وفاة فاروق عبد القادر بعد يوم من فوزه بجائزة الدولة القاهرة: عقب يوم واحد من فوزه بجائزة التفوق في الآداب رحل عن عالمنا الناقد المصري الكبير فاروق عبد القادر والذي تميز بآرائه النقدية الجريئة في الواقع الثقافي المصري, حيث توفي بإحدى مستشفيات القاهرة أمس الثلاثاء عن عمر يناهز 72 عاماً، ولم يكن الراحل قد علم بفوزه بالجائزة نظراُ لمعاناته من غيبوبة منذ عدة شهور بسبب جلطة في المخ.
وحسبما ورد بصحيفة "الدستور" المصرية ولد الناقد الراحل بمحافظة بني سويف عام 1938، التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس وتخرج منها عام 1958 متخصصاً في علم النفس، عمل كسكرتير تحرير لمجلة "المسرح" ثم مسئولاً عن ملحق الأدب والفنون بمجلة "الطليعة" الصادرة عن مؤسسة الأهرام ، وفي الخمسينات انتقل الناقد الراحل إلى المملكة العربية السعودية حيث عمل بصحيفة "الندوة" ونشر فيها عدة مقالات عن الاتجاهات الجديدة في الفلسفة والأدب، ثم عمل فترة قصيرة بالهيئة العامة للاستعلامات، هذا إلى جانب عمله بصحف أخرى منها "روز اليوسف" وكان له مقال أسبوعي بصحيفة "السفير" اللبنانية.
وقد عرف عن الناقد الراحل حبه للاستقلال وعدم الخضوع لأي قيود فلم يكن معيناً في أي من مؤسسات الدولة ولم ينشر كتبه داخل هيئات وزارة الثقافة حتى أنه رفض القيود أيضاً في حياته الخاصة فلم يتزوج وظل متفرغاً لعمله ومؤلفاته وممارسة عمله كناقد هذا العمل الذي أعتبره معركة داخل الثقافة والأدب والسياسة كما جاء بصحيفة "السفير" اللبنانية.
واشتهر بمواقفه النضالية الشرسة من أجل الدفاع عن قضية ما وإيصال وجهة نظره، والتزم بمنهج نقدي مستقل خاص به وخاض معاركه النقدية في القصة والرواية والأدب عامة، فلم يتبنى رأي مؤسسة ما أو يخضع لقوانينها وبقي أميناً لرؤيته ولم يساوم عليها.
وفي إحدى حواراته التي أجرتها معه صحيفة "الشرق الأوسط" عام 2005 اعترف الناقد الراحل أن علاقته بالماركسيين كانت لها تأثير كبير في التفاته للأبعاد الاجتماعية والطبقية في نقده للأعمال الإبداعية، حيث كان الراحل ينتمي في بداية حياته إلى الحزب الشيوعي المصري الذي عرف بحزب "الراية" والذي كان يهتم بتثقيف أعضائه أكثر من اهتمامه بالانتشار الجماهيري. ويعترف عبدالقادر أن الثقافة الماركسية التي استمدها من الحزب ساهمت بشكل كبير في تكوينه الثقافي، وخلقت لديه التوازن الضروري ما بين النظر إلى الفرد وبين إدراك العوامل الاجتماعية والطبقية الموجودة في الواقع.
وحول اهتمامه بالمسرح قال الراحل أنه ارتبط به منذ صعود المسرح المصري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي, مع ظهور شخصيات جديدة من كتاب المسرح وفنانيه, ونقاده مثل نعمان عاشور والفريد فرج وسعد الدين وهبة ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي، ومن هنا بدأ اهتمامه بالمسرح باعتباره فنا جادا يعيد العلاقة مرة أخرى بين الفن الجاد وجماهير الناس.
ويؤكد فاروق عبد القادر خلال حديثه ل "الشرق الأوسط" على فكرة "الكاتب الحر" وأنه هو الذي اختار أن يكون بعيداً عن أي مؤسسة ثقافية وصحافية، ويبرر ذلك قائلاً أنه يعفيه من أي التزامات، ويوفر له الحرية الكاملة وأن جزءا من هذه الحرية يرجع إلى أنه يختار ما يكتب ويختار أين ينشره ، ويكون مسئولاً عنه مسئوليه كاملة، أما عن السلبيات التي يجنيها من وراء ذلك فهو عدم الاستقرار المادي أو النفسي وعدم وجود جهة تحميه وعلى الرغم من ذلك أكد انه تمسك باختياره حتى يواجه هذه المؤسسات ويفضحها لأنها مؤسسات فاسدة, لا تتوجه إلى المثقف بقدر ما تتوجه إلى العمل في خدمة النظام ويظل القائمون على الثقافة ينفذون السياسات المطلوبة منهم.
أثرى الراحل المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والترجمات كان اغلبها في مجال المسرح فقدم "ازدهار وسقوط المسرح المصري" و"نافذة على مسرح الغرب " و"أوراق من الرماد والجمر" و"رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة" و"من أوراق الرفض والقبول" و"نفق معتم ومصابيح قليلة" و"من أوراق الزمن الرخو" و"البحث عن اليقين المراوغ قراءة في قصص يوسف إدريس"، و" مساحة للضوء مساحات للظلال".
كما قدم للقارئ العربي ترجمات لأغلب أعمال المسرحي بيرتر بروك، الذي بادر بإعلان تنازله عن حقوق الترجمة لصالح عبدالقادر، حين عرف بمرضه ، كما ترجم مسرحيات لتشيخوف "بلاتونوف، أو فضيحة في الريف" وتينسي وليامز "ليلة السحلية"، "فترة التوافق" أو آرثر أداموف "لعبة البينغ"، إلى جانب مؤلفات في المسرح ككتاب جيمس روز إيفانز "المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى اليوم".
يذكر أن الناقد الراحل قد توج من قبل بجائزة سلطان العويس من الإمارات عام 1993 مناصفة مع الناقدة اللبنانية يمنى العيد، وهي الجائزة الوحيدة في حياته على الرغم من مشواره الحافل، وجاءت جائزة الدولة للتفوق الأخيرة كثاني جائزة له ولكن لم يكتب له أن يعلم بها.