ترى شخصية قيادية بارزة في قوى "14 آذار" أن ما صدر عن الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير قبل يومين بشأن الدعوة إلى وضع إستراتيجية تحريرية جاء بمثابة رد شبه مباشر على الدعوة التي صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان في عيد الجيش قبل ساعات من كلام نصرالله لجهة الدعوة إلى "إستراتيجية وطنية للدفاع ترتكز على الجيش اللبناني، وتجمع القدرات الوطنية المقاومة والرادعة للتصدي لمخططات العدو الإسرائيلي". ويبدو أن نصرالله استاء من الشروحات التي تضمنها خطاب سليمان، والتي جاءت بمثابة نقض لكل الطروحات التي سبق ل"حزب الله" أن تمسك بها. فالرئيس سليمان لم يأت على ذكر مثلث "الجيش والشعب والمقاومة"، لكنه أشار إلى أن "لا شراكة مع الجيش والقوى الشرعية الرسمية في الأمن والسيادة واحتكار القوة التي هي حق حصري للدولة".
واعتبر "حزب الله" قول رئيس الجمهورية: "لا يخطئن أحد في التقدير أو الحساب، حيث تجربة السنوات الثلاثين الماضية كانت مريرة، عندما تم تهميش دور الجيش في الدفاع عن الجنوب"، بمثابة رسالة إلى نصرالله برفض أي محاولة لفرض أمر واقع جديد يسعى الحزب إلى فرضه في الجنوب وغيره من المناطق اللبنانية، بحجة مقاومة إسرائيل وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر.
وقد جاء تذكير رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالمادة الأولى لقانون الدفاع التي حددت مهام الجيش اللبناني في الدفاع الوطني "بإعداد الدفاع المسلح لحماية أراضي الجمهورية اللبنانية والمحافظة على سلامة البلاد من كل تعد داخلي وخارجي، وإعداد الأمة والبلاد لأداء واجب الذود عن كيان الوطن المقدس"، بمثابة تأكيد من أعلى مرجع في الدولة اللبنانية على أن العمل المسلح ل"حزب الله" ولو في مواجهة إسرائيل يبقى فاقدا للشرعية القانونية بمعزل عن كنف الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والأمنية والعسكرية لاسيما من خلال قوله: "نعمل لمشاركة في الدفاع الوطني بصيغة متوافق عليها في إطار الدستور ومستلزمات الوفاق الوطني وقرارات الشرعية الدولية.
لكن لا شراكة مع الجيش والقوى الشرعية الرسمية في الأمن والسيادة والتصرف بعناصر القوة التي هي حق حصري للدولة"، وهو ما لا يترك مجالا للشك بأن التصور الذي سيطرحه رئيس الجمهورية ميشال سليمان في أول جلسة للحوار سينسف كل القواعد التي يسعى "حزب الله" إلى تثبيتها، بحيث يحتكر هو العمل المقاوم في مواجهة إسرائيل، ويجعل من الدولة اللبنانية ملحقة بوجهة نظره.
وتقرأ الشخصية القيادية البارزة في قوى "14 آذار" دعوة نصرالله إلى إستراتيجية تحريرية محاولة استباقية من جانب نصرالله لإفراغ كلام رئيس الجمهورية من مضمونه، ومنع ترجمته إلى طرح متكامل يوضع للنقاش على طاولة الحوار، لأن من شأن مثل هذا التصور الرئاسي أن يعزل "حزب الله" لبنانيا، وأن يضعه في مواجهة مع معظم الفرقاء السياسيين اللبنانيين في منعطف إقليمي دقيق، لا يمكن خلاله للحزب أن يخوض مواجهات على أكثر من جبهة سياسية وإعلامية وأمنية لبنانية وعربية ودولية.
وبالاستناد إلى هذه القراءة فإن قوى "14 آذار" تعتبر أن المواجهة الحقيقية تبدو اليوم أكثر من أي يوم مضى بين "حزب الله" ومنطق الدولة، لأن الحزب سيكون مضطرا لمواجهة تصور يطرحه رئيس الجمهورية الذي سيحظى بدعم معظم الفرقاء اللبنانيين، في وقت سيجد حلفاء "حزب الله" السنة كالرئيس نجيب ميقاتي والمسيحيون كالعماد ميشال عون أنفسهم محرجين وغير قادرين على السير في وجهة نظر الحزب من المقاومة، لاسيما عشية الانتخابات النيابية المقبلة.