أثار تعثر صفقة السلاح المبرمة بين العراق وروسيا الكثير من الجدل ، وأوجد الكثير من التساؤلات عن أسباب تعثرها ، فرغم المعلومات التي تشير إلى وجود شبهة فساد عرقلت سير الصفقة يرى محللون أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بحسابات داخلية ، بينما يعتقد آخرون أن للجانب الأمريكي دورا في عدم إتمام تلك الصفقة . يأتي ذلك بعد الإعلان عن أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قرر إلغاء تلك الصفقة بعد عودته من موسكو . مشيرا إلى وجود بعض شبهات الفساد التي شابت الصفقة، وإعادة النظر بصورة كاملة ابتداء من التعاقد والأسلحة ونوعيتها إلى اللجنة المشرفة على العقود . وبذلك أصبحت الصفقة الروسية في خطر لأن هناك جهات تقف ضد استيراد الأسلحة من روسيا وضد تسليح الجيش العراقي .
وكان المسئولون العراقيون قد شكوا خلال السنوات الماضية من عدم تجاوب الولاياتالمتحدة مع مطالبة حكومتهم إياها تزويدها ما تحتاج إليه من سلاح ثقيل لتمكين جيشها وقواتها الأمنية من مواجهة التحديات التي يعيشها العراق يومياً في الداخل ومع الخارج.
طبعاً ملّ هؤلاء المسئولون من عدم تجاوب واشنطن وأصبحوا يبحثون عن البدائل ، فاتفقوا مع روسيا الاتحادية الشهر الماضي على صفقة أسلحة قيمتها حوالي خمسة مليارات دولار أمريكي.
تناقض التصريحات
وبعد أنباء عن إلغاء الصفقة خرج علينا علي الموسوي مستشار رئيس الوزراء العراقي في حديث لقناة "روسيا اليوم" التليفزيونية ليؤكد أن صفقة الأسلحة بين العراق وروسيا التي تبلغ قيمتها 4.2 مليار دولار، لم يتم إلغاؤها، لكن الجانبين يراجعان فيها ، وذلك بعد قال الموسوي في اليوم نفسه إن "الصفقة ألغيت".
وأضاف الموسوي إن "رئيس الوزراء قرر فتح تحقيق في هذه الشبهات" رافضا الكشف عن اسم اي مسئول متورط في هذا الملف في الوقت الحالي.
ولكن في مساء نفس يوم السبت ذكرت قناة "الجزيرة" ان سعدون الدليمي وزير الدفاع العراقي بالوكالة اعلن في مؤتمر صحفي عقده في بغداد "ان الصفقة تنفذ حسب الخطة الموضوعة".
بدوره كشف مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية أن المالكي أوقف العمل بلجنة العقود في وزارة الدفاع التي يرأسها ضابط كبير وعدد آخر من أعضائها من رتب ومستويات مختلفة بعد أن اتضح أن هناك شبهات فساد شابت صفقة الأسلحة الروسية.
وأضاف المصدر "أن العراق لم يدفع شيئا حتى الآن بشأن هذه الصفقة ولكن ما حصل من كلام بشأن حصول عمليات فساد من قبل الوفد المفاوض ولجنة العقود هي التي دفعت المالكي إلى اتخاذ قرار استباقي بهذا الشأن".
موقف الحكومة
وطالبت قوى سياسية عراقية الحكومة العراقية بتوضيح موقفها من صفقة السلاح الروسية، بعد إقرار مستشار لرئيس الوزراء نوري المالكي بأن شبهات فساد طالت الصفقة التي تبلغ قيمتها 4.2 مليارات دولار.
ودعت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي الحكومة العراقية بإعلان كل ما يحيط بالصفقة للمواطنين وأبدت استغرابها من التناقض في تصريحات المسئولين في هذا الشأن.
من جهته أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن إطلاق حملة شعبية للكشف عمّن وصفهم بالمفسدين في صفقة السلاح، وأكد وجود فساد في الصفقة يعادل 8% من قيمة العقد.
وطالب ائتلاف العراقية بالكشف عن المتورطين في عمليات الفساد والانتفاع من المال العام، بغض النظر عن منصب هؤلاء أو انتمائهم الحزبي.
وقالت الناطقة الرسمية باسم ائتلاف ميسون الدملوجي إن "ائتلاف العراقية يعرب عن استغرابه لتصريحات الحكومة المتناقضة بشأن عقود السلاح مع روسيا التي شابتها شبهات فساد واسع النطاق". فبعد أن صرح المستشار الإعلامي لرئاسة الوزراء صباح السبت بإلغاء العقود بسبب شبهات الفساد، عاد مساءً المستشار ذاته لينفي إلغاء العقد، وبتأييد وزير الدفاع المكلف بالوكالة منذ تشكيل الحكومة الى يومنا هذا".
وأضافت أن "تناقض التصريحات يعكس التخبط في إبرام العقد الروسي من أساسه، والذي لم ترصد له مبالغ في موازنة الدولة، والذي فاحت منه رائحة العمولات منذ اليوم الأول.
يأتي ذلك في الوقت طالب فيه النائب عن كتلة الأحرار الممثِّلة للتيار الصدري جواد الحسناوي باستدعاء رئيس الحكومة نوري المالكي في البرلمان بوصفه القائد العام للقوات المسلحة لإطلاع الشعب على الحقيقة، وقال إن المالكي أوفد مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، ورئيس لجنة الأمن والدفاع حسن السنيد إلى روسيا لتدارك الموضوع، وأضاف "هذا الأمر أوضح للمجتمع الدولي حجم الفساد المستشري في بلادنا".
ارتباك أمريكي
وذهب البعض إلى أن أسباب عرقلة تلك الصفقة، القول بوجود ضغوط خارجية من الولاياتالمتحدةالأمريكية أسهمت في تعثر الصفقة .
ففي حالة تنفيذ هذه الصفقة التي هي الأولى منذ إسقاط صدام حسين، ستحتل روسيا المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية بين الدول التي تورد الأسلحة للعراق، الذي سبق له ان اشترى أسلحة ومعدات عسكرية من الاتحاد السوفيتي تقدر قيمتها ب 30 مليار دولار.
لقد اعتبرت نتائج المباحثات العراقية – الروسية التي جرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول على أنها مسألة غير عادية، في الوقت الذي تتعقد فيه علاقات موسكو مع عدد كبير من البلدان العربية بسبب سوريا. فالعراق المجاور لإيران، يتخذ موقفا معتدلا من الأزمة السورية وهو ما يشير إلى إمكانية بقاء روسيا في المنطقة. كما أن توجه بغداد نحو موسكو هو شاهد على فشل السياسة الأمريكية في هذه الدولة.
لقد صرفت الولاياتالمتحدة مئات المليارات من الدولارات وفقدت عدة آلاف من أفراد قواتها المسلحة (الضحايا العراقيون يقدرون بمئات الآلاف)، حصلت الولاياتالمتحدة على دولة لها علاقات حميمة مع إيران، عدوها الرئيسي. وتحاول الجهات الرسمية في أمريكا علنا تجاهل اتصالات بغداد بطهران، على الرغم من ان الكونجرس قد طرح مسألة ما الذي جنيناه من الحرب التي كلفتنا كثيرا ماديا ومعنويا.
لقد أربكت الأنباء الواردة قبل شهر من موسكو الصحفيين في أمريكا، مما جعلتهم يتوجهون الى فكتوريا نولاند المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية بالسؤال: من اجل ماذا قاتلنا، انهم يتوجهون الى منافس خطير؟ فردت وكأنها غير مهتمة بالأمر "ان صفقاتنا مع العراق اكبر من ذلك بثلاثة اضعاف"، وطبعا لم تضف أي شيئ آخر على ذلك، لان منع دولة ذات سيادة من التعامل مع دولة اخرى ذات سيادة ايضا، يعني، اثارة فضيحة كبيرة.
ولكن، تشير التقارير الأخيرة الواردة من بغداد، إلى أن مسألة الجهات التي تتعامل معها القيادة العراقية تهم واشنطن جدا. وليس من الضروري الحصول على معلومات من الداخل، لكي نفترض ان ضغوطا قوية وجهت نحو تصرفات المالكي الشخصية من أجل ان يفهم من يجب ان يكون الصديق الرئيسي للعراق.
الإطاحة بمسئولين
وأوضحت مصادر حكومية أن إلغاء تلك الصفقة سيطيح بمجموعة من كبار المسئولين المقربين من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والمتورطين بإبرام الصفقة، وأشاروا إلى أن مصير صفقة أسلحة أبرمت مع جمهورية تشيكيا سيكون الإلغاء. وكشفت مصادر مقربة من المالكي عن تورط مجموعة من كبار المسئولين المحيطين به بتلك الصفقة عبر مبالغ رشى وصلت الى 200 مليون دولار كان من المقرر ان يدفعها وسطاء لهم مقابل شراء طائرات "ميغ 29" و30 مروحية هجومية من طراز "مي – 28"، و42 "بانتسير-اس1" وهي أنظمة صواريخ ارض - جو روسية الصنع.
وأضافت المصادر أن المجموعة المتورطة بالصفقة كانت حصلت على مبالغ اولية مقابل التوقيع على ان يتم الحصول على المبلغ الباقي فور بدء العراق بسداد المبلغ الكلي.
وأشارت المصادر ان "مبالغ ترواح بين 25 مليون و60 مليون دولار هي حصص كان من المفترض ان يحصل عليها نحو 11 شخصاً لهم علاقة بصفقة التسلح" من دون تحديد اسمائهم بعضهم وسطاء وسماسرة.
واكدت ان صفقة ابرمت في التوقيت نفسه لشراء أسلحة وطائرات تدريب تشيكية بقيمة نحو بليون دولار قد تُلغى خلال الايام المقبلة لأنها أبرمت عبر المجموعة نفسها المتورطة في الصفقة الروسية.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حامد المطلك :"إن لجنته ستقوم بمتابعة المعلومات بشأن وجود فساد مالي في صفقة السلاح الروسية، وأن اللجنة ستتخذ الإجراءات اللازمة في حال التأكد من صحة تلك المعلومات".
واضاف ان "غموضاً كبيراً وضبابية تحيط هذه الصفقة وشبهات بفساد مالي واداري".
صفقة جديدة
من جانبها كشفت لجنة النزاهة في مجلس النواب أمس، عرض روسيا أسلحة جديدة على العراق بدلا من "عمولات المقربين" من مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، مؤكدة أن الأخير قرر تشكيل لجنتين واحدة للتفاوض وأخرى للتعاقد بعد أن أيقن وجود "فساد" في المرحلة الأولى من الصفقة.
وقال رئيس اللجنة بهاء الأعرجي :"إن لجنة النزاهة البرلمانية شخصت بالمرحلة الأولى من صفقة السلاح الروسي وجود شبهة فساد فيها"، مؤكدا أنها "فاتحت القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي بالأمر واستجاب له وتفاعل معه".
وكشف الأعرجي أن روسيا عرضت على الحكومة العراقية أسلحة جديدة بدلا للعمولات التي كانت تعطى لمقربين من مكتب المالكي، مشيرا إلى أن |"الأخير قرر تشكيل لجنتين واحدة للتفاوض، وأخرى للتعاقد بعد أن أيقن وجود فساد في المرحلة الأولى من الصفقة". مواد متعلقة: 1. "نيويورك تايمز": قلق من صفقة أسلحة أمريكية للعراق بقيمة 11 مليار دولار 2. العراق يلغي عقد تسليح مع روسيا بقيمة 4,2 مليار دولار 3. المحافظ السابق ل"المركزي العراقي" ينفي اتهامات بالفساد