محيط – سميرة سليمان " يا أخواتي: الحياة/ أغنية جميلة، وأجمل الأشياء:/ ما هو آت، ما وراء الليل من ضياء/ ومن مسرات وهناء/ وأجمل الغناء:/ ما كان من قلوبكم ينبع من أعماق/ شعوبنا الراسخة الأعراق/ وأرضنا الطيبة الخضراء/ فلتلّغوا الظلام/ وصانعي المأساة والآلام/ ولتمسحوا الدموع/ وتوقدوا الشموع/ في وحشة الطريق للإنسان/ يا إخواتي: الحياة/ أغنية جميلة، مطلعها الدموع والأحزان" تحل غداً ذكرى رحيل الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي عام 1997، وبهذه المناسبة تقام عدد من الأمسيات الشعرية في العواصم العربية لقراءة دواوينه، وقد أصدرت له الهيئة المصرية العامة للكتاب ديوانا بعنوان "المختار من شعر عبد الوهاب البياتي" إعداد وتحرير د. سمير سرحان ود.محمد عناني، ونقلب بين أوراق الديوان البياتي.. جاء بتقديم الديوان أن البياتي يعتبر مع صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة من رواد شعر التفعيلة، وإن كان ذلك الوصف الذي أطلق على هذه الموجة الأولى لا يوفيها حقها؛ فالتجديد الذي أتوا به لم يقتصر على هجر الشعر العمودي وإن كانوا جميعا قد كتبوه، بل تعدى ذلك إلى تعبيد الطريق للجيل التالي من الموهوبين الذين طوروا شكل القصيدة وموضوعها. والبياتي شاعر عراقي معاصر، ولد في بغداد عام 1926، تخرج بشهادة اللغة العربية وآدابها عام1950م، واشتغل مدرساً 1950-1953م، ومارس الصحافة عام 1954م مع مجلة "الثقافة الجديدة" لكنها أغلقت، وفصل من وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية. فسافر إلى سوريا ثم بيروت ثم القاهرة، وزار الاتحاد السوفييتي عام 1959-1964م، واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو، ثم باحثاً علمياً في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية، وفي عام 1963 أسقطت عنه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة عام 1964م وأقام فيها إلى عام 1970. من بكائيته إلى صلاح جاهين التي كتبها في 27 مايو 1986نقرأ: كانت أعواما جاحدة/ في ليل شتاء العرب القاسي/ كانت أعواما جوفاء/ فيها مُسحت ذاكرة الإنسان/ ومات الشعراء/ وامتهن الفكر/ وديست أحلام الفقراء/ فيها سممت الآبار/ وطفت جيف الكتاب المأجورين/ وصاروا وعاظا في الصحف الصفراء/ فيها انهزم الثوار/ صاروا أيتاما ورعايا/ في زمن البترول/ الشيطان/ في ليل شتاء العرب القاسي هذا/ كان صلاح/ يذوي في صمت ويموت ببطء/ ويجرجر أذيال الغربة/ في دائرة الضوء/ ويخفي خيبته في ضحكة طفل/ فاجأه موت النور/ وبرد السنوات/ فبكى مثل الرجل- الطفل المخذول ومات.
البياتي كان عضوا في جمعية الشعر، ومن مؤلفاته "ملائكة وشياطين"، " أباريق مهشمة"، "المجد للأطفال والزيتون"،"رسالة إلى ناظم حكمت وقصائد أخرى"، "أشعار في المنفى"، "سفر الفقر والثورة"، "قصائد حب على بوابات العالم السبع"، "كتاب البحر"، "سيرة ذاتية لسارق النار"، "قمر شيراز"، وغيرها من المؤلفات. مع الشعر.. في قصيدة "أغنية" يقول: في البرعم الغافي وفي الهدب المبلل بالدموع/ في الصمت في الأحلام في الشفق المخضب في الربيع/ روحي تفر – إليك – مني/ ثملى يجنحها التمني/ وإذا أفقت وأنت عني/ في معزل أنا بسجني/ رجعت إلى تقول: غنّ / ما زلت نشوان الخواطر تائها/ في الوهم أضرب كالفراش الحائر/ ماضي يجذبني إليك بلهفة/ ويكاد في عينيك يشعل حاضري/ ويهز في أعماق روحي صورة/ هي سر أحلامي وفرحي خاطري/ لولا سناها ما عرفت حقيقتي/ ونشيد إنشادي وكنه مشاعري. في قصيدة "ذكريات الطفولة" : بالأمس كنا، آه من كنا: ومن أمس يكون نعدو وراء ظلالنا..كنا ومن أمس يكون لا نرهب الصمت الذي تضفيه أشباح الغروب فوق الحدائق والدروب لا نرهب السور الذي من خلفه يأتي الضياء ولربما مات الضياء ولم يعد ونقول "جاء" ! كنا نقول كما نشاء حتى النجوم كنا نقول بأنها كانت عيون للأرض تنظر في فنون حتى النجوم كانت عيون لا نعرف "الشئ الصغير" ولا نصدق ما يقال ولا نزال ولربما كنا نحدّق في الفراغ ولا ننام وفي الظلام مأوى العفاريت الضخام كانت مدائننا الجديدة في الظلام بمنازل الأموات، أشبه، أو قرى النمل الجديدة في الظلام كانت مدائننا تقام وفي الظلام كنا نحدق في الفارغ ولا ننام إلا على أصوات عالمنا المقوض، والعبيد يتسكعون ومن جديد يستقبلون هناك طاغية جديد وخيولنا الخشبية العرجاء كنا في الجدار بالفحم نرسمها، ونرسم حولها حقلا ودار ونًطارد القطط الهزيلة في الأزقة بالحجار وإى "الحبيبة" كان يدفعنا، ويدفعنا الحنين في بيتها نقضي أماسينا الطويلة حالمين كما لخفق نعالها الفضي، نصغى ساهمين بعد المساء وبعد حين وتثور أحقاد السنين فنعود نبحث في بقايا الذكريات عن الحياة الأمس مات لم يبق حول"مدينة الأطفال" إلا ما نشاء إلا السماء جوفاء، فارعة، تحجر في مآقيها الدخان إلا بقايا السور والشحاذ يستجدي وأقدام الزمان إلا العجائز في الدروب الموحشات يسألن عنا الغاديات الرائحات ولربما مرت بهن هذي الذكريات "السور"، و"الشحاذ" و"الطفل الذي بالأمس مات" وفي قصيدته "الصحف الصفراء" يقول: الصحف الصفراء في زماننا/ توزع الألقاب/ تلثم أيدي القاتلين/ تمسح الأعتاب/ تمنح أشباه الرجال العور والأذناب/ صكوك غفران بلا حساب/ تطلق غربان الحروف السود/ تحثو أوجه القراء بالتراب/ يطن في سطورها البليدة الذباب/ تنبح في أنهارها الكلاب/ أبطالها مزيفو النقود والتاريخ والأفكار/ ولاعبو الجبال والمهرجان كاتمو الأسرار/ وجوقة الأوغاد والأشرار/ رأيتهم في كل أرض حبلت بالرعد والأمطار/ تحت نعال الكادحين ويد الثوار/ منكسي الرايات/ في عيونهم مذلة وعار/ ينتظرون/ أن ماء البحر لن يغسل هذا العار وفي قصيدته الرومانسية " إليها " يقول : عشقتك في المنفى وأنت صبية/ وكان في هوانا في الجوانح يكبر/ فلما التقينا بعد نأي وغربة/ رجعنا إلى أرض الطفولة نبحر/ كأنا ولدنا من جديد بكوكب/ هو الوطن الموعود أو هو أبعد/ أقول لعينيك اللتين تلاقتا/ بعيني أكان الأمس مر أو الغد/ لقد أقبلت كل العصور وكل ما/ هفوت له يوما وما كنت أضمر/ بخضرة عينيك السماء تلونت/ وباحت بما تُخفي الطبيعة أنهر/ وقال مغنيها هو الحب فاحترق/ فنارك بعد اليوم هيهات تخمد