أش أ: رغم أن عاصفة التلاسن بين بعض الدعاة والفنانين فيما عرف ب"أزمة الفنانة إلهام شاهين" قد تراجعت فإنها أثارت تساؤلات ملحة حول ما إذا كانت هناك أزمة ثقافية شاملة في المشهد الفني بعد ثورة 25 يناير الشعبية، تتطلب استجابة فاعلة أو ثورة ثقافية فنية. وكانت الفنانة إلهام شاهين قد أعربت عن ارتياحها حيال الاتصال الهاتفي من رئاسة الجمهورية، وقالت، إن المكالمة أسعدتها جدا خاصة بعد أن أبلغت بأن الرئيس محمد مرسى يرفض أي إهانة توجه لها أو لأي فنان "لأن الفنانين هم ضمير الأمة ولهم كل التقدير".
وأضافت شاهين: "أن الرئيس والأزهر أعادا لي اعتباري"، وذلك في سياق تصريحات للتعليق على ما اعتبرته إساءات تعرضت لها من جانب الداعية الدكتور عبد الله بدر، معربة عن شكرها لنقابة الممثلين وجبهة الدفاع عن حرية الإبداع اللتين ساندتا الدعوى القضائية التي رفعتها.
غير أن تفاصيل المشهد الراهن تبدو أعمق وأبعد بكثير من مجرد أزمة تلاسن أو مخاوف يرددها البعض حول حرية الفن والإبداع، حيث تتوالى إشارات تكشف عن أن ثمة أزمة عميقة في بنية الإبداع ذاته والارتقاء بذائقة المتلقي ومدى الواجب لمنظومة القيم المجتمعية بعيدا عن إي رقابة ممجوجة.
وفى تعبير عن حالة الأزمة العميقة قال الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة في سياق مقابلة صحفية: "نحن في مرحلة حرجة وصعبة فمصر في حاجة إلى أن تتنفس وتتجه نحو المستقبل وتصحح أوضاعا كثيرة في منتهى السوء ونحتاج إلى نظرة جريئة في الثقافة والتعليم والإعلام والتدريب".
وشدد الوزير على أهمية الثقافة باعتبارها قوة مصر الناعمة التي تراجعت في المرحلة الماضية بعد أن كانت مصر دولة مؤثرة ومحورية في نشر الكتاب والسينما والمسرح.
وفى المهرجان الأخير للسينما الآسيوية والعربية بنيو دلهى أكد الناقد السينمائي المصري سمير فريد أن: "السينما المصرية تواجه خطرا من فقر الخيال".
ومع أن هذا المهرجان السينمائي الهندي شهد اهتماما بالربيع العربي وفى القلب منه الثورة الشعبية المصرية فإن ثمة اتفاقا عاما على أن السينما المصرية لم تنجز بعد عملا يرتقى بالمعنى الفني ومن المنظور الثقافي لمستوى الحدث الثوري الكبير في الخامس والعشرين من يناير 2011 و تضحيات المصريين بالدم والروح لإسقاط النظام الاستبدادي.
وضمن تضحيات لمثقفين ملتزمين بقضايا شعوبهم وسينمائيين يدركون العلاقة العضوية بين الفن والحرية اعتقل السينمائي السوري عروة نيربية في مطار دمشق وهو في طريقه للقاهرة للمشاركة فى فعالية ثقافية ليطلق مهرجان فينسيا السينمائي نداء لإطلاق سراح هذا الفنان.
كما وجه مهرجان تورنتو السينمائي في كندا نداء مماثلا، بينما أعلن الممثل الأمريكي الشهير روبرت دى نيرو تضامنه مع أسير النظام الاستبدادي الدموي في دمشق.
ويبدو أن الفنان الحقيقي يحمل في جيناته الثقافية نوعا من الاحتجاج أو التمرد على حد الوصف الذي استخدمه مارك ايليوت كعنوان لكتابه عن السيرة الذاتية للفنان كلينت ايستوود وهى السيرة التي صدرت مؤخرا بعنوان "المتمرد الأمريكي".
وبالتزامن مع "عاصفة التلاسن بين فنانين ودعاة" في مصر كانت هناك عاصفة أخرى في أمريكا أثارها الفنان كلينت ايستوود الذي سعى للسخرية من الرئيس الأمريكي باراك اوباما في سياق مساندته لميت رومنى مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمعة في شهر نوفمبر القادم، منتقدا ما وصفه "بالأجواء السقيمة في واشنطن في ظل أدارة باراك اوباما.
وذهب الممثل والمخرج الشهير البالغ من العمر 82 عاما والعضو في الحزب الجمهوري منذ عام 1952 إلى أن "أمريكا بحاجة لدفعة قوية"، فيما يشارك في جمع التبرعات للحملة الانتخابية لرومنى.
وخلال كلمته في مؤتمر للحزب الجمهوري وضع كلينت ايستوود بطل الفيلم الشهير "من أجل حفنة دولارات" مقعدا فارغا بجواره وتظاهر بأن أوباما يجلس عليه، وخاطبه بالقول: "لقد أتيت بالسيد اوباما على ذلك المقعد وكنت اعتزم أن أسأله سؤالين"، مضيفا:"عندما لا يقوم أحد بعمله فعلينا أن نجعله يرحل".
ومع أنه برر موقفه المضاد للرئيس الحالي باراك اوباما بأنه: "لا ينسجم معه سياسيا"، فإن أوباما قال، إنه من أكثر المعجبين بكلينت ايستوود "فهو ممثل ومخرج عظيم أيضا"، معربا عن اعتقاده بأن أفلامه الأخيرة تعتبر أفلاما رائعة.
غير أن كلمات ايستوود وأفعاله أثارت ردود فعل مضادة من جانب مناصري أوباما بقدر ما أثارت نوعا من التلاسن والانقسامات في هوليوود التي يؤازر بعض المع نجومها مثل توم هانكس وجورج كلونى وبن افليك الرئيس باراك اوباما.
في حين قالت الممثلة نانسى لى جراهان المتحمسة بشدة لأوباما: "إن على كلينت ايستوود أن يتناول دوائه ويشكر باراك اوباما الذي بفضله ينعم كبار السن بالتأمين الصحي"، انضم الممثل تشاك نورس نجم أفلام "الآكشن و الفنون القتالية" لكلينت ايستوود في دعوته الأمريكيين لعدم إعادة انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة، معتبرا أن الرئيس الحالي يقود البلاد لطريق "الاشتراكية" وهى كلمة سيئة السمعة لدى العديد من الأمريكيين.
ومن المنظور الثقافي يبدو جليا أن المنجز الفني الثرى لكلينت ايستوود، والذي تضمن على سبيل المثال فيلما عن المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، يرتقى بذوق المتلقي سواء في الداخل الأمريكي أو الخارج ويبدو مهموما في بعض أفلامه بخطورة ظاهرة "تدمير الذات" وساعيا لتقصى جذور هذه الظاهرة المدمرة للأفراد والمجتمعات.
ومن هنا استحق هذا الفنان الكبير كتبا جادة تشكل إضافة لثقافة الفن تماما مثل الفنانة الراحلة أم كلثوم، مثل كتاب "الهوى دون أهله " للكاتب والناقد الثقافي اللبناني حازم صاغية الذي يرى أن أم كلثوم القادمة من ريف مصر امتلكت قلوب المصريين والعرب ككل ، وباتت رمزا للانتصار على "ثقافة الكباريه" التي سادت في الفن لحظة مجيئها من الريف للقاهرة.
وسواء على المستوى النقدي أو تعليقات رجل الشارع -بدا جليا أن النظام الاستبدادي أعاد فى سنواته الأخيرة على وجه الخصوص "ثقافة الكباريه" وهى من المنظور الفني بالدرجة الأولى تبدو مجافية لاشتراطات الفن الحقيقي بينما لم تظهر بعد ملامح واضحة للفن في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير.
وإذا كان المستشار احمد مكي وزير العدل قد أوضح في تصريحات صحفية أن: "إي ثورة أن لم تتحول مبادئها لقوانين ستضيع"، مضيفا: "نحن عاكفون على صياغة مبادئ ثورة 25 يناير في قوانين رسمية"، فإن السؤال مازال يتردد بقوة حول مدى التعبير الثقافي للفن المصري عن هذه الثورة والتزامه بمبادئها في الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل المصريين.
وفى الوقت ذاته بدت العلاقة بين الفن ومتغيرات السياسة مثيرة لحالة من الالتباس في وقت يعانى فيه المشهد الفني من أزمة عميقة ضمن تركة النظام الاستبدادي الذي شجع "ثقافة الكباريه".
وفى بيان صحفي، نفى وزير الثقافة محمد صابر عرب صحة تصريح نسب إليه وجاء فيه أن الفنانين المتخوفين من "اخونة الدولة" هم "أصحاب فن مبتذل"، مؤكدا أن هذا التصريح لم يصدر على لسانه ويخالف ثقافته وإيمانه بالحرية والإبداع بمعناهما الكبير.
وأضاف عرب في بيانه: "كثيرا ما قلت في معظم تصريحاتي الإعلامية ولقاءاتي الصحفية بأنني من أنصار الإبداع الثقافي والفني بلا أية قيود إجرائية أو قانونية لكن يبقى الحكم في النهاية هو المجتمع الذي ينتصر دائما للفن الراقي".
وكان وزير الثقافة قد نوه بأنه: "مع الفن والإبداع ولكنه ليس مع الانحطاط في الفن واللاابداع، فعندما يتحول الفن إلى أداة هدامة لا يمكن أن نسميه فنا"، مؤكدا أنه لا يجامل أحدا أو تيارا بعينه بهذا الرأي وإنما "هناك رأى جمعي للناس يتفقون على معاييره وصلاحيته وهناك معايير عامة ترتضيها الجماعة الوطنية من الأدب والفن و الثقافة".
وكان الفنان حمدي أحمد قد استنكر في مقابلة تلفزيونية ما وصفه بالهجمة الشرسة التي يتعرض لها بعض الفنانين، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "هناك رؤوس أموال غير نظيفة هي المسئولة عن إنتاج الفن المبتذل" داعيا لتعديل قوانين النقابات المهنية لتتمكن من محاسبة الممثلين والمخرجين الذين يقدمون فنا مبتذلا يعتمد على العرى والإثارة.
ووصف الشاعر والكاتب المرموق فاروق جويدة، تبادل النيران بين شيوخنا الأجلاء وفناني مصر الكبار" بأنها "فضيحة إعلامية بكل المقاييس"، داعيا لوقف هذه المهاترات.
وأضاف :"إذا كنا نطالب بالمزيد من الحريات فإننا نطالب أيضا بالمزيد من الانضباط في لغة الحوار، فهذا التراشق ابعد ما يكون عن قدسية الدين وروح الفن".
وأعاد جويدة للأذهان أنه كتب منذ أيام عن "حجم البذاءات" التي جاءت في المسلسلات التلفزيونية الرمضانية لهذا العام، معتبرا أن هذه البذاءات "تكفى لإفساد أخلاق كل سكان الكرة الأرضية"، معربا عن أسفه "لأن أطفالنا الصغار يشاهدون هذه الجرائم".
ومن المؤكد، إن الموسيقار الروسي الكبير فاليرى جريجييف كان محقا في تأكيده على أهمية احترام الجمهور عبر الصدق والإخلاص في الفن وإلا فإن الجمهور سينصرف والأضواء ستطفئ، أن الفنان الحقيقي هو صديق الشعب عبر إبداعاته وإخلاصه الفني.
ويبدو إن كلماته تنطوي على إجابة لأزمة عميقة في بنية الفن المصري المدعو لثورة ثقافية تضارع ثورة شعب اسقط بإبداعاته النضالية نظام الاستبداد. مواد متعلقة: 1. القضاء ينظر دعوى تطالب بوقف قناة الحافظ لسبها الهام شاهين ونور الشريف 2. نشطاء ال«فيس بوك» يدينون سقطة «مرسي» مع «الهام شاهين» 3. علاء صادق:«لو كان أبو تريكه راقصة أو من نوعية الهام شاهين لأهتم مرسى بأمره»