منذ تولي العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش في عام 1999 ظل بعيدا عن الأسر المالكة في الخليج وقام بعدد زيارات أقل بكثير مما قام به والده الراحل الملك حسن ، حيث عرف عن الملك محمد السادس توجهه لمتابعة القضايا الوطنية في البلاد، وتركيزه الأكبر على مجريات الأمور بالداخل قبل العناية بالخارج وسياقاته ، وحتى عندما كان يقوم الملك محمد السادس بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كانت زياراته لأغراض صحية أو لأسباب شخصية في الغالب. ولكنه تم الإعلان عن جولة خليجية بدأها العاهل المغرب منذ يومين والتي تشمل كل من "السعودية ، الأردن ، الكويت ، قطر ، الإمارات" ، ولكن يبدو من أهداف هذه الجولة المعلنة إنها ستعود بالنفع أيضا على الشأن الداخلي للمغرب ، ووصف مراقبون زيارة ملك المغرب إلى هذه الدول الخليجية الرئيسية بكونها "نادرة" .
تراجع الاقتصاد
ويبدو أن الوضع الاقتصادي المتراجع في المغرب، وهي المملكة العربية الأقدم التي لا تتمتع بنعمة النفط، دفع الملك إلى التجوال بدول الخليج العربي، في سعي جاد لتوفير بدائل عن شركاء المغرب الأوروبيين، المشغولين اليوم بأزمات اليورو التي تبدو عصية على الحل، واجتذاب استثمارات خليجية يحتاجها المغرب بشدة.
وتهدف جولة الملك في المقام الأول إلى جلب استثمارات خليجية كبيرة إلى البلاد، فضلا عن المساهمة في برامج تمويل، على شكل هبات، لمشاريع التنمية بالمغرب في إطار الشراكة الإستراتيجية المبرمة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي، وهي الهبات التي تصل إلى مليار دولار .
ويعتمد الاقتصاد المغربي الذي يبلغ حجمه 90 مليار دولار بشدة على منطقة اليورو التي أثرت مشاكلها على إيراداته من السياحة وتحويلات العاملين في الخارج وعلى الاستثمار الأجنبي هذا العام.
أسباب سياسية
وحظي خبر الزيارة بكثير من الاهتمام والمتابعة من لدن مراقبين ومختصين بغية تحليل دلالات ودواعي الزيارة الملكية وإذا كان محللون قد وضعوا سريعا عنوانا بارزا لزيارة الملك إلى الخليج، ومن ضمنها زيارته الأولى للكويت منذ توليه العرش، مفاده التعاون الاقتصادي والمالي بين المغرب وبلدان الخليج، فإن آخرين يرون في الزيارة أيضا مآرب سياسية لا تقل أهمية عن الأهداف ذات البُعد التمويلي، ومن ذلك احتمال إعلان غير مُتوقَّع يهم علاقة المغرب بمجلس التعاون الخليجي.
وقال الدكتور سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فاس، إن أهداف هذه الزيارة الملكية لبعض بلدان الخليج لن تقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية، بل تشكل القضايا السياسية أيضا أحد عناصرها الأساسية، لاسيما أن المنطقة العربية تمر بتحول سياسي غير مسبوق.
وتوقعت مصادر سياسية ان جولة العاهل المغربي الخليجية ومحادثاته مع القيادات السياسية في هذه الدول ستتناول ما تم الاتفاق عليه بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية ، في اطار دعوة دول المجلس كلاً من المغرب والاردن في شهر مايو من عام 2011 الى الانضمام الى منظومة دول المجلس ، وقرار قمة دول المجلس التشاورية التي عقدت في الرياض أخيرا اعتماد برنامج دعم مالي خاص للمغرب والاردن.
وستتناول المحادثات والمشاورات السياسية بين العاهل المغربي وقادة دول مجلس التعاون الخليجي ، وملك الاردن ، دور المغرب السياسي من خلال عضويته الحالية غير الدائمة في مجلس الامن الدولي ، وكيفية تبنيه للقضايا العربية والاسلامية في مجلس الامن الدولي ، كما سيقدم العاهل المغربي لبلدان الخليج التي سيزورها مشاريع الاستثمار المقترحة من الجانب المغربي في بلاده لتعزيز الشراكة القائمة بين الطرفين.
مستهل الجولة
وبدأ العاهل المغربي جولته بالتوجه إلى المملكة العربية السعودية حيث وصل إلى جدة مساء الثلاثاء الموافق 16 أكتوبر، في أول زيارة رسمية له الى السعودية بعد توليه مقاليد السلطة في بلاده قبل 13 عاماً، حيث استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، في قصره بجدة، أمس الأربعاء 17 أكتوبر.
وعقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، والملك محمد السادس اجتماعاً ثنائياً، رحب في بدايته خادم الحرمين الشريفين بملك المغرب في السعودية.
وأعرب الملك محمد السادس، عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على حسن الاستقبال وكرم الضيافة التي وجدها ومرافقوه في المملكة.
وأجرى الطرفان بعدها مباحثات ثنائية تناولت آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
ويتطلع العاهل المغربي إلى جذب تمويل سعودي لإصدار مغربي للسندات السيادية، يتراوح حجمه ما بين 700 مليون دولار ومليار دولار، إذ سيعتمد حجم الإصدار على طلبات الاكتتاب التي يتلقاها المغرب من المستثمرين. ومن المنتظر أن يخصص المغرب نحو نصف السندات لمؤسسات استثمارية خليجية.
كما جرى بحث مجمل الأحداث والمستجدات على الساحتين العربية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والوضع في سوريا.
وأدى الملك محمد السادس والوفد المرافق له أمس مناسك العمرة ، وكان في استقباله عند مدخل المسجد الحرام مستشار الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الشيخ محمد بن حمد العساف ومدير شرطة العاصمة المقدسة اللواء إبراهيم الحمزي ، وبعد ذلك قام العاهل السعودي بمغادرة المملكة السعودية مساء أمس .
الاردن المحطة الثانية
وبعد ذلك توجّه الملك محمد السادس إلى الأردن في زيارة تدوم ثلاثة أيام، ملبيًا دعوة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
وذكرت وكالة الانباء الاردنية الرسمية ان الملك محمد السادس سيجري اليوم الخميس مباحثات مع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني تتركز على "علاقات التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات".
واوضحت الوكالة ان الزعيمان سيبحثان كذلك "تطورات الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط، خصوصا المستجدات المتعلقة بالازمة السورية وجهود تحقيق السلام بهدف أيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية والوضع في مدينة القدس وما تتعرض له المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها من تهديدات واعتداءات أسرائيلية متكررة وسبل مواجهتها والتصدى لها".
وسيقوم الملك محمد السادس بزيارة الى المستشفى الميداني المغربي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في محافظة المفرق شمالي المملكة على مقربة من الحدود مع سوريا والذي يأوي نحو 37 الف لاجىء.
إلى ذلك، سيجري ملكا الأردن والمغرب مباحثات ثنائية محورها تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المملكتين، تجاريًا واقتصاديًا وإسكانيًا، والمشاريع الاستثمارية المتاحة، وتطوير النقل البري والبحري والجوي، إلى كل ما من شأنه تقوية العلاقات الثنائية.
الكويت
بعد الأردن، يتوجّه العاهل المغربي إلى الكويت ساعيًا هناك إلى رفد الاصدار السيادي المغربي باستثمارات كويتية، لتكون بديلًا من شركاء المغرب الأوروبيين.
وقال خالد الجار الله وكيل وزارة الخارجية الكويتية :"إن ملك المغرب سيناقش الاستثمار والعلاقات الثنائية خلال زيارته للكويت" .
إلى جانب الشئون الاقتصادية المشتركة، وخصوصًا جذب الاستثمارات الكويتية إلى الأسواق المغربية من خلال تمويل جزء من الإصدار السياسي، الذي تنوي المغرب إصداره في الشهر المقبل، يتداول ملك المغرب مع أمير الكويت المسائل العربية ذات الاهتمام المشترك، وخصوصًا الأزمة السورية، والدور الكويتي والخليجي في وقف نزيف الدم هناك.
وفي الكويت، ينهي الملك محمد السادس الشق الأول من جولته الخليجية، على أن يزور الإمارات وقطر بعد عيد الأضحى المبارك.
وسيقوم الملك محمد السادس بزيارة الى دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار جولته، وأكدت وكالة انباء الامارات على أهمية الزيارة المرتقبة التى سيقوم بها ملك المغرب لدولة الإمارات، وقالت أن البلدين يتوافقان على إرادة مشتركة لتطوير علاقاتهما الاقتصادية وأن العلاقات المميزة التي تربط المغرب بدولة الإمارات وبباقي دول مجلس التعاون تتحدى معوقات البعد الجغرافي وتحقق خطوة متقدمة في بناء شراكة إستراتيجية واعدة ومثمرة لكل الأطراف وتوقعت أن تكون لهذه الجولة انعكاسات اقتصادية إيجابية على مسلسل التنمية في المغرب.
فقد أشادت الأوساط الإعلامية والسياسية والاقتصادية المغربية بالجولة الملكية لدول الخليج وبالزيارة المرتقبة لدولة الإمارات .
المحطة الأخيرة
ويختتم العاهل المغربي جولته بزيارة لدولة قطر ، ويشار الى أن العلاقات المغربية - القطرية اصطدمت في أوقات سابقة بمجموعة من الملفات الشائكة، خصوصا ما يتعلق منها بتمويل قطر لصفقات سلاح للجزائر، وتدخل قناة "الجزيرة" في الشئون الداخلية للمغرب واحيازها ضد مصالحه الاستراتيجية لاسيما حيال موضوع الصحراء الغربية، ونظرتها السلبية الى التحولات الجارية فيه والتي أكدتها تغطيتها للانتخابات التشريعية الأخيرة لما أثارته من ردود أفعال شديدة، رسمية وحزبية.
ويرافق العاهل المغربي خلال تلك الجولة، وفد يضم على الخصوص مستشاري الملك عمر عزيمان وزوليخة نصري وفؤاد عالي الهمة وياسر الزناكي٬ كما يضم الوفد سعد الدين العثماني وزير الشئون الخارجية والتعاون ونزار بركة وزير الاقتصاد والمالية وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشئون الإسلامية وعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري وعزيز رباح وزير التجهيز والنقل والحسين الوردي وزير الصحة وفؤاد الدويري وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة والجنرال دو كور دارمي عبد العزيز بناني المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية .
مواد متعلقة: 1. الجار الله: العاهل المغربي سيقوم بجولة خليجية قريبا 2. ملك المغرب يزورالكويت 23 الجاري 3. خادم الحرمين يبحث مع العاهل المغربي تطورات الاوضاع