تمر ذكرى الشاعر الألماني "يوهان فولفانج جوته " لتحمل سيرة رجل عشق الإسلام ورسوله الخاتم ، واتضح ذلك في كتاباته ويأتي على رأسها "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" والذي قام بترجمته الدكتور عبدالرحمن بدوي. ويشير بدوي في مقدمة ترجمته للكتاب أن الأديب قد يشعر في إحدى مراحل حياته بحالة من "الاغتراب الروحي" وهي حالة وجدانية عنيفة قد يشعر معها بحاجة ملحة إلى الفرار من البيئة التي يعيش فيها إلى أخرى جديدة يتلاءم معها. وقد اتضحت هذه الظاهرة عند أصحاب النزعة الرومنتيكية من أدباء وفلاسفة وفنانين في مستهل القرن التاسع عشر وخاصة الألمان منهم والفرنسيون، وقامت حركة قوية تدعو إلى الهجرة الروحية إلى الشرق، وكان جوته أحد أبرز المتأثرين بهذه الحركة. درس جوتة اللغة العبرية في طفولته خلال الفترة ما بين 1762 – 1765 وترجم من التوراة كتاب "نشيد الأناشيد"، ثم عكف على القرآن وقرأه سنة 1781، ثم قرأه مرة أخرى في ترجمته اللاتينية ومن هنا بدأ أهتمامه بالأدب العربي فقرأ المعلقات بترجمة جونز اللاتينية وغيرها. وعقب عودته من رحلته إلى إيطاليا عام 1971 أشار عليه صديقه هردر بالعناية بالآداب الهندية والفارسية وهو ما كان حيث أطلع جوته على كل كتاب جديد يصدر في هذا المجال. وفي عام 1814 خرج كتابه "الديوان الشرقي" والذي مزج فيه بين الشرق والغرب، وحظي فيه الإسلام والقرآن الكريم بإجلال لا مثيل له. صفحات الديوان ينقسم ديوان جوته إلى قسمين كبيرين الأول شعر والثاني نثر ، وهو عبارة عن تعليقات وضعها لكي يفهم الديوان ويتكون القسم الأول من اثنى عشر كتاباً هي كتاب "المغني، وحافظ، العشق، التفكير، سوء المزاج، الحكمة، تيمور، زليخا، الساقي، الأمثال، الفارسي، الخلد" وكان لسقوط نابليون أثر فادح في نفس جوتة، وكان معجبا به في شبابه والتقاه عندما عندما قام نابليون باحتلال مدينة فاليمار الألمانية، كما نعت نابليون جوتة بأنه "إنسان حقا"، وفي المقابل تعاطف جوته مع نابليون عندما بدأ نفوذه في الاضمحلال في أواخر عهده الذي انتهى بهزيمة واترلو الشهيرة، مما جعل البعض يشكك في وطنيته. وكتب جوتة آنذاك أن يرغب في الهروب من عالمه المليء بالأخطار لعالم آخر خيالي، وكان العالم المنشود هو الشرق. وقد سمى جوته رحلته إلى الشرق باسم "الهجرة" وافتتح ديوانه "الشرقي الغربي" بوصف هذه الهجرة والدوافع التي أدت إليها وفي قصيدته التي جاءت في أول كتاب "المغني" تحت عنوان "الهجرة" والتي أشار فيها الشاعر إلى رغبته في أن يهاجر كما هاجر محمد "صلى الله عليه وسلم" من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة يقول: الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتناثر والعروش تُثل، والممالك تتزعزع وتضرب فلتهاجر إذاً إلى الشرق في طهره وصفائه كي تتروح جو الهُداة والمرسلين هنالك، حيث الحب والغناء سيعيدك ينبوع الخِضر شاباً من جديد إلى هنالك، حيث الطهر والحق والصفاء أود أن أقود الأجناس البشرية فأنفذ بها إلى أعماق الماضي السحيق حين كانت تتلقى من لدن الرب وحي السماء بلغة الأرض دون تحطيم الرأس بالتفكير
جوته والشيرازي كن جوته للشاعر الفارسي حافظ الشيرازي الكثير من الإعجاب وترك في نفسه عظيم الأثر، واتخذه مثلاً أعلى وخاصة بعد أن قرأ ديوانه الذي قام بترجمته فون همر ، وكان أهم ما يميز الشيرازي في نظر جوته هو أنه أقام تفكيره على أساس متين من القرآن الكريم، وقد خص جوته الشاعر الفارسي بكتاب من هذا الديوان حمل عنوان "حافظ" يقول فيه: أي حافظ ! إن أغانيك لتبعث السلوى إبان المسير في الشعاب الصاعدة والهابطة حين يغني حادي القوم ساحر الغناء وهو على ظهر دابته فيوقظ بغنائه النجوم في أعلى السماء ويوقع الرعب في نفوس الأشقياء جوته والعرب في كتاب الأكاديمية كاترينا مومزن أستاذة الأدب الألماني في جامعة استانفورد الأمريكية "جوته والعالم العربي" تشير المؤلفة لما كان يكنه جوتة من حب لقدماء العرب وآدابهم وآثارهم الدينية والثقافية. وقد نظم جوته وهو في سن الثالثة والعشرين قصيدة رائعة أشاد فيها بالنبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، وحينما بلغ السبعين من عمره أعلن على الملأ أنه يعتزم أن "يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن على النبي". وفي إعلانه عن صدور كتابه "الديوان الشرقي" قال أنه "لا يكره أن يقال عنه إنه مسلم"، كما يقول عن القرآن الكريم أن أسلوبه " محكم، سام، مثير للدهشة، وفي مواضع عديدة يبلغ قمة السمو حقاً" ويشير الكتاب إلى أن المعتقدات الإسلامية الواردة في القرآن كانت تتفق مع معتقدات جوته الدينية والفلسفية ومنها فكرة التوحيد، والاعتقاد بان الله يتجلى في الطبيعة، وأنه سبحانه يخاطب البشر على لسان الرسل. ومن الدلائل التي تسوقها كاترينا مومزن على ارتباط جوته بالقرآن الكريم الرسالة التي بعث بها إلى هردر عام 1772 حيث كتب جوته من مدينة فتسلار قائلاً "إني أود أن أدعوا الله كما دعاه موسى في القرآن {رب اشرح لي صدري}" وكان جوته يقتبس معاني بعض آيات القرآن الكريم في مقطوعاته الشعرية الحكمية فيقول في إحدى أشعاره والتي جاءت في شكل رباعية أضفى عليها صيغة الدعاء يريد الضلال أن يربكني لكنك تعرف كيف تهديني فإن أقدمت على عمل أو أنشدت شعرا فأنر أنت لي جادة الطريق ومن أشعار جوته أيضاً والتي تأثر بها بالقرآن الكريم يقول : هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في البر والبحر ولكي تنعموا بزينتها وتنظروا دائماً على السماء