قرر الرئيس محمد مرسي أن يكون مستبداً لبضعة أيام، هي الفترة ما بين إصداره الإعلان الدستوري الأول في الشهر الماضي إلى الإعلان الدستوري الصادر مؤخراً بعد يوم حافل من الحوار الوطني في مقر الاتحادية بمشاركة رموز وطنية كبيرة.
وبالإعلان الدستوري الأخير يكون الرئيس مرسي قد "تنازل بعزّة" للسلطة القضائية على حد تعبير أحد القضاة الذين تراجعوا عن موقفهم من عدم الإشراف على الاستفتاء على الدستور ، بعد صدور الإعلان الدستوري الأخير.
ولعلنا نلاحظ أن الرئيس محمد مرسي اعتاد أن يفاجأ المراقبين على مدار الأشهر القليلة الماضية من فترة رئاسته بقرارات وخطوات غير متوقعة داخلياً وخارجياً.
فكلنا يتذكر المحاولات المستميتة من أنصاره في مصر وخارجها لمنعه من زيارة طهران لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز ، فإذا بمن دعوه للغياب يشكرونه على حضوره بعد كلمته المفاجئة هناك.
كذلك لما شنت عدوانها على غزة الدولة العبرية – أو الدولة المعتدية على حد تعبير الرئيس مرسي الذي يرفض ذكر اسمها – كان أكثر المتابعين المصريين بين تخوفين ، أن تنجر مصر الثورة إلى حرب هي ليست مستعدة له في حين لازلنا نحتمل تكاليف هزيمة 1967 قبل 45 عاما، أو أن تقف موقف المتفرج على أهل غزة تحت القصف الوحشي، فإذا بهدنة بين الطرفين تتحقق بضمانات من الرئيس المصري وإشراف منه، فيخرج فائزاً بدلاً منه خاسراً.
وعلى الصعيد الداخلي كان أبرز مفاجآت الرئيس مرسي موقفه من الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري بإيعاز من مستشاريه لضمان بقائه في الواجهة السياسية، وكانت مطالب الثورة من الرئيس هي إسقاطه الإعلان المكمل باعتبار ذلك من صلاحياته فإذا به في ليلة القدر يسقط الإعلان الدستوري ويحيل وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى التقاعد في مفاجأة غير متوقعة إلى التقاعد، حتى علق أحد المدونين وقتها بان مرسي : مش بتاع صلاحيات مرسي بتاع مفاجآت!
وقبلها بأيام استفادته من حادث رفح الأليم في خلع مدير المخابرات ورئيس الحرس الجمهوري الذين تم تعينهما من قبل الرئيس المخلوع.
ولم يكن الإعلان الدستوري الذي أصدره الشهر الماضي خارجا عن سلسلة مفاجآت الرئيس مرسي، فهو كان يعلم بمدى المعارضة الشديدة التي سيواجهها خلال الأيام التي سيظل الإعلان فيها سارياً، ولذلك ضمن فيه المادة السادسة التي تتيح له اتخاذ أية إجراءات لضمان الوحدة الوطنية وسلامة البلاد.
كان واضحاً أن يستهدف من هذا الإعلان تحويل خطط منافسيه بعيداً عن ساحات القضاء والمحكمة الدستورية التي تنظر حل الجمعية التأسيسية كما حلت مجلس الشعب، فيعود الوضع السياسي إلى المربع الأول، وهكذا تظل فترة رئاسة مرسي عبارة عن أوضاع انتقالية ليس أكثر.
ولما انتهت الأهداف التي كان يسعى إليها مرسي من الإعلان الدستوري المثير للجدل والقلاقل، وذلك بالانتهاء من مسودة الدستور وبدعوته الناخبين للاستفتاء عليه، جاء دور إلغائه عبر حوار وطني، ولم يظهر مرسي في الصورة هذه المرة فقد تم له ما أراد وترك الباقي لمساعديه وللرموز الوطنية التي شاركت الحوار وأعلنت إلغاء الإعلان الدستوري الذي قذفه مرسي في وجه مناوئه ليربك خصومه المخططين له في ساحات القضاء ويشغلهم بالظهور على شاشات الفضائيات.
تحصين القرارات مرفوض تماماً مهما كانت الفترة، لكن الرئيس مرسي قد تنازل الآن عن الحصانة التي لم يعد بحاجة إليها، فكان أقرب إلى اللاعب الماهر وليس الرئيس الديكتاتور، ولعله قد نجح حتى الآن بإدارة أزمة الدستور الجديد على طريقة الإدارة بالأزمات أو ما يطلق عليه في الأدبيات العامية المصرية "كرسي في الكلوب" بمهارة تحسب له. لكن الأمر لم يسلم من غياب توافق وطني واسع على الأقل على المستوى النخبوي كنا نتمنى أن نراه ، والأهم من ذلك وقوع عدد من الضحايا في اشتباكات فرقاء الثورة، بعد أن اندسّ بينهم الفلول. رحم الله الجميع! www.facebook.com/Basyony.Komsan