يقول عوف رضي الله عنه: أتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قُبّة من أَدَم، فقال: (اعدد ستاً بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتَان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) رواه البخاري، والأَدَم: هو الجلد، والغاية: الراية. هنا نرى النبي –صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بست علاماتٍ تحدث من بعده وكلّها من أشراط الساعة، أما وفاته عليه الصلاة والسلام فكان في السنة الحادية عشرة من الهجرة، وأما فتح بيت المقدس فكان على يدي الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- سنة خمس عشرة للهجرة، وبعدها "الموتان" الذي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بحلوله وحدوثه.
والموتان: بضم الميم وسكون الواو، وقيل: موتان بفتح الميم والواو، وفيها لغة أخرى: فتح الميم وإسكان الواو، وهي بمعنى انتشار الموت في الناس كانتشار النار في الهشيم، وقد شبّهه النبي –صلى الله عليه وسلم- بعقاص الغنم، وهو داءٌ يصيب الغنم، فيسيل من أنوفها شيء، ثم لا تلبث أن تموت.
يقول أحد شرّاح الحديث: "أراد بالمُوتان الوباء، وهو في الأصل موت يقع في الماشية، والميم منه مضمومة، واستعماله في الإنسان تنبيهٌ على وقوعه فيهم وقوعه في الماشية، فإنها تسلب سلباً سريعاً".
وحتى نفهم أكثر طبيعة هذا المرض الرهيب، يحسن بنا العودة إلى المراجع الطبيّة التي بيّنت حقيقة هذا المرض، فقد وصفوا الطاعون بأنه عدوى تهدد حياة الإنسان، ومنشأ هذه العدوى بكتريا تُعرف باسم "يرسِينيا بيستيس" Yersinia pestis، وتتواجد هذه البكتيريا في أجساد بعض القوارض كالفئران والجرذان، ثم يأتي دور البراغيث التي تصاب بها ثم تقوم بدورها في نقل عدوى الطاعون إلى الناس. مواد متعلقة: 1. لماذا التشاؤم في شهر "صفر" ؟! 2. الحرمان من "الجنة"