جاء المحور الثقافي فى برنامج المرشح الرئاسي أبو العز الحريرى تحت عنوان "تناول كتابا فإنه أيضا سلاح"، ويشرح البرنامج أنه يلزم لتحقيق تنمية ثقافية شاملة مستويان، الأول يقضي بضرورة إلغاء كافة التشريعات التي تحد من تطور الثقافة وحرية المبدع، والقوانين الخاصة بالرقابة وحرية النشر وشطب كل ما يسمح بمصادرة الكتب والأفلام والأعمال الفنية المختلفة، ووضع تشريعات جديدة تجسد روح الثورة ومطالب مثقفيها . بالإضافة إلى إدارة الأجهزة والمؤسسات الثقافية التابعة للدولة بشكل يحررها من خضوعها المهين لتوجهات النظام السياسي ، وبحيث يتم انتخاب المسئولين عن تلك المؤسسات في مؤتمر ديمقراطي سنوي للمثقفين بحرية تامة ، سواء أكان ذلك يتعلق بإدارة قصور الثقافة أو هيئة الكتاب أو المسرح أو مكتبة الإسكندرية وغيرها، وكلها مؤسسات عانت طويلا من تعيين المسئولين من أعلى لضمان ولائهم . وينطبق هذا المبدأ على وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا وخطورة وفي مقدمتها التليفزيون الذي يعد المصدر الرئيسي للثقافة الشعبية العامة، والصحف، والاتحادات والنقابات التي تضم الفنانين بمختلف اختصاصاتهم كاتحاد الكتاب ونقابة التشكيليين والموسيقيين وغيرها من النقابات التي قامت الدولة بترويضها طويلا لصالح سياساتها .
إلزام كافة الجهات الرسمية المعنية بشئون الثقافة بتقديم كشف حساب عن ميزانياتها وأوجه إنفاقها السنوية في المؤتمر السنوي للمثقفين والذي ينبغي لتوصياته أن تكون ملزمة لكل تلك الجهات وفي مقدمتها وزارة الثقافة، والمؤسسات التابعة للوزارة كالمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة وغيره، تحديد حد أعلى لأجور قادة تلك المؤسسات لكي لا تتكرر المهزلة التي كان رئيس التحرير أو المسئول بموجبها يتقاضى شهريا نحو مليون جنيه في بعض الحالات، بينما لم يزد أجر بعض العاملين في نفس المؤسسة عن خمسمائة جنيه في أفضل الأحوال، بجانب ترسيخ مبدأ دعم الدولة للسلعة الثقافية سواء أكانت كتابا مطبوعا أو صحيفة أو غير ذلك، وطباعة كتب "بريل" للمكفوفين، ونشر ثقافة الطفل، وإصدار ما يكفى من مجلات متخصصة في كافة فروع العلم والفن.
التوسع في بناء المكتبات العامة في القرى والمدن والمدارس خاصة بعد أن وصلت أسعار الكتب والسلع الثقافية إلي أثمان لا طاقة لأي مواطن بها.
وضع برامج طويلة المدى للمسارح والنشر تنبثق من مؤتمر المثقفين وتكتمل بالنقاش حولها، وقد صار هذا المطلب ضرورة قصوى بعد أن كفت دار الأوبرا عن القيام بدورها في نشر ثقافتنا القومية وأعمال سيد درويش واكتفت بفتح أبوابها لصغار المطربين والقيام بدور الملهى الليلي، ووضع "ريبيرتوار" للمسرح القومي يتضمن إعادة عرض تراثنا المسرحي بدءا من يعقوب صنوع، وتوفيق الحكيم، ومرورا بمحمود دياب، وألفريد فرج، ويوسف إدريس وغيرهم من عظماء كتابنا، إلزام مسارح المدن الكبرى بتقديم عروضها في الريف والصعيد والقرى النائية فيما يمكن أن نطلق عليه " طبعة شعبية " لنفس العرض.
إحياء الاهتمام بالفنون الشعبية وهو اهتمام كاد أن يندثر وبسبب ذلك يكاد أن يتغيب الوجه الثقافي الشعبي الفولكوري لشعبنا العظيم على ثراء ذلك الوجه وتنوع ملامحه الإنسانية والفكرية، التأكيد على حرية المثقفين الكاملة في تكوين تنظيماتهم الثقافية المختلفة، مع أننا لسنا مع هدم مؤسسات الدولة القائمة لكن مع تغييرها، إلا أن وجود تنظيمات مستقلة سيكون بمثابة رقابة على الأجهزة الثقافية الرسمية، وضميرا لها.
ويرى البرنامج أن القضايا الثقافية المتراكمة كثيرة ومتشابكة، ولكننا نرى أن "مؤتمرا ديمقراطيا للمثقفين" ينعقد في نفس الوقت في أكثر من مدينة ومقر هو المخرج الحقيقي لطرح تلك القضايا والحلول الممكنة، وإعلاء صوت المثقف والتأكيد على حقه ومشاركته في تقرير السياسة الثقافية، وترشيحه للمسئولين الجديرين بتولي المناصب القيادية في تلك الأجهزة.
المستوي الثاني لتحقيق التنمية الثقافية في برنامج المرشح أبوالعز الحريري على صعيد آخر نحن نرى الثقافة من زاوية إبداع النخبة ومشاكلها في علاقتها بالسلطة، لكننا أيضا نرى العملية الثقافية ونفهمها على مستوى آخر أشار إليه طه حسين حين كتب "إن التعليم مستقر الثقافة"، أي أنه لا يمكن فعليا الحديث عن ثقافة في ظل الأمية، ولا الحديث عن ثقافة في ظل حالة التعليم المتدهورة، وإلا كنا نتحدث عن ثقافة الأقلية، أيا كان شرف وضمير تلك الأقلية يقظا وحيا. لهذا نرى أنه من اللازم للقيام " بتنمية ثقافية شاملة " شن حرب بلا هوادة على الأمية، وتطوير التعليم ومناهجه وتحسين أجور المعلمين ومضاعفة الميزانية المخصصة للتعليم . ومن دون تطوير التعليم نكون كمن يحرث في البحر، أو في أفضل الأحوال نكون كمن يعبد الطريق لقلة مثقفة شريفة تسعي للتعبير عن هموم شعبها، بينما يرتع شعبها في الجهل.
أخيرا نطمح لإشاعة ثقافة وطنية ديمقراطية تتمسك بمكافحة التمييز الديني والعرقي، وتدعو للحرية، وللتآخي الإنساني بين أبناء البشرية ثقافة متفتحة وعلمية تغدو "ثقافة الشعب"، وليس " ثقافة للشعب" ، لأن بوسعنا ونحن نعلم الناس أن نتعلم منهم الكثير، مؤكداً أنه في غمار الثورة سيظل شعارنا "تناول كتابا فإنه أيضا سلاح" !.