ضمن الموسم الثقافي ل"دار الآثار الإسلامية" بسلطنة عمان ألقى الدكتور نواف عبد العزيز الجحمة محاضرة بالعربية تحت عنوان "رحلة السائح أبي الحسن الهروي - الرحلة المستعادة" بمركز الميدان الثقافي، قدم المحاضرة وأدار حولها النقاش منيرة عبد الرحمن الخبيزي عضو اللجنة التأسيسية لأصدقاء "الدار". استهل المحاضر حديثه موضحا أنه لم يعرف الكثير عن الرحالة السائح أبي الحسن الهروي، كما تدل نسبته فأصله من هرات، ولكنه ولد بالموصل وطاف في أرجاء كثيرة من أنحاء المعمورة، وكان يكتب اسمه على أبرز الآثار والمعالم، وقد اطلع المؤرخ ابن خلكان على نماذج من إشارات على تلك الآثار. إنه لم يترك براً، ولا بحراً، ولا سهلاً، ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قَصْدها ورؤيتها إلا رآه، ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه. وقد جاء كتابه "الإشارات إلى معرفة الزيارات" متضمنا تلك الأسفار، وقد ذكر الهروي سبب تأليفه فقال في المقدمة وفق صحيفة "الوطن" العمانية: "إن بعض الإخوان، والخلاّن سألوني أن أذكر لهم، ما زرته من الزيارات، وما شهدته من العجائب والأبنية والعمارات، وما رأيته من الأصنام والآثار والطلسمات في الربع المسكون والقطر المغمور، وها أنا ابتدئ بذكر الزيارات من مدينة حلب وأعمالها، ثم أذكر الشام وفلسطين والأرض المقدسة، وديار مصر بأسرها والصعيدين، والبلاد البحرية، والمغرب، وجزائر البحر، وبلاد الروم، وجزيرة ابن عمر، وديار بكر، والعراق بأسرها، وأطراف الهند والحرمين الشريفين، واليمن وبلاد العجم، مع أنه لم يدخل بلاد العجم والمغرب نبي، بل بهما من الصالحين والأبدال والأولياء ما لو جمع لكان كثيراً، وهذا الكتاب مقتصر على ذكر الزيارات". وعن تأصيل شخصية ورحلة الهروى قال د. نواف إنها ظلت مصدرا لكثير من الأحداث والشواهد والآثار، مما رآه فعلا أو سمعه أو ما بلغه عن ثقات أهل زمانه، وقد أكدت رواياته مصادر رحلية أخرى مثل رحلتي "ابن جبير وابن بطوطة في القرنين السادس والثامن الهجريين (1214م)" واعتبر هو المصدر الفريد في كثير مما روى خاصة في ما يعرف ب"جغرافية الأماكن المقدسة" في بلاد المشرق العربي إبان الحروب الصليبية، وأصبحت رحلته معتمد المؤرخين وأصحاب المعاجم منذ القرن الثالث عشر. وقد اختتم الدكتور نواف الجحمة محاضرته بالحديث عن مكانة "الهروى" في أواخر عمره فقد تمتع بنفوذ كبير لدى والي حلب وهو أحد أبناء صلاح الدين الأيوبي، حيث احتضنه الملك "الظاهر" الذي قربه إليه، ولقد لقى لدى الظاهر تقديرا كبيرا ولا أدل على ذلك من أنه بنى له مدرسة خاصة به هي المدرسة الهروية بظاهر حلب، وفيما بعد دفن بها الهروي، وقد رأى قبره ابن خلكان.