يتصدر الملف الاقتصادي جدول أعمال اجتماعات رئيس عمر البشير السودان وجنوب السودان سلفاكير المقرر عقدها بالعاصمة الأثيوبية نهاية الخميس القادم. وقال متابعون لملف المفاوضات بين البلدين: "إن مزيدا من الانتظار لإنعاش اقتصاد دولتي السودان وجنوب السودان يفرضه اجتماع القمة بين الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت المقرر له 24 يناير الحالي بأديس ابابا ويخصص لحسم القضايا الخلافية بين البلدين".
ويقع على رأس هذه القضايا استئناف تصدير نفط جنوب السودان عبر شمال السودان والتي جاءت ضمن حزمة من الاتفاقيات صادق عليها الرئيسين في سبتمبر الماضي لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب إشتراط الخرطوم وقف الدعم الذي تقدمه جوبا للمتمردين عليها أولا .
وفي 5 يناير الماضي عقد الرجلين قمة بأديس ابابا أحرزت تقدما جزئيا، حيث التزم سلفاكير بكتابة خطاب إلى الوسيط الأفريقي يؤكد فيه فك الارتباط بين حكومته ومتمردي الحركة الشعبية بقطاع الشمال الذين يحاربون الجيش السوداني في مناطق متاخمة للجنوب .
وبناء على ذلك كلفت اللجنة الأمنية المشتركة بين البلدين بمناقشة التفاصيل الفنية اللازمة لإنفاذ الاتفاق الأمني الذي يمنع أي طرف من دعم المتمردين على الطرف الآخر، وينص كذلك على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كيلومتر في حدود كل منهما .
ومنذ الاثنين الماضي دخلت اللجنة في اجتماعات متواصلة بأديس أبابا دون الإعلان عن نتائجها خصوصا فيما يلي قضية دعم المتمردين وفك الارتباط ما بين جوبا ومتمردي قطاع الشمال الذين انحازوا للجنوب في حربه ضد الشمال ما بين عامي 1983 – 2005 رغم انتمائهم جغرافيا للشمال.
واستحوذ جنوب السودان على 75% من حقول النفط بعد انفصاله في يوليو 2011، بينما استحوذ السودان على البنية التحتية اللازمة لعمليات النقل والتكرير والتصدير حيث لا يمتلك الجنوب منفذا بحريا أو مصفاة.
وأوقف جنوب السودان إنتاجه النفطي "350 الف برميل يوميا" في يناير الماضي بسبب خلافه مع الخرطوم حول رسوم النقل والتكرير والتصدير، لكن الطرفين اتفقا في سبتمبر الماضي على رسم ما بين 9 - 11 دولارا للبرميل الواحد حسب الحقل المنتج منه، فضلا عن 3 مليار و28 مليون دولار تدفعها جوبا للخرطوم لتعويضها عن خسارتها لحقول النفط بواقع 15 دولار عن أي برميل نفط لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
وقال الدكتور عثمان البدري أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم لوكالة "الأناضول" للأنباء اليوم الخميس، أن شرط الخرطوم لاستئناف تصدير النفط عمليا وعادلا ،لأنه لا يمكن أن تكون هناك حربا بين البلدين وفي ذات الوقت تعاونا اقتصاديا بينهما .
وعن المقترح الذي قدمه وفد الكونجرس الأمريكي لجوبا عند زيارته لها أمس بأن تتجاهل خطوط الأنابيب الشمالية وتصدر نفطها الخام بالشاحنات عبر أثيوبيا، قال البدري: "إن المقترح ليس له اي جدوى اقتصادية في عالم النفط ولم يطرح أو ينفذ من قبل".
ورأى البدرى أن الاقتراح مجرد محاولة لتخويف دولة السودان بأنه سيفقد عائدات النفط ولا يتعدى الحديث السياسي الذي لا قيمة له عند الاقتصاديين.
وأوضح البدري أن الطرفين يحتاجان للنفط ويتوجب عليهم الاتفاق بعيدا عن ضغوط المجتمع الدولي لجهة أن مصالح الدول الكبرى تتعارض، وبالتالي تعقد القضايا الخلافية بينهما.
من جهته قال الخبير الاقتصادي السر سيد أحمد لمراسل وكالة الأناضول للأنباء اليوم الخميس أن استئناف تصدير النفط يسهم في تغطية عجز الموازنة العامة للسودان البالغ 10 مليار جنيه بالنظر إلى مبلغ الثلاث مليار دولار و28 مليون دولار الذي ستدفعه جوبا للخرطوم مع رسوم تصدير النفط .
لكن أحمد استطرد قائلا: "الأمر يحتاج لشهور باعتبار أن الخطوات الفنية لإعادة إنتاج النفط تحتاج لشهور فضلا عن مواعيد سداد قيمته من قبل الموردين".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الأزمة الحالية في البلدين هي سياسية بالدرجة الاولى وليست اقتصادية لانعدام الثقة بين الدولتين وهو ما جعل الخرطوم تشترط إنفاذ الاتفاق الأمني أولا ،وبالتالي يجب معالجتها من هذه الزاوية حتى تستقر الأوضاع بشكل دائم .
ونبه إلى أن تأمين الحدود واستئناف التجارة الحدودية يسهم في تحسن الأوضاع الإقتصادية بالشمال باعتبار أن الجنوب يعتمد على الشمال في تغطية كثير من وارداته الأساسية.
ومنذ انفصال جنوب السودان وفقدان السودان لعائدات النفط التي كانت تسهم بأكثر من 50 % من إيراداته العامة وتمثل المورد الأساسي لتوفير العملة الصعبة لتغطية وارداته انخفضت قيمة الجنيه السوداني لمستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي.
ويتحرك سعر صرف العملة الامريكية حاليا ما بين 6.5 إلى 7 جنيه سوداني في السوق السوداء ،بينما كانت تبلغ قبل انفصال الجنوب ثلاث جنيهات.
وبلغت نسبة التضخم في السودان 44.4 % في ديسمبر الماضي .
ويمثل النفط 98 % من إيرادات دولة جنوب السودان الذي يعتمد منذ يناير الماضي على الدول المانحة لتغطية نفقاته .
وكانت هذه الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدة قد وجهت انتقادات قاسية وعلنية لجوبا بسبب قرارها الانفرادي بوقف إنتاج النفط.