تعرض الجامع الأموي بحلب إلى خسائر مؤخراً بعد مواجهات بين القوات النظامية والجيش السوري الحر. ويعد المسجد الأموي من بين أجمل المساجد في العالم الإسلامي، كما أنه مدرج على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو". وتعرض الجامع الأموي لتخريب وحريق كبير التهم جزءًا كبيرًا من محتوياته النفيسة، وعن الجامع وتاريخه تحدث "محيط" مع الباحث الأثري السوري عبدالرزاق القصير، الذي يعد أطروحته للماجستير في مصر تحت عنوان "المآذن في مدينة حلب".
يقول الباحث أن جامع بني أمية بحلب يعد من أكبر جوامع المدينة، أقيم بقلبها وقيل إن بانيه هو الخليفة الأموي " سليمان بن عبد الملك" ، و هناك رأي يميل إلى إن بانيه هو " الوليد بن عبد الملك" الذي بني الجامع على نمط الجامع الأموي بدمشق، ومضاهاة له ، فعلى الرغم من إن دمشق كانت عاصمة للدولة الأموية، إلا إن حلب لا تقل شأناً عنها فهي عاصمة الثغور التي كانت بمثابة خط المواجهة مع البيزنطيين. وكثيراً ما كان الخلفاء الأمويين في خط الجبهة إلى جانب الجند ، خاصة وقت الحرب، ومنهم سليمان بن عبد الملك الذي مرض ومات و دفن في شمال حلب و هو يرابط مع جنده في مرج دابق، في مواجهة البيزنطيين ومن هنا برزت الحاجة إلى مسجد جامع يصلي فيه الخليفة و كبار رجال الدولة وكبار ضباط الجيش صلاة الجمعة، ليحث الناس على الجهاد ضد الأعداء، و ليفهم الأصدقاء و الأعداء أن الدولة قادرة على إقامة المنشآت المعمارية الدينية الكبيرة التي يفاخر بها الأعداء.
ويؤكد الباحث أن أهمية الجامع الأموي بحلب تعود بالإضافة إلى كونه عملاً معمارياً، كذلك فإن القرارات المصيرية الهامة والأحداث التي ارتبطت بالجامع قد أكسبته أهمية خاصة، و ظلت صلوات الجامع تقام فيه وكذا الاحتفالات و الاجتماعات و غيرها من المناسبات الدينية و الوطنية الهامة تعقد فيه. مآسي الجامع الأموي ولم تكن هذه المحنة هي أول ما مر بالجامع الأموي كما يشير الباحث، فعبر تاريخه تعرض الجامع الأموي بحلب إلى محن قاسية منها الحريق و التدمير والإهمال، إلا أنه كان يجابه المحن و لا يلبث أن يعود إلى سيرته الأولى، مركزاً دينياً واقتصادياً و سياسياً هاماً.
ففي أوائل العهد العباسي انتقلت عاصمة الدولة إلى بغداد فقل شأن سوريا عموماً وخاصة دمشق و حلب فلحق الخراب و الإهمال الجامع الأموي بحلب، و قام البعض ينقب حجارته و رسومه و نقلوها إلى جامع الأنبار في العراق على حد قول بعض المؤرخين، إلا أن بعض الأمور سرعان ما عادت سيرتها الأولى فأستقر الأمن و عادت إلى حلب أهميتها الأولى وعاد الجامع إلى عمارته وأهميته التي كان عليها عندما أصبحت حلب عاصمة للأمارة الحمدانية عام 333 ه. إلا إن الحرب الضروس التي دارت رحاها بين البيزنطيين و الحمدانيين و التي كانت بمثابة الكر و الفر بين الطرفين، جلب الخراب في أحد المرات إلى الجامع حيث تمكن الإمبراطور البيزنطي نقفور فوكاس عام 351 ه / 962 م من دخول مدينة حلب و أحرق جامعها الكبير و ذبح الكثير من أهلها كما ساق العديد منهم أسرى انتقاماً من الأمير الحمداني سيف الدولة الذي اقض مضاجع الإمبراطورية البيزنطية ردحاً طويلاً من الزمن.
يواصل الباحث السوري: إلا أن الأمير الحمداني سرعان ما تمكن من العودة إلى عاصمة حلب و أصلح جامعها الكبير وأكمل المهمة ابنه أبو المعالي سعد الدولة ومولاه قرعويه من بعده وعندما احترق الجامع من جديد عام 564 ه / 1169 م، قام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بترميمه و زاد في توسعته و نقل إلية الأعمدة الحجرية التي اقتطعها من قرية " بعاذين "، كما نقل إليه بعض العمد من مسجد " قنسرين ".
أيضاً تعرض العالم الإسلامي عام 656 ه / 1258 م إلى غزوة مدّمرة قادها هولاكو التتاري حيث اسقط بغداد عاصمة الخلافة العباسية، بعد ذلك قاد التتار نحو الغرب فاستولى عام 658 ه / 1258 م على حلب ، و دخل معه صاحب سيس الأرمني إليها حيث توجه إلى الجامع الأموي و قتل فيه خلقاً كثيراً، ثم أحرقه فتضرر من ذلك الحريق الحائط القبلي للجامع كما تضررت المدرسة الحلوية و تضرر سوق البزازين، إلا أن هولاكو عندما علم إن صاحب سيس و أتباعه استهدفوا جوامع المسلمين و ممتلكاتهم فقط . أخذته الغيرة الإسلامية ، وهو المسلم ، فأمر بوقف الاعتداءات و إطفاء الحرائق ، والتفت إليهم أي إلى أصحاب سيس حيث قاتلهم و قتل منهم خلقاً كثيرا.
دخلت حلب بعد ذلك، تحت حكم المماليك ، فأعيد إعمارها و إعمار جامعها الكبير، و في عام 679 ه / 1280 م عاد صاحب سيس، في غفلة من أهل المدينة ، إلى مهاجمتها و أحرق جامعها، فأعاد نائب حلب المملوكي قرا سنقر الجوكندار عمارة الجامع وترميمه، و أكمل البناء و الترميم عام 684 ه/ 1285 م الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي العلائي الصالحي ، و من جاء بعده من السلاطين المماليك .
يذكر القلقشندي في كتابة " صبح الأعشى في صناعة الإنشا" إن المماليك اهتموا بالجامع الكبير بحلب و جعلوا له وظيفة خاصة للنظر في شؤونه هي وظيفة " نظر الجامع الكبير" و يتولاها أحد أرباب السيوف و يكون رفيقاً لنائب المدينة. تابع العثمانيون اهتمامهم بالجامع الكبير بحلب بعد احتلالهم حلب عام 1516 م فقاموا بكثير من الترميمات و الإصلاحات كان منها: واجهته القبلية و الأروقة و الصحن و غيرها.
عمارة الجامع
أقيم الجامع في الأصل على بستان المدرسة الحلاوية التي كانت أصلا كنيسة للروم بنتها هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين بعد أن صالح المسلمون على المكان منذ يوم الفتح و يقوم الجامع اليوم على مساحة من الأرض يبلغ طولها 105 متراً من الشرق إلى الغرب و يبلغ عرضه نحو 77.75 متراً من الجنوب إلى الشمال وهو يشبه لحد كبير في مخططة و طرازه جامع دمشق، يتألف جامع حلب من عدة عناصر منها:
الأبواب ( المداخل والمخارج ) يدخل إلى الجامع و يخرج منة عبر أربعة أبواب هي: الباب الشمالي : و يقع إلى جوار المئذنة و يعرف أحيانا بباب الجراكسة قد أقيم هذا الباب حديثاً مكان باب قديم بعد أن قامت البلدية بتنظيم المنطقة عندما أُزيلت الأبنية الواقعة أمام واجهة الجامع القديم و ذلك لإبراز واجهة الجامع وليسهل الوصول إليه.
الباب الغربي : و ينفذ منة إلى الجامع من شارع المساميرية نسبة إلى صانع المسامير .
الباب الشرقي: وينفذ من خلاله إلى الجامع ومن أمام سوق المناديل ويعرف أحيانا بباب الطّيبة.
الباب الجنوبي : ويدخل منة أو يخرج منة إلى سوق النحاسين و من هنا جاء اسمه أحيانا باسم ( باب النحاسين ).
الصحن
للجامع صحن واسع تبلغ أبعاده 79متراً طولاً و 47متراً عرضاً، تزين أرض الصحن حجارة ملونة و مصقولة ومرصوفة تتوزع على شكل وحدات و تقسيمات تأخذ أشكالا مختلفة تتناوب فيها الحجارة السوداء و الصفراء و البيضاء و السماقية تبدو هذه التشكيلات لمن ينظر إليها من شرفة المؤذن في المئذنة في منظر ساحر في تشكيلاته الهندسية.
يذكر الراحل محمد فارس في كتابه "الجامع الأموي الكبير بحلب" أن حجارة الصحن السابقة استبدلت بالحجارة الحالية نظراً لتكسرها بسبب الغارات والحرائق والعوامل الأخرى و ذلك في عام 1042 م ، و يعتقد أن الحجارة القديمة بقيت تحت الحجارة الحديثة و يمكن التعرف عليها إذا ما تمت تنقيبات أثرية هادفة.
المئذنة يشير الباحث إلى أن المصادر التاريخية تقول أن المئذنة الأساسية للجامع لم تكن في مكانها الحالي و إنما كانت في الحائط الغربي للجامع ملاصقة لحائط القبلية الملاصق للصحن ، أما المئذنة الحالية فهي مربعة المسقط يبلغ ارتفاعها نحو خمسة وأربعين متراً حتى شرفة المؤذن، أما طول ضلعها فيبلغ نحو 4,95 م تزين المئذنة عدد من الكتابات و العناصر الزخرفية الكورنثية و العقود المفصصة.
بناء أساس المئذنة تم في عهد سابق محمود بن صالح المرداسي بين سنتي 468 – 472 ه / 1075 – 1079 م ، أما البناء التالي للمئذنة فقد تم على مرحلتين: الأولى في عهد قسيم الدولة أق سنقر عام 479 ه / 1087 م عندما تسلم المدينة نائباً عن السلطان السلجوقي ملكشاه ، أما الثانية فقد بدأت عام 485 هجري في عهد السلطان تُتُش حتى عام 487 ه / 1094م حيث اكتملت المئذنة أيامه.
القبلية: ( بيت الصلاة )
هي واسعة رحبة، تتألف من ثلاثة أروقة تقوم على دعائم حجرية ضخمة بنيت بطريقة الغمس و يبلغ عدد تلك الدعائم ثمانون دعامة و يعتقد إنها حلت محل الأعمدة الرخامية البعاذينية التي مر ذكرها و التي تخربت و تفتت بسبب الحرائق التي لحقت بالمسجد عبر تاريخه الطويل، و فوق القبلية قبة عالية تجاه المدخل الأوسط للقبلية، و يذكر بعض مؤرخي حلب أن في قبلية هذا الجامع كانت تعقد حلقات الدرس و العلم في كافة علوم المعرفة.
تضم قبلية الجامع هذا عدداً من المعالم الهامة التي تعبر عن الأساسات ليقوم الجامع بوظيفة كاملة ، من تلك المعالم: المنبر، المحاريب ، حجرة الخطيب، الحجرة النبوية، السدة و المقصورات.
يعد المنبر من القطع الفنية الثمينة ليس له مثيل في مساجد حلب بدت فيه الصناعة الخشبية غاية في الإتقان، صنع من أخشاب الأرز الحلبي و الآبنوس و رصع بالعاج و الصدف، يبلغ ارتفاعه نحو 3.57 متراً و طول ه 3.65متراً، أما عرضه فيبلغ 1.08 و يرقى إليه بعشر درجات، و يعد اليوم من أقدم المنابر الحلبية بعد إحراق الصهاينة للمنبر الحلبي في المسجد الأقصى بالقدس الشريف عام 1969 م.
الحجرة النبوية مربعة الشكل، تعود تاريخياً الى العصر العثماني، وهناك دفين في الحجرة تضاربت الآراء حوله فهناك من يقول أن الدفين هو رأس النبي يحيى بن زكريا، وهناك من يعتقد إن الدفين هو النبي زكريا نفسه. ويسعى اهل حلب للتبرك بالضريح والصلاة فيه. مواد متعلقة: 1. الأسد يصدر قرارا بترميم المسجد الأموي بحلب 2. فرنسا تدين الخسائر التى لحقت بالمسجد الأموى بحلب 3. "الإيسيسكو" تدين إحراق الجامع الأموي في حلب