أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ضرورة استعادة المواطن العربي لعزته وكرامته ، التي صانها الشرع وجعلها شعارا للمسلم القوي، وعودة الروح لوجدان أبناء الأمة حتى يعودوا إلى ريادتهم والى خيريتهم التي اصطفاهم المولي عز وجل بها بين الأمم، معربا عن أسفه لاستمرار شلال الدم على ارض سوريا الشقيقة وما يتعرض له المواطن السوري ومنتقدا الأمة الإسلامية والضمير العالمي لعدم القيام بدور فعال لوقف تلك الأوضاع و المشاهد التي تقشعر لها الأبدان . جاء ذلك خلال استقبال فضيلة الإمام الأكبر ونخبة من علماء الأزهر من أعضاء مجمع البحوث الاسلامية وعمداء الكليات العربية والشرعية بمشيخة الازهر اليوم الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي والوفد المرافق له .
وقال الدكتور الطيب لو كانت هذه الخاصية موجودة بيننا الآن ما استمر شلال الدم علي ارض سوريا الشقيقة ولو كان هذا الدم لحيوانات لانتفض الضمير العالمي، فما بالنا باسمى مخلوقات الله هذا الإنسان الذي كرمه ربه،ونفخ فيه من روحه،واسجد له ملائكته وتساءل أليس من العار علي أبناء الأمة أن ينظروا إلي تلك الأوضاع دون ان يتحرك الضمير العالمي بصورة فعالة لإيقافه .
من جانبه أشاد الأمير الحسن بن طلال بالأزهر الشريف باعتباره المرجعية الدينية الكبرى للمسلمين ولعطائه المستمر في جميع المجالات الإنسانية ، وانتشار خريجيه في جميع بلدان العالم ولدوره المحوري في بلورة الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل ،وترسيخ مفاهيم وقيم المحبة والتسامح بين الناس ووضع أسس لمنظومة الحريات وبناء المؤسسات الدستورية حيث تجلي هذا الدور في مبادرته التي قام بها بعد الثورة المصرية ودعوته لاقامة الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة .
وأضاف الأمير الحسن في كلمته خلال اللقاء ان الأزهر وفق في مساعيه لتفعيل دور المؤسسة الدينية في الواقع الإسلامي الراهن خصوصا في ظل المتغيرات الجذرية التي تمر بها منطقتنا العربية والإسلامية وقدم عبر التاريخ صيغا حضارية للعلاقة بين المواطنين المصرين بجميع أطيافهم مسلمين ومسيحيين بما يؤكد أهمية وجوده كمرجعية إسلامية وحضارية جامعة تتجاوز الأطروحات الطائفية والرؤى الفئوية وهو موقف يسجل للأزهر الذي يعبر عن موقف الإسلام الوسطي المعتدل .
وأوضح أن الأزهر يقدم نموذجا للدور المرجو من المؤسسات الدينية والعلماء الذين يفهمون الدين حق الفهم ويتحملون توجيه الأمة وترشيد طاقتها وتهذيب سلوكياتها وتقويم حركاتها التغيرية ومحاربة الفساد السياسي والاقتصادي والإداري الذي يتعارض مع القيم الإسلامية والمشاركة الفاعلة في بناء الأمة وإعلان هوية الوطن لاسيما في هذه الأيام التي تشهد حراكا سياسيا وتطرفا كبيرا في الخطاب الديني وقيام جماعات عديدة باستخدام الدين استخداما خاطئا.
كما دعا الأمير الحسن خلال لقائه مع شيخ الأزهر إلي تفعيل دور الفقه الإسلامي بحيث تؤدي مؤسسة الاجتهاد دورها في معالجة قضايا المجتمع المعاصر ومشكلاته علي مختلف الأصعدة وتنظيم شئون الفتوى من خلال مؤسسات مؤهلة قادرة علي الحد من فوضي الفتاوى لمواجهة ما نشهده هذه الأيام من تطرف في الخطاب الديني وقيام جماعات عديدة باستخدام الدين استخداما خاطئا.
وطالب بضرورة إعداد جيل فاعل من الدعاة والأئمة وعلماء الدين والارتقاء بفكرهم وكفاءتهم ليسهموا في بناء مجتمعاتهم وتوجيه العقول والطاقات لتحقيق مضامين التعارف والاستخلاف ومحاربة الفتن والنزاعات التي راح ضحيتها أكثر من 92 مليون شخص منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية "وما يزيد الألم أن الدول الإسلامية كانت طرفا رئيسيا ولا زالت في النزاعات والفتن .
وأشار الأمير الحسن إلي عدد من المشكلات التي تواجه الدول العربية والإسلامية ومنها مشكلات الفقر البطالة والأمية ونزيف العقول"هجرة العقول"والتي كانت سببا رئيسيا في الحراك العربي الأخير مطالبا بضرورة إيجاد خطط عربية محكمة لمواجهة كل هذه التحديات وبناء نموذجا حضاريا بعيدا عن الاستعلائية والاستغلالية ،حيث آن الأوان لان يكون للمؤسسات العربية والإسلامية دورا رائدا في إقامة المشاريع الاستثمارية والبرامج التنموية التي تنهض بالأمة .
واقترح الامير الحسن إنشاء المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل كمؤسسة لتنمية أموال الأيتام و تفعيل دور الأوقاف الخيرية داعيا الأزهر إلي المشاركة في إخراج مشروع صندوق الزكاة العربي والإسلامي إلي النور لكي يساهم في تنمية المجتمعات العربية والإسلامية.
وحذر من الأطماع والمشاريع التي تستهدف منطقتنا لتقويض المحاولات الجادة للإصلاح السياسي والاقتصادي بما يؤكد أهمية التفاعل الفكري وتكامل الخبرات بين أبناء الأمة العربية والسلامية التي يجمعها الهم والأمل والمصير المشترك .
ودعا الأمير الحسن إلي إطلاق مبادرة مشروع الميثاق الاجتماعي العربي الذي يتفق مع وثيقة الحريات التي أطلقها الأزهر والتي كانت مرجعا أساسيا لمشروع الميثاق ، داعيا الأزهر للمشاركة في الاجتماع الموسع القادم الذي سيقر وثيقة الميثاق بشكلها النهائي مقترحا إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان كمؤسسة تضمن النزاهة والمراقبة لجميع المؤسسات في الدول العربية والإسلامية.
من جانبهم أشاد علماء الأزهر الشريف الذين حضروا اللقاء وفي مقدمتهم الدكتور نصر فريد واصل والدكتور محمد المختار المهدي والدكتور إسماعيل الدفتار والدكتور محمد رأفت عثمان والدكتور الأحمدي أبو النور أعضاء مجمع البحوث الإسلامية والدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية والدكتور أسامه العبد رئيس جامعة الأزهر وعمداء الكليات الشرعية بالقضايا التي طرحها الأمير الحسن في كلمته والتي شخصت الداء بين أبناء الأمة وبينت كيفية الخروج منها ومن أزمتها الراهنة إلي غد مشرق مزود بالعلم والمعرفة والعزة والكرامة.