بينما كانت أغلب السيارات المغادرة لسوريا عن طريق معبر المصنع الحدودي مكتظة بأبناء الأسر الفقيرة وعلى سقوفها أكداس من الحقائب والأمتعة تميزت بينها سيارة مكيفة راعية الدفع من طراز لاند كروزر كانت نوافذها معتمة وتحمل لوحات ترخيص من دمشق. وقال السائق باقتضاب في مزاج لا يسمح له بالحديث إنه سائح، مضيفاً "لا شيء يحدث في سوريا. جئنا للاستجمام ستة أيام في بيروت."
وكان أغلب السوريين الذين فروا من الصراع في سوريا على مدى الشهور الستة عشر الماضية مزارعين بسطاء يجدون لهم ملجأ لدى أسر لبنانية متعاطفة معهم أو في خيام مؤقتة أو في مبان مهجورة.
لكن بعدما أضر الصراع في سوريا حتى بأغنى ضواحي دمشق، بدأت فئة أخرى من اللاجئين بشكل راق تتدفق على لبنان حيث يفرون في سيارات من نوع "بورشه"، ويقيمون في مساكن فاخرة ببيروت ويتواجدون بكثرة في نواديها الليلية ويتناولون الطعام في مرسى اليخوت.
وخلال الأسبوع الماضي، الذي شهد أحداث عنف غير مسبوق في العاصمة دمشق، فر عشرات الآلاف من اللاجئين بالفعل إلى لبنان، حيث أفاد مسؤولون لبنانيون بأن نحو 20 ألف شخص عبروا الحدود يومياً، وفقاً لوكالة رويترز.
وظلت النخبة في دمشق موالية إلى حد كبير للرئيس بشار الأسد في الوقت الذي تسعى فيه قواته لإخماد انتفاضة بالقوة.
ويميل السوريون من أبناء الطبقة الغنية والمتوسطة الذين غادروا إلى لبنان إلى توخي الحذر ورفض الخوض في الأمور السياسية.
ورفض من تحدثت معهم رويترز نشر أسمائهم لحماية أسرهم في سوريا أو لتجنب التعرض للانتقام عندما يعودون.
وكان وجود الأثرياء السوريين في بيروت واضحاً بالفعل منذ شهور حيث التحق أطفالهم بمدارس راقية في حين كانت السيارات من طراز "بي. إم. دبليو"، التي تحمل لوحات معدنية من دمشق، تجوب شوارع المدينة.
وفي منطقة الحمراء وهي مركز لمتاجر الأزياء والمقاهي الكبرى يمكن حالياً مشاهدة فتيات يرتدين غطاء الرأس الأبيض الشائع في دمشق وسط اللبنانيات اللاتي ترتدين الصنادل والسراويل القصيرة.
وجلست مجموعة من الرجال السوريين في مقهى خارج فندق ميد تاون سويت في الحمراء، الذي يتجاوز سعر الليلة فيه 100 دولار، يناقشون الأحداث في بلادهم.
مئات السوريين يتدفقون إلى لبنان بحثا عن الأمان وقال أحدهم، رافضاً الكشف عن هويته "الوضع في الحقيقة ليس طيباً في دمشق. جئنا إلى هنا لكن نأمل في العودة خلال أيام قليلة"، لكنه لم يشأ التحدث بمزيد من التفصيل عن الوضع السياسي في سوريا.
وفي مكان آخر بالشارع خرج رجل دمشقي وزوجته من سيارتهما وسارا ببطء في شارع الحمراء الرئيسي يتفرجان على نوافذ العرض بالمتاجر.
وقال الرجل "اضطررنا للمجيء إلى بيروت، أنت تعلم كيف هو الحال هناك.. عليك أن تشاهد التلفزيون وترى".
ويمكن أن يخفف وصول الأثرياء السوريين إلى لبنان بعض الضغوط الاقتصادية التي فرضتها على لبنان تكلفة استيعاب السوريين الأشد فقرا من أبناء القرى.
وترحب الفنادق والمطاعم والحانات بالنشاط في القطاع السياحي الذي تضرر من الحرب في الدولة المجاورة والتي منعت الزوار الأثرياء من دول الخليج العربية من زيارة المنتجعات الجبلية اللبنانية والأندية الشاطئية هذا الصيف.
وقال ابراهيم سيف الخبير الاقتصادي لدى معهد كارنيجي الشرق الأوسط إن هناك سوريين ميسورين يأتون إلى لبنان ممن يملكون حسابات مصرفية في بلادهم وموارد تمكنهم من دفع الإيجارات ونقل أولادهم إلى المدارس.
وأضاف أن هؤلاء يساهمون في قطاع السياحة في لبنان ويدعمونه جزئيا. ويستغل بعض سماسرة العقارات في بيروت بالفعل تدفق السوريين في مساوماتهم.
وقال سمسار مخاطباً زبوناً كان يصطحبه في حي الأشرفية الراقي إنه سيكون عليه زيادة ما يتوقع أن يدفعه، مضيفاً "الأسعار مرتفعة الآن لأن السوريين أخذوا الشقق السكنية."