اتفق الوسط الثقافي على أن التغيير الحكومي المحدود الذي شمل أربع وزارات، من بينهم وزارة الثقافة جاء نتيجة موائمات سياسية ورغبة المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد في إرضاء مجلس الشعب، الذي تصاعدت وتيرة الخلاف بينه وبين حكومة دكتور كمال الجنزوري وتلويح المجلس بشكل مستمر برغبته في سحب الثقة منها، وأمام تمسك المجلس العسكري بالحكومة، جاء التغيير ليشمل وزارات ليست سيادية كحل وسط للأزمة بين البرلمان والحكومة. من جانبهم، أعرب المثقفون في تصريحات خاصة ل"محيط" عن ترحيبهم بتولي دكتور صابر عرب حقيبة الثقافة، رغم تأكيدهم أن قصر مدة توليه الوزارة سيقف حائلاً أمام طموحات الجماعة الثقافية.
أثنى الوزير السابق دكتور شاكر عبدالحميد على اختيار دكتور صابر عرب كوزير للثقافة، واصفه بأنه شخصية محبوبة لديه خبرة وليس غريباً على وزارة الثقافة، مؤكداً أن التغيير الحكومي الذي حدث هو نوع من الترضية ومحاولة فرض السلام السياسي بين الحكومة ومجلس الشعب، نافياً أن يكون إبعاده عن وزارة الثقافة نتيجة تصريحاته المعارضة لتيار الإسلام السياسي مشيراً إلى أن انتقاده لهم يأتي من رغبته في إعلاء مصلحة مصر ومراعاتها، معرباً عن سعادته لترك الوزارة.
وصف دكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب - الذي كان مرشحاً بقوة لتولي منصب وزير الثقافة - دكتور صابر عرب بأنه رجل صاحب خبرات، وابن للوزارة وملم بجوانبها، كما أنه عمل في أكثر من مكان بها، لذلك خبراته تسمح له بتولي هذا الموقع.
من جانبه أرجع الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف تغيير وزير الثقافة دكتور شاكر عبدالحميد إلى إبرام صفقة بين ثلاثة مجالس هم مجلس الوزراء والمجلس العسكري ومجلس الشعب، نظراً لتوتر العلاقة بين البرلمان والحكومة، فجاء التغيير المحدود إرضاء للبرلمان، لأن المجلس العسكري تمسك بالحكومة ورفض تغييرها بالكامل.
يواصل: على الرغم من أن التغيير محدود ولن يرضي الإخوان بالكامل، إلا أنه أفضل من عدم الاستجابة لمطالب البرلمان بضرورة تغيير الحكومة، وهذا الحل ساعد المجلس العسكري على إبقائه لحكومته، وتغيير الوزارات الهامشية.
لم يرجع الناقد فقط سبب تغيير وزير الثقافة إلى الموائمات السياسية، لكنه قال أن هذا بسبب مهاجمة الوزير السابق لقوى الإسلام السياسي في الفترة الأخيرة ووقوفه إلى جانب حرية التعبير والإبداع، وشجاعته في انتقادهم، وإعلانه دائماً أنه مع مدنية المؤسسة الثقافية، وربما تكون هذه التصريحات ذريعة لأن يمتد إليه التغيير.
أسباب عديدة عرضها الناقد قد تكون سبب لهذا التغير منها أن الوزير السابق فتح ملفات الفساد بالوزارة، فهاجمته ميليشيات الفساد ورغبت في الإطاحة به، أو قد يكون نتيحة رغبة الوزير نفسها.
لفت يوسف إلى أنه على الرغم من قصر المدة التي يتولاها دكتور صابر عرب كوزير للثقافة الأمر الذي سيجعل مهمته إجرائية، إلا أننا نطالبه بأن ينحي أية خلافات جانباً ويدعم الفكر وحرية الإبداع.
وحول اختيار دكتور صابر عرب أوضح يوسف أنه لم يكن مسئول مقلق أو تحيط به علامات الاستفهام، فهو أقل من أثار مشاكل وسيرته نظيفة وطاهر اليد، فالاختيار جيد لأنه خبير بالإدارة، كما أنه ليس ضد السلطة أو معها، فهو ينحاز للإدارة.
وصف دكتور زين عبدالهادي رئيس هيئة دار الكتب الاختيار بأنه تشريف لقيادات الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، لافتاً إلى أن دكتور صابر يتولى حقيبة وزارة الثقافة في وقت متأزم بالنسبة لمصر، لكنه قادر بحنكته على أن يتخطى العقبات، ووصفه بأنه شخصية شريفة نأى بنفسه طوال السنوات الماضية عن الانضمام إلى الحزب الوطني، وقدم إنجازات رائعة لدار الكتب.
وطالب عبدالهادي الوزير الجديد بضرورة فتح ملفات فساد الوزارة، وإعادة هيكلة الوزارة بأكملها، ودراسة كيف يمكن أن يصبح للثقافة دور في دعم الاقتصاد الوطني.
واستبعد عبدالهادي أن يكون تغيير الوزير السابق أتى بسبب تصريحاته المعارضة لتيارات الإسلام السياسي، واعتبر التغيير جزء من تغيير حكومي محدود، يحقق الموائمة بين المجلس العسكري ومجلس الشعب، بجانب أن التغير جاء تحقيقاً لرغبة بعض الوزراء في ترك مقاعدهم نتيجة للفوضى المتفشية في مصر، مؤكداً أن الوزير السابق ناقد كبير وصاحب قلم حر لن يقصف أبداً.
ثمّن دكتور حسام عقل أستاذ النقد بجامعة عين شمس والذي عرف عنه انشغاله بالعمل الثقافي، تغيير وزير الثقافة قائلاً أنه كان مطلباً مُلحاً من قبل جميع التيارات الثقافية، وبالتحديد بعد إعلان تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة التي لم تأت بوجوه جديدة، كما أن الوزير السابق لم يتحرك خطوات كافية لإعادة هيكلة المؤسسات الثقافية، أو إعادة النظر في السلاسل التي تصدر عن هيئات الوزارة المختلفة، فضلاً عن استعانته بناشرين للعمل في وزارة الثقافة، حيث كان جديراً ألا يدخل الوزارة في مظنة التربح، وهو أمر لم يفعله حتى فاروق حسني!، ويشبه الناقد ما فعله الوزير السابق مع التيارات الثقافية بالمثل الإسباني القائل "أحرق سفنه مع الجميع".
لا يعول عقل كثيراً على الاختيار الجديد لأنه لا يزال وزيراً للثقافة في حكومة انتقالية، قائلاً أنه على الرغم من أن دكتور صابر عرب قام بجهد طيب في رئاسته لدار الكتب وبذل جهوداً كبيرة في حماية الوثائق والأرشفة، لكن لا يزال نسيج الاختيار كما هو لم يتغير، وهو اختيار وجوه تنتمي لمرحلة سنية متقدمة رغم أن الدفع بالشباب واجب، ولا يعد هذا انتقاصاً أو قدحاً في سيرة الوزير على حد قول عقل.
ووصف عقل التغيير الحكومي بأنه يفتقد للجدية ليصبح تغييراً ديكورياً، لأن الوزارات التي تم تغييرها لا تمثل شيئاً في صميم البنية السياسية أو الاقتصادية في مصر، لذلك فإن التيارات الثقافية الآن لا تكترث كثيراً لهذا التغيير، وتراه مجرد تحريك لقطع الشطرنج، لكنها تعوّل على وزير مستمر في حكومة جديدة، مؤكداً أنه لا تغيير جذري سيشهده المشهد الثقافي إلا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
يذكر أن دكتور محمد صابر إبراهيم عرب هو الرئيس السابق لمجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، ولد عام 1948، ومن مؤلفاته " الحركة الوطنية فى مصر 1908-1914"، "حادث 4 فبراير 1942 والعلاقات المصرية البريطانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية"، " المدخل إلى تاريخ أوروبا الحديث "، "الدين والدولة في الفكر الإباضي"، وغيرها من المؤلفات.