعي تلبية دعوة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية، وعدم فرض أي شروط مسبقة للحوار".
وأضاف بركات في تصريح خاص لشبكة الإعلام العربية "محيط" : "أن الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية حوار جاد، إلا إذا كانت جبهة الإنقاذ ترى خلاف ذلك ، وأن الضمانات الوحيدة الحوار هو الجلوس على طاولة حوار، وتعهد رئيس الجمهورية بتنفيذ نتائجه.
دعوة للقتل
وتعليقا على المبادرة قال عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط انه حين يتم الهروب من تلبية الدعوة غير المشروطة للحوار، وبحضور القوى السياسية دون إقصاء، ويتم دعوة جديدة إقصائية لعددٍ من القوى المختلفة، ويتم استبدالها باستدعاء مريب لأجهزة الدولة التنفيذية التى طلقت السياسة بالثلاثة، وأصبح انتماؤها فقط للشعب، ثم التلويح من بعيد بورقة العنف، فإنها دعوة طبق الأصل من دعوة أحمد شفيق للحوار بالبونبون، بمجلس الوزراء، وعلى بعد أمتار منها كانت تجرى عملية سحق وسحل وقتل لنا بميدان التحرير يوم 2 فبراير 2011م بواسطة خيول وجمال وبلطجية الحزب الوطنى.
وأشار علي صفحته الشخصية علي فيس بوك إلي أن هذه دعوة للقتل يوم الجمعة القادم، وليست للحوار، داعيا على كل من تسبب فى إراقة الدماء باللعنة.
المتظاهرون والمبادرة
وفى رد فعل سريع من المتظاهرين بميدان التحرير، أعلن القائمون على منصة الميدان عن رفضهم لمبادرة البرادعى ، مؤكدين أن جبهة الإنقاذ لا تمثلهم ، ولا تفاوض مع النظام الحالى إلا بعد إسقاطه، وقال متظاهرون "إن الساسة المتفاوضين مع الرئاسة باسم الثورة، لا يعبرون إلا عن توجهاتهم ومصالحهم الحزبية فقط".
وفى المقابل، اعتبر البرلمانى السابق محمد أبو حامد مبادرة البرادعى بمثابة "تراجع أمام تهديدات الإسلاميين"، قائلا "جبهة الإنقاذ لا تمثل الشارع الغاضب ولا تمثل سوى نفسها، والتراجع أمام التهديدات لن يؤدى إلا لتمادى فى البلطجة".
وأضاف أبو حامد موجها رسالته إلى الدكتور محمد البرادعى قائلا "إلى البرادعى لا تعطى طوق نجاة سياسى لهذا النظام الفاسد بجلوسك معه، وتعلموا من تجربة التاريخ فهم لا كلمة ولا ذمة لهم فلم تأخذ منهم شيئ"، مضيفا "لا تخيب أمال الشباب فيك، إذا تحاورت مع قتلة فأنت تعطى شرعية للقتل والبلطجة".
وجاء ذلك عبر تغريدة أبو حامد على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، وقال أبو حامد فى رسالة أخرى للشعب المصرى "إلى الشعب المصرى لا تفاوض مع الإرهاب فالتفاوض معه يعطيه شرعية ويقويه".
ترحيب سلفي
في المقابل، أشاد أشرف ثابت عضو الهيئة العليا لحزب النور، بمبادرة البرادعي، مؤكدا أن حزب النور يسعى إلى إحداث التوافق بين الرئاسة وجبهة الإنقاذ باعتبارها تمثل الكتلة الأكبر من المعارضة، وحتى يتسنى الوقوف على أرضية مشتركة بين كافة الإطراف.
بينما تساءل الدكتور يسرى حماد القيادى بحزب "الوطن" السلفى، عن مبرر دعوة البرادعى، كلا من وزارتا الداخلية والدفاع للحوار الوطنى، قائلا :"نرحب بأى دعوة للحوار لكننا لا نفهم سبب دعوة البرادعى للحوار مع الرئيس بحضور وزيرى الدفاع والداخلية، فما الهدف من إقحام العسكريين فى الاجتماع؟.
وأضاف حماد الدعوة يجب أن توجه للرئاسة والأحزاب فقط، أما السلطة التنفيذية "الداخلية والدفاع" فيمثلهما ويترأسهما الدكتور محمد مرسى.
ولم يستبعد حماد قبول الحوار مع جبهة الإنقاذ بشكل عام، قائلا "حزب الوطن يعظم قيمة الحوار والنقاش حول الأزمة الحالية، للوصول إلى توافق يمكننا من العبور بمصر من هذه الأزمة، ولا شىء صعب فى المجال السياسى طالما كان فى مصلحة البلاد".
الجماعة ودعم الحوار
وعن موقف الاخوان من المبادرة أكد ياسر محرز المتحدث الإعلامى باسم جماعة الإخوان المسلمين، أن الجماعة تدعم أي حوار جاد، وأي مبادرة تعمل في مسار يؤدى إلى إنهاء حالة العنف والبلطجة الموجودة فى البلد من قبل البعض.
وأضاف المتحدث باسم الجماعة، أن جماعة الإخوان ترحب وتدرس كافة المبادرات الساعية لوقف العنف، مشيراً إلى أن هناك قوى وجهات لا تريد لمصر أن تستقر، وهى تدعم ما يحدث فى البلد بشدة، وهم ضد العنف الحاصل، ومع لم الشمل.
وقال محرز، إن جماعة الإخوان تدرس جميع المبادرات التى تطرح على الساحة المصرية بشكل جاد، للخروج من الأزمة الحالية وللتوافق مع القوى السياسية فى الفترة القادمة، مشددا، أن الجماعة تدعم الحوار الجاد الهادف الذى ينهى حالة الاحتقان.
من جانبه أكد الدكتور كمال الهلباوى القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين، ان مبادرة الدكتور محمد البرادعى ببدء حوار جاد بين الرئيس مرسى وجبهه الإنقاذ الوطنى وجماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفى وبحضور وزيرى الدفاع والداخلية تضاف لعدد من المبادرات التى طرحتها القوى الوطنية لوقف العنف وبدء حوار وطنى جاد وتم تجاهلها من جانب الرئاسة.
وطالب الهلباوى الرئاسة والحكومة بالتفاعل الجاد مع مبادرة البرادعى وحزب النور السلفى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح تفاديا للعنف وإراقة الدماء بعد أن سقط فى ذكرى الثورة أكثر من 30 شهيدا، مؤكدا أنه إذا لم يتم التفاعل مع هذه المبادرات بحوار جاد ذات أجندة محددة وآليات محددة لتنفيذ توصيات الاجتماع ستزداد الأوضاع سوءا.
وحول مطالبة البرادعى بحضور وزير الدفاع لحوار القوى السياسية مع الرئاسة قال الهلباوى، إن وزير الدفاع طرفا مهما فى المعادلة السياسية، وليس بعيدا عن الشورى بعد أن أكد أن استمرار الصراع يهدد الأمن القومى للبلاد، وعلى الجيش أن يكون طرفا فاعلا ومهما فى الحوار خاصة وأنه حاضر فى الشارع ويتعامل بشكل مباشر مع غضب الجماهير.
وأضاف الهلباوى، أن الوطن ملك لكل العناصر المكونة له وعلينا أن نكون شركاء جميعا فى القرار وأن تبدأ السياسية بتغيير سياسات الحوار مع القوى السياسية ليكون حوارا جديا وفاعلا .