بقلق شديد يراقب الرأي العام الأردني تلويحات الحكومة بتحرير أسعار المشتقات النفطية الأمر الذي سينتهي بإرتفاع أسعار كل شيء في البلاد . فقد تسارعت ردود فعل الشارع الأردني على كل المستويات تجاه المرتقب فيما يتعلق برفع الأسعار فيما بدأت تنقص في الأسواق بعض السلع الأساسية التي أعلنت الحكومة أنها سترفعها قبل تعهد وزير المالية بألا يتأثر سعر رغيف الخبز بالأسعار الجديدة.
انتحار سياسي
ويحذر سياسيون كبار ومعهم العديد من الهيئات الحزبية من كارثة إجتماعية وحالة إحتقان شديدة في حال الإصرار على رفع الأسعار فيما تترقب جميع مؤسسات الدولة ردود فعل الشارع خلال الأيام القليلة المقبلة.
وتزايدت خلال اليومين الماضيين في الأردن التحذيرات من تداعيات قرار وقف دعم المشتقات النفطية ورفع الأسعار، وانسحبت على أطراف وسطية وموالية لفت بعضها إلى تجميد ملك البلاد عبد الله الثاني قراراً مشابها نزع فتيل أزمة في عهد الحكومة الراحلة بقيادة رئيس الوزراء السابق فايز الطراونة .
ورأت اللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين اعتماد رفع الأسعار في هذه الظروف "البالغة الحساسية" بمثابة انتحار سياسي سيؤدي إلى نتائج عكسية على كافة الأصعدة ويدخل البلاد في فوضى لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها.
وقالت اللجنة :"يجب اتباع العزل السياسي ضد جميع الذين شاركوا في رسم السياسات وإصدار القرارات التي أوصلتنا إلى الأزمات التي يعاني منها الشعب الآن". وتابعت :"إن الأردنيين سئموا التهريج بكافة أشكاله ومن غير المعقول أن يتدبر أمرنا من يعانون انفصاماً في الشخصية".
إقالة النسور
ودعت لجنة حماية المستهلك في المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى إقالة حكومة النسور إزاء استفزازها مشاعر الأردنيين وتعريض البلد لفوضى عارمة في حال اتخاذها القرار غير المدروس.
واعتبر حزب الجبهة الأردنية الموحدة "وسطي" مبررات حكومة عبد الله النسور "واهية" وتأتي على الشعب عوضاً عن استعادة الأموال المنهوبة من الفاسدين .
وأثارت تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة التي أكد فيها أن تأثير رفع أسعار المحروقات لن يشمل 70 % من الأردنيين تساؤلات عديدة من قبل خبراء اقتصاديين حول دقة هذه التصريحات.
الخاسر الأكبر
وعلى عكس تصريحات رئيس الوزراء عبدالله النسور أكد اقتصاديون أن رفع أسعار المحروقات المتوقع تطبيقه خلال أيام ، سيؤثر على الغالبية العظمى من المواطنين.
وقال هؤلاء :"إن جميع الطبقات ستتأثر برفع الأسعار سيما وان نسب التضخم سترتفع بعد ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات". وأشاروا إلى أن الطبقة الوسطى ستكون الخاسر الأكبر.
وتشير الارقام الرسمية الى أن الطبقة الغنية تشكل من المجتمع فقط 8.2 % وان الطبقة الفقيرة تشكل 50.8 % من المجتمع، والطبقة المتوسطة 41.1 % من السكان. ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري أن الذين سيتأثرون برفع الأسعار هم الطبقة الوسطى التي يعتقد ان نسبتها باتت أقل مما هو معلن فيما سيتأثر أصحاب الدخل المحدود لأن أي ارتفاع سيطال ارتفاع جميع السلع والخدمات.
ويضيف الحموري أن المشكلة تكمن بأن الفهم الاقتصادي لدى الحكومة ليس واضحا ، فارتفاع أسعار المحروقات والسلع الأساسية والتي هي عبارة عن مدخلات سلع أخرى نهائية يعني بأن الارتفاع سيطال كل السلع.
تعويض المواطنين
وأعلن النسور منذ يومين أن الحكومة ستقوم بتعويض الأسر الأردنية محدودة الدخل بمبلغ قدره 420 دينار، سنوياً عند تطبيقها قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وقال النسور :"إن الدراسات بينت أن تكلفة رفع الدعم عن المشتقات النفطية على أسرة من ذوي الدخل المحدود ستكون بحدود 143 دينارا سنوياً في حين ستقدم الحكومة لهذه الأسرة المؤلفة من 6 أفراد دعما نقديا بنحو 420 ديناراً، ويساوي الدينار الاردني 1.4 دولار امريكي".
وأشار رئيس الوزراء إلى أن السيناريو الأقرب الذي تفكر به الحكومة يتضمن تقديم دعم نقدي للأسر التي لا يزيد دخلها السنوي عن نحو 10 آلاف دينار لافتاً إلى أن مجلس الوزراء لم يتخذ قرارا بعد بهذا الشأن.
مسكنات
يأتي ذلك في الوقت طالب رئيس جمعية رجال الأعمال حمدي الطباع الحكومة بإعادة النظر بنهج وحياة المواطن قبل أن تطبق قرار رفع أسعار المشتقات لافتا إلى أن معظم الأردنيين يعيشون بشكل يفوق إمكانياتهم مما يؤثر على حياتهم.
وبالنسبة لخطة الحكومة تعويض المواطنين بمبلغ 420 دينار سنوياً اعتبر الطباع أنها "حبة أسبرين" ولن تخفف من وطأة القرار على المواطن الذي يتأثر بشكل مباشر بسبب ارتفاع تكلفة النقل البري شريان الحياة في أي بلد كمما يؤدي لارتفاع أسعار السلع الغذائية وكافة احتياجات المواطنين.
واقترح الطباع بعض الحلول منها أن تسمح الحكومة للقطاع الخاص باستيراد مشتقات نفطية بأسعار أرخص من الأسعار التي تستورد الحكومة على أساسها حاليا لافتا أن استيرادات الأردن تفوق حجم تصديراتها مما يؤثر على الميزانية.
كما أشار إلى أن بعض الصناعات الثقيلة تحتاج لمشتقات نفطية معينة إلا أن الحكومة تمنع أصحاب هذه الصناعات من استيرادها الأمر الذي يمكن أن يوفر عليها ويسهم بتخفيف عجز الميزانية.
ورأى الطباع أن هناك عجز كبير في الميزانية العامة لافتا أن على الحكومة أن تخفف إنفاقها بشكل كبير كأن تقلل من استيراد بعض المواد الكمالية معتبرا أن "هناك سوء إدارة من قبل الحكومات المتعاقبة على المملكة ولا ننسى الفساد الذي أثر ومازال على المناخ الاستثماري في الأردن.
وأضاف الطباع "نحن كجمعية لم نبارك قرار رفع أسعار المشتقات النفطية و قدمنا بعض الاقتراحات السريعة للحكومة وهي أن تنفذ هذا القرار بشكل تدريجي على عدة سنوات وذلك لأن المواطن الأردني لن يتحمل هذا الرفع الفجائي للأسعار".
الميل للفكاهة
وفي الوقت الذي يترقب فيه البعض القرار بحذر شديد ، فضل البعض الآخر الميل للفكاهة والسخرية أحيانا في التعاطي مع الوضع الجديد .
وتجلت السخرية في البوستر الذي ظهر بكثافة على صفحات التواصل الإجتماعي بعد الإعلان عن نوايا برفع سعر إسطوانة الغاز بنسبة قد تقترب من 60%.
فقد ظهرت إسطوانة غاز زرقاء اللون في صورة ملونة نشرت بكثافة مع إستعارة من قصيدة شهيرة للراحل نزار قباني تتغنى بإسطوانة الغاز قائلة : علمني حبك سيدتي أسوأ عادات.. أن أستيقظ من اجلك في أبكر أوقات.
كما احتضن أحد العاملين في قطاع توزيع الغاز إحدى الإسطوانات بين ذراعيه ثم نام وهو يحتضنها دلالة على المكانة التي ستحظى بها إسطوانة الغاز بعد التسعير الجديد في الوقت الذي إختفت سيارات توزيع الغاز من بعض الأحياء بسبب الإحتكار.
في هذا الوقت تحدث أحد المواطنين من مدينة الطفيلة جنوبي البلاد لصحيفة عمون الإلكترونية عن استعداده لرمي ابنه السابع في منطقة الدوار الرابع حيث مقر الحكومة لإن آلية المساعدة النقدية التي تقترحها الحكومة تقدم دعما لستة أفراد في العائلة الواحدة فقط وقال المواطن أحمد العمايره أن لديه طفلا حديث الولادة ويحمل الرقم السابع وسيلقي به أمام مقر الحكومة.
وكان مواطن آخر في عمان العاصمة قد عرض أولاده الأربعة للبيع فيما تحدث الكاتب فهد الخيطان عن تهديدات مجاميع من المواطنين بحرق بطاقاتهم الإنتخابية إحتجاجا على رفع الأسعار لو جازفت الحكومة بالأمر.
المظاهرات تنتصر
ومنذ شهرين تقريبا قرر الملك عبد الله الثاني بتجميد قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، بعد احتجاجات شعبية لافتة وتحذيرات سياسيين من اتساعها.
وجاء قرار الملك بعد مرور 48 ساعة على بدء تطبيقه فقط، بعد أن قررت الحكومة رفع سعر البنزين نوع أوكتان 90 بنسبة 7% والسولار بنسبة 10%.
واعتبر سياسيون قرار الملك "متوقعا" بعد أن تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها العاصمة عمان ومدن أردنية في الجنوب والشمال، وشهدت هتافات قاسية طالت الملك مباشرة، وطالبت بإقالة حكومة فايز الطراونة ومكافحة الفساد كطريق لمعالجة العجز في الموازنة الذي تذرعت الحكومة به لتبرير قرار الزيادة.
وكان 88 نائبا في البرلمان من أصل 120 وقعوا على مذكرة طالبت العاهل الأردني بإقالة حكومة الطراونة ووقف قرار رفع الأسعار، بعد توتر ساد جلسة البرلمان ، بسبب رفض رئيس المجلس عبد الكريم الدغمي السماح بمناقشة قرار رفع الأسعار بحجة عدم إدراجه على جدول الأعمال. مواد متعلقة: 1. مسيرات احتجاج في الاردن تطالب بالإصلاح 2. الاردن أغنى دولة فقيرة في العالم بعد اكتشاف 25 ألف طن يورانيوم 3. العاهل الاردني يأمر بتجميد قرار رفع اسعار بعض انواع الوقود