لم يقدّر للناقد فاروق عبد القادر أن يعلم بحصوله علي جائزة الدولة للتفوق الإثنين الماضي. رحل عبد القادر في اليوم التالي وفي أرشيف ذاكرته حصوله علي جائزة وحيدة، هي جائزة العويس مناصفة مع الناقدة اللبنانية يمني العيد عام 93. ونبأ رحيله لم يكن مفاجئاً بالنسبة لكثيرين بسبب دخوله في غيبوبة عميقة منذ شهور بسبب جلطة في المخ. وابتعد عبد القادر عن العمل بالمؤسسات الرسمية اللهم إلا كتابته أحياناً في بعض إصداراتها، لأنه كان يري أن الاستغناء أساس العمل النقدي، يقول في حوار نُشر ضمن ملف عنه في مجلة "الثقافة الجديدة" مؤخراً: "أذكر أن لطفي الخولي قابلني وسألني عن قرار تعييني بالأهرام فقلت إنني لست راغباً في ذلك، وبدا لي وقتها أن العمل في الحكومة يهدد تحققي كناقد، ويحرمني من الاستقلال الذي أبتغيه، خصوصاً أن أحد مشاريع عبد الناصر كان تأميم الثقافة ومن يعارضه يحبسه أو يفصله من عمله، وعملت فترة في مجلة (المسرح) لعلاقتي الشخصية بسعد الدين وهبة، وعبد القادر القط، وصلاح عبد الصبور، لكني تدريجياً اكتشفت أن الكتابة هي التي تحقق ولا تحتاج وساطة حكومية". انتمي عبد القادر _بحسب الناقدة فريدة النقاش- لتقاليد المدرسة الواقعية الاشتراكية في النقد، المهمومة بوعي وذوق الجماهير العريضة.. ويري بهاء طاهر أن "فاروق عبد القادر هو الابن الوفي للمشروع المصري للحرية والتقدم الذي حمل لواءه مثقفون كبار منذ مطلع القرن التاسع عشر من أجل الاستقلال والتحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية" فيما يشير عبد المنعم تليمة إلي أنه "أضاف إضافات مرموقة في مجال الترجمة من الإنجليزية إلي العربية، وعُرف بين النقاد والمبدعين والدارسين بالموضوعية الحازمة والنزاهة"، والمعني الأخير يشدد عليه إبراهيم أصلان أيضاً: "عبد القادر قبل أن يكون صديقاً فهو ناقد هام تجسدت فيه معظم القيم النبيلة التي نفتقدها الآن".. ولد الناقد الراحل بمحافظة بني سويف عام 38، التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس وتخرج فيها عام 1958 متخصصاً في علم النفس، عمل كسكرتير تحرير لمجلة "المسرح" ثم مسئولاً عن ملحق الأدب والفنون بمجلة "الطليعة" الصادرة عن مؤسسة الأهرام ، وفي الخمسينات انتقل الناقد الراحل إلي المملكة العربية السعودية حيث عمل بصحيفة "الندوة" ونشر فيها عدة مقالات عن الاتجاهات الجديدة في الفلسفة والأدب، ثم عمل فترة قصيرة بالهيئة العامة للاستعلامات، هذا إلي جانب عمله بصحف أخري منها "روز اليوسف" وكان له مقال أسبوعي بصحيفة "السفير" اللبنانية. أثري الراحل المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والترجمات كان أغلبها في مجال المسرح فقدم "ازدهار وسقوط المسرح المصري" و"نافذة علي مسرح الغرب" و"أوراق من الرماد والجمر" و"رؤي الواقع وهموم الثورة المحاصرة" و"من أوراق الرفض والقبول" و"نفق معتم ومصابيح قليلة" و"من أوراق الزمن الرخو" و"البحث عن اليقين المراوغ قراءة في قصص يوسف إدريس"، و" مساحة للضوء مساحات للظلال". كما قدم للقارئ العربي ترجمات لأغلب أعمال المسرحي بيتر بروك، الذي بادر بإعلان تنازله عن حقوق الترجمة لصالح عبدالقادر، حين عرف بمرضه ، كما ترجم مسرحيات لتشيخوف "بلاتونوف، أو فضيحة في الريف" وتينسي وليامز "ليلة السحلية"، "فترة التوافق" أو آرثر أداموف "لعبة البينغ"، إلي جانب مؤلفات في المسرح ككتاب جيمس روز إيفانز "المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلي اليوم".